mena-gmtdmp

الجامعة الزيتونية إحدى أعرق المدارس الدينية

6 صور
أسس عبد الله بن الحبحاب جامع «الزيتونة» سنة 116هـ الموافق 734 م، وشهرة هذا الجامع لا تعود فقط للدور الذي قام به كمسجد للصلاة والعبادة، فحسب بقدر ما تعود إلى الدور العلمي والثقافي الذي لعبه عبر العصور.
كان لجامع الزيتونة طيلة فترة الانتداب الفرنسي على تونس، والتي امتدت إلى ثلاثة أرباع القرن، دور هام في المحافظة على الهوية العربية والإسلامية للبلاد التونسية، أمام محاولات الطمس والتغريب للمستعمر الفرنسي، وتعدّ «الجامعة الزيتونية» إحدى أقدم المدارس الدينية وأعرقها في العالم العربي والإسلامي، إذ بدأت فيها الدراسة منذ القرن الثاني للهجرة، وبذلك تكون الجامعة الزيتونية أقدم من جامعة «الأزهر» بمصر وجامعة «القرويين» بالمغرب وتخرّج فيها على امتداد القرون الماضية، والمتتالية آلاف الفقهاء والأدباء والقضاة والمعلمون، ونشأت للجامعة الزيتونية فروع داخل البلاد، يتلقى فيها التلاميذ المراحل الأولى من التعليم الزيتوني قبل التحاقهم بحلقات الدرس في الجامع الأعظم بتونس العاصمة.
فقه وتفسير وعلوم شريعة
أسلوب التدريس في جامع الزيتونة وصف بأنه أسلوب تقليدي، وأكثر الدروس كانت في الفقه والتفسير وعلوم الشريعة وأصول الدين، وبعض المبادئ العامة في اللغة والنحو، وكانت حلقات الدروس تلتئم حول الأئمة والمشايخ، مع توفر أنظمة للامتحانات والشهادات «كالأهلية» و«التحصيل»، وكان الطلبة يقبلون على الدراسة بجامع الزيتونة من كافة أنحاء البلاد التونسية، ومن الجزائر أيضاً ومن بعض دول إفريقيا السوداء.
كما ساهم جامع الزيتونة في بروز بعض الرواد والزعماء في حركة التحرير الوطنية بتونس والجزائر من أمثال المصلح والزعيم عبد العزيز الثعالبي، الذي أسس الحزب الدستوري التونسي، كما درس الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين بجامع الزيتونة، وعدد من الجزائريين الآخرين.
بعد فترة قصيرة من استقلال تونس تم إلغاء التعليم الديني بجامع الزيتونة، وتحويل الزيتونة كمؤسسة تعليمية إلى كلية للشريعة وأصول الدين، وتم بعث نظام تعليم موحد، وأصبحت كل المؤسسات التعليمية خاضعة لسلطة الدولة، كما تم تعميم تجربة «المدرسة الصادقية» بالنسبة للمرحلة الثانوية باعتبارها نموذجاً ناجحاً للتعليم العصري، وأصبح الدين يدرّس ضمن المواد الأخرى في التعليم الابتدائي، كما تخصص بعض الأساتذة المتخرجين في كلية الشريعة في تدريس مادة «التربية الدينية والمدنية» ضمن مناهج التعليم الثانوي،
وعمل المسؤولون على إصلاح التعليم في تلك الفترة؛ لتكون مادة التربية الدينية عنصراً لربط التلميذ بهويته العربية والإسلامية، والحقيقة أن خريجي جامع الزيتونة كان ينظر إليهم في الأعوام الأولى من الاستقلال على أنهم من ذوي اللسان الواحد، فهم لا يجيدون إلا اللغة العربية فقط.
روح التسامح
اليوم استردت الجامعة الزيتونية حيويتها، واستأنفت دورها في نشر المعرفة الدينية، وتم وضع تصور لتدريس علوم الدين، عماده الاستناد إلى خير ما في التراث والانفتاح على مقتضيات العصر، والقصد من ذلك هو الظفر بجامعة قادرة على استلهام المقاصد الحكيمة للإسلام، وعلى الإضافة لمكتسبات العقل الإنساني بروح من التسامح الذي ما انفك يميز الإسلام الحق، ويدحض التطرف والتعصب، والجامعة الزيتونية تؤمّن تكويناً لمرتاديها، يؤهلهم لاكتشاف ما في قيم الإسلام من أسباب الارتقاء بالذات البشرية إلى مصاف الشخصية الحرة المسؤولة المقتدرة على الجمع بين الوفاء لنبل مقاصد الدين، وضرورة الاستجابة السليمة لمقتضيات الحياة.