حكايات كاتبات مع الوحي والخيال في رمضان

3 صور

«لا لن أمسك القلم خلال شهر رمضان». . «يا أخي ما يجي الوحي والخيال إلا وأنا صايم». «الجوع يخليني أتمشى كثيراً وما أركز إلا قبل الإفطار بساعة». «أركض بعد الإفطار إلى شاشة اللابتوب مع فنجان قهوتي؛ حيث تنهال الأفكار على رأسي مثل زخات المطر في شهر يناير».

حال المثقفين
هذه هي أحوال بعض الكتاب والمثقفين خلال شهر رمضان المبارك، بعضهم ينقطع عن ممارسة العمل الأدبي سواء الرسم أو الكتابة، فيما يكتشفون أنهم أكثر قدرة على العمل خلال ساعات الصيام بين وطأة الجوع والعطش، وهذا كله يتماهى مع طقوس كل منهم الخاصة خلال الشهر الكريم التي اعتادوا عليها منذ الصغر.

ترى الروائية السعودية، زينب البحراني أن «شهر رمضان يمتاز بطاقة روحانية عالية، التي يندر أن تتكرر في أي موسم آخر من مواسم العام، وهذه الطاقة الروحانية مثالية جداً للبحث والفكر والكتابة بالنسبة لي؛ لذا تتضاعف خلاله شهيتي للقراءة، والإبداع والتعبير عن آرائي بحريّة وانطلاق روحي استثنائي، فيما أقضي أوقاتاً أخرى في التأمل ومحاولة الاقتراب من رب العالمين بالقلب والعقل واللسان، كما أستغل الفرصة خلال هذا الشهر الفضيل بالحرص على تمضية أطول وقت ممكن مع أسرتي، أي أنني أحاول خلال شهر رمضان الابتعاد قدر الإمكان عن ضجيج العالم الخارجي المادي؛ كي أهب روحي مساحات من السلام لتتنفس وتولد بصورة أكثر نقاء، إنها فترة مثالية لمواجهة الذات، ومصارحتها بهدوء، وجرد حساباتها بكثير من الموضوعية وشيء من الحنان».

صوت أبي
أيضاً يمثل شهر رمضان المبارك الكثير بالنسبة للروائية الجزائرية، فضيلة الفاروق، وتشرح قائلة: «أعيش إيقاعه الروحاني الجميل، ينبعث بين جنباته كمٌّ كبيرٌ من النوستالجية، التي أسترجع فيها حياتي مع عائلتي».
أما عن إيقاع حياة فضيلة الفاروق خلال الشهر الفضيل؛ فتصفه على الشكل التالي: «أستيقظ يومياً قبل السحور بقليل لأحضر طاولتي وخبزاً طازجاً، كما كانت تفعل أمي بالتبني «ماما كلثوم». أحب رائحة الخبز والقهوة في هذا الوقت، أتسحر وأقرأ ما تيسر من القرآن الكريم حتى يعلو أذان الفجر فأصلي؛ خصوصاً أن عادة صلاة الفجر ترسخت في داخلي منذ سن الثالثة عشرة؛ لأني عشت في بيت يحترم مواقيت الصلاة، ولاأزال أسمع في أذني حتى الآن صوت أبي الذي رباني، رحمه الله، وهو يقرأ القرآن كلما قرأته، ولا أعود للنوم عادة لأن أفضل وقت للكتابة بالنسبة لي هو وقت الفجر، وحين يبدأ النهار أشعر بالتعب من الكتابة فأشاهد إعادة بعض المسلسلات، أرتب البيت وأحضر إفطاري؛ فيكون الوقت قد تجاوز صلاة الظهر فأنام ساعتين، أستيقظ بعد الظهر لأقرأ مزيداً من القرآن، كما أن ختم القرآن الكريم خلال الشهر الفضيل أيضاً من العادات التي رباني عليها أبي بالتبني، رحمه الله، عموماً لا أحب أن يزعجني أحد في هذا الشهر، أو يخلط مواقيتي ببعضها، لهذا عادة لا أرد على هاتفي، أضعه صامتاً وأفصل هاتف البيت؛ لأني أعيش أحد عشر شهراً في العام من أجل الجميع؛ فبالتالي من حقي أن أرتاح وأعيش شهر رمضان من أجلي».
تتناول فضيلة الفاروق إفطاراً بسيطاً في شهر رمضان، «صحن شوربة فريك على الطريقة الجزائرية، وأحضر في المنزل خبزاً خاصاً لشهر رمضان، بالإضافة إلى صحن السلطة وبعض الفواكه، ثم أخلد إلى النوم باكراً بعد ساعة من الإفطار، لأني لا أحب السهر أبداً في رمضان، إلا حينما كنت مراهقة؛ حيث استمتعت بالسهرات الرمضانية في مدينتي قسنطينة في الجزائر، التي تتميز بليالٍ رمضانية ذات نكهة خاصة، تشبه حكايات ألف ليلة وليلة، هذا هو الهدوء الذي أعيشه في رمضان، أحب هذا الشهر الذي تنتعش فيه روحي».

صالون أدبي
وبعيداً عن الهدوء الذي تعيشه فضيلة الفاروق، وضعت الكاتبة والفنانة التشكيلية السعودية، مها باعشن، جدولاً حافلاً من العمل خلال الشهر الفضيل؛ حيث أنعشت الحركة الثقافية في بيت جدها، محمد صالح بن علي بن عبدالله باعشن العريق، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى ما قبل مئتي عام، أي منذ أيام الدولة العثمانية، تقول مها: «نقيم حالياً صالوناً أدبياً ثقافياً خلال شهر رمضان، من أجل استضافة أهم الكتاب في حلقات حوارية يديرها الكاتب ثامر شاكر، وتقول: كان لدي قبل بضعة أيام محاضرة عن أعمالي الأدبية والجوائز المحلية والعالمية التي حصلت عليها، بالإضافة إلى جدرانية جدة وأيامنا الحلوة للشيخ منصور الزامل، التي أقامها في مكتب جدي، رحمه الله، أيضاً ننظم فعالية مهمة جداً بعنوان (كان كذه)، التي يشارك فيها عشرة رسامين؛ حيث يعيدون رسم صور حديثة لمنطقة جدة التاريخية بطريقة تشكيلية، والحمد الله، لقيت هذه الفعالية رواجاً كبيراً».

ليس ذلك فقط؛ بل تستغل مها باعشن هذا النشاط الثقافي الذي تنظمه في شهر رمضان لنشر روايتها الجديدة «أيامنا الحلوة» عن مدينة جدة التاريخية والتراث والتاريخ الحجازي، تقول: «لقد جمعت في الرواية بين شخوص في عالمنا الواقعي وآخرين في الخيال، من أجل إكسابها المصداقية والحيوية، كما سردت فيها جزءاً من تاريخ أجدادي وبيت باعشن العريق».