ما هي العلاقة بين الحالة النفسية ومرض السكري؟

2 صور

يعتبر مرض السكري من الأمراض التي لها تأثيرات خاصة على الحالة النفسية للمريض وأسرته؛ لأنّ المرض يمثّل حالةً طويلة الأمد من صراع بين المصاب وبين المرض وتكاليف العلاج، والتهديدات التي قد تصاحب حياته، ويعتقد أنّ دور العامل النفسي يتمثل في التعجيل بالإصابة بمرض السكري للأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي للإصابة بهذا المرض، وأيضًا في قدرة المصاب على الاستجابة للعلاج عند بدء تشخيص المرض. (سيدتي) التقت بالأخصائية النفسية نجاة قاضي في اطار حملتها " حلوين بدون سكر والتي انطلقنا فيها مع بداية شهر نوفمبر للتوعية بامراض السكري، والتي تحدثت حول السكري وعلاقته بالحالة النفسية من جميع النواحي.

ما علاقة السكري بالحالة النفسية للمريض؟
قد يجهل البعض أنّ هنالك تأثيرات نفسية قد تصيب مرضى السكري، وتؤثر عليهم من جراء إصابتهم بهذا المرض، وهنالك علاقة وثيقة بين المصابين بهذا المرض والحالة النفسية؛ لأنّ العوامل والسلوكيات في الفرد وفي طريقة حياته يمكن أن تكون مساعدةً على تهيئة هذا الفرد عن غيره للاصابة بداء السكري كالكسل والإدمان على شرب المشروبات الغازية، وتناول كميات كبيرة من النشويات والأطعمة الجاهزة والسريعة، وهناك عوامل نفسية وعاطفية يمكن أن تُظهر داء السكري فيما لو تعرض الشخص لضغوط شديدة أو انفعالات حادة نفسية. وعلاقة السكري بالحالة النفسية علاقة ثنائية؛ حيث إنّ الحالة النفسية السيئة تؤدي إلى اختلال معدل السكري عن الحد الطبيعي، وذلك يؤدي إلى سوء الحالة النفسية، وبما أنّ ردود فعل المصاب تختلف من إنسان لآخر وتتمثل في تقبله للمرض ومتابعته للعلاج، أو رفضه وعدم تقبله للمرض أو للعلاج، وبالتالي تكون هناك الكثير من الضغوط على المصاب بالسكري، وتؤثر هذه الضغوط تأثيرًا نفسيًّا سلبيًّا على المريض والمحيطين به، حيث تتمثل في طول فترة المرض التي تستمر حتى نهاية العمر، خاصةً إذا أصيب أحد أفراد الأسرة أو الأقارب بمضاعفات المرض وآثاره، فتبقى خبرة سيئة عالقة في الأذهان.
المتابعة المستمرة بالمستشفى وتناول العلاج المستمر واستخدام الأدوية أو الحقن وعملية التحليل والفحص اليومي لمعدل السكري في الدم يشعر المريض بالتقيد والملل، كذلك نظام التقيد بالحمية الغذائية وتناوله لأغذية بكميات ونوعيات محددة. وهذا قد يثير لدى المصاب ميلًا للمقاومة مع عدم تقبله للمرض، وتتولد لديه مشاعر الحرمان والقلق والخوف تجاه الأطعمة، كذلك قد يكون هناك صراع بين المصاب وممن يعتنون به من العائلة خاصةً عندما يتخذون صفة الوصاية عليه في المأكل والمشرب بدقة هذا الأمر يتعب نفسيته.

هل يعني هذا أنّ الإصابة بمرض السكر تزيد بسبب الحالة النفسية؟
بغض النظر عن الأسباب العلمية أو الصحية المسببة لهذا نجد كثيرًا من المصابين في البداية يزعمون أنّ المرض ظهر لديهم بعد تعرضهم لأزمة نفسية لكن الواقع أنّ الإصابة كانت كامنةً لديهم قبل تعرضهم لتلك الأزمة. لكنها في كل الأحوال تزيد من تفاقم الأعراض وبالتالي تترتب على الإصابة به تبعات نفسية ومزاجية لمريض السكري، وهنالك دراسات ربطت بين مستوى السكر في الدم ومعدل السكر التراكمي وحجم الجزء الأبيض والجزء الرمادي من المخ، واتضح أنّ ارتفاع السكر على المدى البعيد يؤثر في حجم المخ وكذلك فترة الإصابة بالمرض، ووجدت أنّ بعض المرضى يعانون من ضيق في الأوعية الدموية وبالتالي قلةً في تدفق الدم، وقد يكون ذلك هو السبب لضمور المخ، إضافةً إلى تأثير ارتفاع السكر على المخ وأنسجته وبهذا الواقع فإنّ التأثير التشريحي على المخ والذي يصاحبه نقص حجم المخ وأنسجة الدماغ نجده يمتد إلى وظائف المخ أيضًا، وبالتالي يؤثر على الذاكرة وقوة الإدراك والحالة النفسية للمريض والتحكم بالعواطف والقدرة الحركية والقدرة الجنسية للمريض.

 

 


وهل هنالك ردة فهل نفسية تصيب المريض بعد علمه أنه سيكون مريض سكري؟
بالتأكيد تبدأ المظاهر النفسية السيئة غالبًا من رد الفعل النفسي عند اكتشاف المرض لأنّ كل إنسان لا بد أنه سمع عن السكري وعن مضاعفات المرض، ولكن تختلف من مريض لآخر اختلافًا كبيرًا، وتتمثل إمّا بالرفض والإنكار، وهو أمر ورد فعل شائع؛ فالبعض قد يتعمد عدم اتباع النظام الغذائي، أو الإهمال في علاج المرض، أو تناول العقاقير كأنه يتحدى نفسه، وهناك أيضًا التمرد على العلاج وهو جانب من جوانب الرفض خاصةً إذا كان المحيطون بالمريض من أفراد الأسرة ينتحلون صفة الوصاية الكاملة على أكل وشرب المريض كالأم والزوجة، فما من أحد يمكن أن يقبل التحكم الكامل طوال الوقت ولمدة طويلة من العمر في تفاصيل معيشته وتذكيره باستمرار بمرضه، وأنه مريض سكري هذا يؤثر تأثيرًا سلبيًّا على نفسية المريض، أو قد ينشأ خوف شديد من المرض وآثاره كردة فعل عند بعض المرضى خاصةً ذوي الشخصية الوسواسية، وإذا زاد الخوف عن حده فإنه يسبب للمريض اكتئابًا ويحول حياته إلى حياة منكمشة على نفسها، كذلك هنالك الشعور بالذنب الذي يحدث عند وجود المرض في أسرة واحدة، حيث ينتاب المريض أحيانًا ومن غير شعور أنّ هذا المرض جاءه عقابًا له بسبب أخطاء ارتكبتها بنظامه الغذائي في الماضي، وأنه هو سبب إصابته طوال العمر بهذا المرض المهلك، الأمر الذي يؤدي بالمريض إلى حالة من الإحباط ويؤثر على نفسيته بطريقة لا تتخيلونها.

وما الأمراض الأخرى التي تصاحب مريض السكري وتكون لها علاقة بالحالة النفسية؟
قد يكون أولها تعرضه للاكتئاب، وهو المرض الذي يتبع بعض مرضى السكري، ويكون ناتجًا عن الاضطرابات النفسية الشائعة بين مرضى الأمراض الجسمية المزمنة بصفة عامة، ومرضى السكر بصفة خاصة، وتعد حالةً عابرةً تحدث نتيجةً لبعض الأحداث المؤلمة من سماتها انخفاض قيمة الذات، وقلق يمزج بين التعاسة والأفكار غير السارة، بالإضافة إلى العجز عن مجاراة الحياة اليومية، وضعف الطاقة، وصعوبة التركيز، وسرعة الإنهاك، وكلها أعراض نجدها لدى غالبية مرضى السكري.

وهل مرض السكري له علاقة بالضغوط النفسية التي يتعرض لها الإنسان؟
أعتقد أنّ مرض السكر يرتبط بالضغوط النفسية ارتباطًا وثيقًا، فنرى أنّ بعض الدراسات تؤكد أنّ الضغط النفسي سببًا رئيسًا في حدوث المرض إذا ما تعرض الشخص لصدمة فجائية كوفاة قريب أو عزيز أو حادث مفجع، أو تعرضه لخسارة فادحة في تجارته، وغيرها من الصدمات القوية التي قد تصيب أي إنسان، وهناك دراسات أخرى تنظر إلى الضغوط النفسية كنتائج للإصابة بالمرض، وفي كل الأحوال يحتاج مريض السكر لوعي في التعاطي والتعامل معه على كافة الأصعدة مهما كانت أسباب إصابته بالمرض هل هي نتيجة ضغوط نفسية أم أنها عوامل وراثية.

وهل تعاني الفتاة المصابة بالسكري من أزمة نفسية جراء إصابتها بسن مبكر بهذا المرض؟
بالتأكيد هنالك خوف يصاحب الفتاة التي لم يسبق لها الزواج وأصيبت بالسكري من عدم إمكانية زواجها نتيجةً لأصابتها بهذا المرض، والتخوف من عدم مقدرتها على أداء مهامها الزوجية، مما يؤدي إلى إصابتها بالتوترات النفسية أو الاكتئاب أو القلق والخوف من الإصابة بمضاعفات هذا المرض مستقبلًا، كالإصابة ببتر أحد الأعضاء أو الفشل الكلوي، أو انفصال في الشبكية، أو المشكلات الجنسية لدى الذكور، وغير ذلك من المضاعفات التي تتسبب في تحول الحالة النفسية لدى المصاب إلى الأسوأ وكل هذه الضغوط على المصاب بالسكري تؤدي إلى ظهور اضطرابات نفسية مثل السلوكيات المضادة للمجتمع من تدمير للذات أو للغير، كذلك الإفراط في التدخين أو الإهمال، أو الاضطراب الغذائي، أو الابتعاد عن الاجتماع بالآخرين، بالإضافة إلى الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والوسواس.

وما الأعراض النفسية التي قد تظهر على مريض السكري؟
هناك أعراض نفسية ذات علاقة مباشرة بمريض السكري أولها الاكتئاب والتأثر النفسي أو الصدمة أو اضطراب التأقلم عند سماع خبر التشخيص بهذا المرض، أما الأعراض النفسية المصاحبة، فهي إما ارتفاع أو انخفاض مستوى السكر في الدم، والمضاعفات النفسية على المدى الطويل كالقلق والاكتئاب النفسي الدائم، كذلك القلق يظهر في صورة خفقان ورعشة وبرودة في الأطراف مع جفاف في الفم وزغللة في العين، وربما دوخة أو صداع مع تخوف توقع الأسوأ، وسرعة انفعال وعصبية دائمة وآلام عامة في العضلات وسرعة في القذف لدى الرجال، كذلك النشاط الحركي والفكري للإنسان يختلف حيث تقل شهيته ويضطرب نومه وينعزل وينطوي على نفسه مع نظرة سلبية للحاضر، وتأنيب ضمير على الماضي وتشاؤم للمستقبل، وتأتيه باستمرار أفكار تمني الموت، أو ربما محاولات الانتحار أحيانًا لدى بعضهم، وهنالك أمر مهم أيضًا لابد من ذكره وهو أنّ المرضى النفسيين هم أيضًا أكثر عرضةً من غيرهم للإصابة بداء السكري ومضاعفته، كما أنّ بعض الأدوية النفسية قد تساهم في زيادة نسبة السكر في الدم الأمر الذي يستوجب إجراء تقييم شامل لأي مريض ومراجعة علاجاته وتأثيراتها المختلفة عليه قبل صرفها.

وأخيرًا كيف يمكن لمريض السكري نفسيًّا أن يتعايش مع مرضه؟
للتعايش مع المرض نفسيًّا لابد أن يكون هنالك استعداد نفسي لدى المريض في اتخاذ هذا المرض صديقًا له يهادنه بالالتزام بالنظام الغذائي وممارسة الرياضة والمداومة على قياس نسبة السكر، ومن خلال خبرتي هنا يأتي دور الأسرة في محاولة إخراج الفرد المصاب بمرض السكري من العزلة التي يحدثها له المرض عبر الأنشطة الاجتماعية سواءً مع أفراد الأسرة أو الأقارب أو الأصدقاء، ومراعاته بحمايته بطريقة غير مباشرة من التوتر والإجهاد الجسدي والضغط النفسي، وعدم تذكيره دائمًا أنه إنسان مريض، واحتوائه من قبل الطرف المقابل له أو صاحب العلاقة المباشرة بالمريض كالوالدين أو أحد الزوجين أو الأبناء، وعليهم أن يخففوا حدة القلق أو التوتر لديهم عن طريق اتباع الإرشادات العلاجية لتحسين العلاقة المزاجية لهم، وكذلك الاستعانة بخبرة الطبيب المباشر لعلاج المريض لديهم، وأخصائي نفسي يوجههم كيف يتعاملون معه، لذلك لابد من التعامل مع المصابين بداء السكري بطريقة محبة، ونشعرهم دائمًا بأنه يمكنهم التعايش مع هذا المرض وأنه كبقية الأمراض والتحكم بالمرض بالعلاج الصحيح، كذلك إشعارهم بأنهم أشخاص مقبولين بالمجتمع، وليسوا مرضى منبوذين أو أنهم عبء على أفراد الأسرة بسبب مرضهم، وأنهم أناس منتجون لهم دورهم في الأسرة والمجتمع، وأن يتم تقديم الدعم الديني والأسري إلى جانب تقديم الإرشاد والعلاج النفسي والعلاج الدوائي إن احتاج المريض بطريقة صحيحة لذلك، واللجوء إلى مختصين بالطب واتباع العلاج بطريقة سليمة، وكذلك باختصاصين نفسيين لمحاولة تفهم نفسيتهم ومحاولة استقرارهم نفسيًّا حتى يتقبلوا العلاج بطريقة صحيحة خاصة أنّ مرضى السكري يعلمون أنه مرض يصاحبهم طوال حياتهم لذلك لابد أن يتعايشوا معه بكل رضا.