منذ فترة من الزمن ليست بالبعيدة اعتادت أغلب البيوت في السعودية وبعد أن تنهي إفطارها الرمضاني، والصلاة التي تتلوه، أن تترقب ما سيقدمه التلفزيون من فقرات المسلسل الفكاهي والناقد طاش ما طاش، وقد أصبحت الوجبة الكوميدية مرتبطة بأغلب أساليب حياة الشعب السعودي، يستمتعون بها ويرونها تعكس تفاصيل حياتهم. لقد أذهل بطلا المسلسل العالم، وأدخلوه في صميم الحياة اليومية للفرد السعودي، قد نعتبرهم رواداً ومسجلين لأولى صفحات الشاشة الكوميدية المحلية التي سافرت لجميع الأقطار ودخلت كل البيوت.
قصص وشخصيات كوميدية
ناصر القصبي، وعبدالله السدحان، ومسلسل «طاش ما طاش»، من يستطيع أن يمحو تاريخه الذي استمر عالقاً كعادة رمضانية كل عام منذ بداية التسعينيات وحتى 2011، ثمانية عشر عاماً في رمضان يعرض قصصاً شعبية ومعاصرة مستوحاة من أحياء وأزقة المدن والمناطق السعودية، ويعكس واقع الشعب ويجسد شخصياته سواءً بفؤاد الشاب الحجازي أو أبونزار وأخيه ومغامرات العائلة السعودية، أم أبوعلي الرجل الجنوبي، وسعيدان وعليان مراهِقا الزمن الجميل، حاكوا المجتمع و رصدوا قضاياه، كانوا مرآة يرى كل فرد نفسه من خلالها ليضحك ويبتسم، رغم مرارة بعض القضايا المطروحة ورغم الخجل الكثير من المشكلات الخاصة، والتقوقع في هالة الخصوصية إلا أن «طاش ما طاش» كان يخترق تلك الهالة ويقدم المشكلة بصور ساخرة، تجعل المجتمع ينسى آلامه وهمومه، ويبحث عن الحل أو يستصغر الهم حتى يذهب.
مشاركة المشاهد جزء من نجاح العمل
لم يكن سهلاً اختراق خصوصية هذا المجتمع المحافظ، ومواجهته بحقائقه ومشكلاته وقضاياه، لكن دخول ناصر وعبدالله لقلوب المشاهدين، جعل من الشعب شريك نجاح، وداعماً حقيقياً لاستمرارية المسلسل، فمن الجزء الثامن فتح الفنانان باب المشاركة للجمهور، بكتابة أفكارهم و قصصهم ومعالجتها درامياً وتمثيلها، ووضع مكافآت لكل فكرة، حيث كانت هناك جوائز لأفضل ثلاث أفكار.
بعض من أجزائه مطلوب لمكتبة الكونجرس الأمريكية
رغم ذلك لم يكن طريق نجاح هذا المسلسل مفروشاً بالورد، بل صادف الكثير من العقبات، من تغير مخرجيه وشركات الإنتاج ودخول وخروج الكثير من الممثلين الذين برز نجمهم من خلال هذا المسلسل، كما طالته فتاوى بعض المشايخ التي أفتت بتحريم مشاهدته بفترة من الفترات، كل ذلك جعل منه حديث الملايين، والمسلسل الكوميدي المفضل ليس فقط على مستوى المملكة، بل تجاوزت شهرته لتصل للعالم العربي والخليج، كما طلبت مكتبة الكونجرس الأميركية بعض أجزاء العمل لوضعه في أرشيف المكتبة.
«معارك طاش ما طاش»
في عام 2007 ألفت الأديبة والروائية بدرية البشر، وهي زوجة الفنان ناصر القصبي أحد أبطال المسلسل كتاباً بعنوان «معارك طاش ما طاش» يبحث عن تأثير المسلسل، ودوره في قضايا المجتمع السعودي الذي أسرته ذهنية التحريم، ليغيب عن النقاش والمحاربة في سبيل قضاياه ومطالبه، بسبب الخوف والخضوع لفئة نصبت نفسها سلطة على المجتمع، تحرم وتحلل وفق أهوائها ومصالحها.
مازال مستمراً
والآن بعد مرور 4 أعوام من انتهاء أجزاء المسلسل وانقطاعه عن جماهيره، فهل بارحت قصصه ذاكرة المشاهد؟
بالطبع لا فمازالت حلقات المسلسل تعرض طوال العام على جميع القنوات العربية مما زاد من شعبيته، ودائماً تستعين البرامج الكوميدية بمقاطع من حلقاته لتعود بنا الذكريات لتلك القصص التي عشناها، لكن يبقى التساؤل المهم رغم كثرة المسلسلات التي ظهرت وأخذت نفس المسار ونفس الفكرة، لماذا لم تصل لهذا النجاح الساحق لكل أفراد المجتمع وترتبط هذا الارتباط الوثيق بهم؟