دفاتر الماضي
سيدتي قبل عام تعرفت إلى شاب وتبادلنا الإعجاب، ولكن غضبت منه؛ لأنه كان كثير العلاقات، ما يزعجني هو أنني قطعت علاقتي به خوفًا، لأنني كنتُ مغتربة، وكنتُ بدأت العام الثاني من الدراسة الجامعية، وخفتُ أن يكون الفشلُ حليفي إن تعلقت بشاب طائش.
الآن وقد استقرت دراستي وحياتي، ولم يعد بيننا أي اتصال، أشعر بالوحدة والفراغ، ورغم أنني كنت البادئة بقطع العلاقة أفكر فيه كثيرًا.. حياتي خالية من البهجة والعاطفة.. كلما رأيت شابًا وشابة، وأدرك أنهما في حالة حب أشعر بالأسى، وأتهم نفسي بأني أضعت فرصة للحب.. أحاول أن أشغل نفسي بالنشاطات، لأنني ما زلت أشعر بالخسران.
عزيزتي كل شيء يبدأ في العقل.. ولو فكرت بعقلكِ لوجدتِ أن هذا الشاب لم يكن جادًّا في طلبكِ، لأنه لو كان جادًّا لحاول بدل المرة عشرات، لكي يزيل سوء التفاهم بينكما.. ولكنه قنع من الغنيمة بالإياب.
وليس معنى غياب الحب عن حياتكِ أن تبدئي بالبحثِ في الدفاتر القديمة.. نصيبكِ من الحب لم يأتِ بعد، ربما لأن الله يمتحنُ صبركِ ورجاحة عقلكِ.. أنتِ في مقتبل العمر والمستقبل أمامكِ، وهو أثمنُ من أن يضيع في علاقاتٍ مؤقتةٍ لا تفيد إلا الذكور.. إن كنتِ تبحثين عن معنى للحياة فابحثي عنه في العمل، وفي العلاقات الأسرية والاجتماعية، إلى أن يطرق بابكِ من يستحقُ وصالَكِ، ومن هو جادٌ في طلب الستر والزوجية. الحب ليس قطعة حلوى يراها طفلٌ في يد طفلٍ آخرَ، فيشتهيها ويشعرُ بالظلمِ لأنها ليست مِلكَ يده.
معنى الوفاء
سيدتي أنا فتاة عربية مغتربة مع أسرتي في بلد عربي آخر.. لأسباب متعلقة بظروف اغترابنا تأخر زواجي حتى بلغت الثلاثين.. منذ فترة تعرفت على شاب عن طريق الإنترنت، وسعدت جدًّا حين أدركت أنه ينتمي لنفس الوطن المسلوب، وأن ظروف حياته تشبه ظروف حياتي ونشأتي، غير أنه نشأ في دولة خليجية ويعمل بها في الوقت الحالي.. تحاببنا واتفقنا على الزواج، وبالفعل جاء إليَّ حيثُ أقيم مع أسرتي، وتقدم لي رسميًّا ووافق الأهل، ثم عاد إلى مقر عمله.. ومرت بضعة أشهر وكلانا يحلم بالزواج، ثم أتت الظروف بما لم نتوقعه.. ونتيجة لخلاف مع رئيسه في العمل فقد عمله، وفقد معه التصريح الذي يسمح له بالبقاء في تلك الدولة.. ومن ثم ترك البلد الذي نشأ فيه ورحل إلى بلد آخر بحثًا عن الرزق.. ومرت الشهور ولم يحصل على عمل.. وهنا بدأ أهلي في التفكير في فسخ الخطبة، ولكني رفضت لأني متعلقة به كثيرًا، وقد عاهدته على الوقوف بجانبه حتى تتحسن أوضاعه.. وأصر أبي على عدم الوفاء بأي وعد إلا إذا حصل خاطبي على عمل مستقر، والإمكانيات التي تسمح له بفتح بيت والتكفل بأسرة.. أما من جانبي فأنا لا أهتم بالماديات، وأنا أعمل حاليًا براتب مجزٍ، وبما أن الزواج هو علاقة يقبلها الطرفان على الخير والشر، فلا أرى مانعًا من إكمال المشوار معه إلى أن تتحسن الأوضاع، حتى لو تحملت أنا أعباء الزواج.. ما دمت أنا راضية وخاطبي لا يريد أن نقطع صلتنا، فهل من حق أبي أن يمنعني من الزواج؟ أرجو أن تكوني منصفة.
الحائرة خالدة
عزيزتي لا يمكنني إصدار أحكام قاطعة، لأنك تعرضين عليَّ الخطوط الرئيسية فقط لمشكلة لها أبعاد عامة، ولكنها تؤثر على أصحابها على المدى الطويل.. لو قلت لكِ والدك على حق وأنتِ على حق، فسوف أزيدك اضطرابًا وبلبلة.. ولا يمكنني في هذه الحالة إلا وضع النقاط فوق الحروف.
لقد تعرفتِ على خاطبكِ على النت، وهذا في رأيي لا يكفي للتعرف على التفاصيل الإنسانية التي تجعل الفرد إنسانًا متكاملاً واضحًا في كافة المواقف، وعلي سبيل المثال، لم تفسر لي رسالتك نوع الخلاف بين خاطبك ورئيسه في العمل.. ولكنه أمر وارد بأن الخلاف أدى إلى لحظة انفعالية فيها شيء من التهور الذي أدى به إلى فقدان وظيفته وتصريح إقامته.. ألم يكن الأجدر به أن يتوخّى الحلم والحذر حتى لا تصير الأمور إلى ما آلت إليه، وهو على وشك الزواج؟! قد أكون قاسية في حكمي على الموقف نتيجة لجهلي بتفاصيل الموقف، ولكنه احتمال وارد بأن الخاطب شخصية انفعالية لا تزن الأمور بميزان العقل والحكمة، وهي صفات لابد أن تتوافر في رب الأسرة.. ومن هنا يكون والدك على حق في توخي الحيطة قبل الموافقة على اقتراحكِ. وفي الوقت نفسه من حق الفتاة التي بلغت الثلاثين أن تختار الزواج كحالة إنسانية ضرورية وهامة.. ولكني أقول لكِ إن احتياجكِ للزواج وارتباطكِ النفسي بالخاطب يجب ألا يخفيا عنكِ أن ما تقترحينه حاليًا قد يفيد لفترة وجيزة إذا مَنَّ الله على الخاطب بعدها بعمل مستقر. ولكن ماذا يمكن أن تكون عليه الحياة إذا حملتِ وأنجبتِ طفلاً، ولم تعودي قادرة على تحمل المسؤوليات الكاملة عن أسرتكِ الصغيرة؟ لا بد أن تتأثر علاقتكِ بزوجكِ، ولا بد أن تشعري بالغبن، ولابد أن يحاول تأكيد سلطته عليكِ كنوع من التعويض عن القصور الناجم عن قلة العمل والموارد، وفي هذه الحالة سوف يتحول ارتباطكِ به إلى نقمة على الظروف وما هو أسوأ.
جميل أن تعامليه بوفاء وأن تقوي رغبته في الوقوف إلى جانبه، ولكن الانتظار ليس في صالحكِ لأنكِ في الثلاثين، وفرص الزواج من قبل لم تكن كثيرة بسبب ظروفكِ العائلية.
ولذلك فإن نصيحتي لكِ هي أن تتقبلي نصيحة الوالد بعقل منفتح، وأن تعترفي لنفسكِ بأن دعم إنسان آخر، وهو الخاطب، يجب ألا ينطوي على التضحية بفرصتكِ في حياة سوية خالية من المشاكل.. يمكنكِ أن تكوني داعمة له إنسانيًّا، بدون أن يكون الارتباط الزوجي به نظير التضحية بمستقبلكِ.
تمني له الخير، واطلبي منه أن يتجه إلى الله عز وجل، ولكن صارحيه بموقف أهلكِ، وامنحيه مهلة ستة أشهر أخرى تصبحين بعدها في حل من الوعد.. وتعشمي خيرًا، فالأحوال قد تتغير بين ليلة وضحاها، وتجدين أن زواجكِ به ميسر أكثر مما توقعتِ.
أم المراهقة
سيدتي أرجو ألا تزعجكِ رسالتي، ولكني أعاني من مشكلة لا أعرف لها حلا سليمًا.. ابنتي في السابعة عشرة، وقد اكتشفت مؤخرًا أنها تهاتف شابًّا، والمصيبة هي أنها لا تمتلك جوالاً، ولذلك استخدمت جوالي في مهاتفته. ومن هنا استطعت أن أهاتف الشاب المعني، واسأله كيف تعرف على ابنتي، وفهمت أن التعارف تم عن طريق الإنترنت.. حاليًا لا أعلم ما هو التصرف السليم مع البنت، حيثُ إنها في الثانوية العامة، ولا أريد أن تتأثر مسيرتها الدراسية نتيجة لعقاب أفرضه عليها.. هل أمنع عنها الإنترنت، أم أوقع بها عقابًا بدنيًّا، أم أتظاهر بأنني لا أعرف؟ أرجو ألا تهملي رسالتي.
الحائرة أم فيصل
عزيزتي اتصالكِ بالشاب لم يكن تصرفًا موفقًا، لأنكِ بذلك أخرجتِ العلاقة بينهما من السر إلى العلن غير المعلن، إن جاز هذا التعبير.. فمن المحتمل جدًّا أن ابنتكِ الآن تعرف أنكِ تعرفين، ولو التزمت الصمت ربما تبادر إليها أنكِ توافقين ضمنيًّا على الموضوع.
التربية علم له أصول، وربما أهم مقومات هذا العلم هو إيصال معنى الصواب إلى الابن أو البنت، ومعنى الخطأ والأسباب التي تجعله خطأ.
أول خطأ يجب أن تعاتبيها عليه وتفهميها إياه أنه سلوك لن يجلب لها سوى انعدام ثقة الآخرين بها، وهو أنها استخدمت جوالكِ بدون استئذان.. فهذا سلوك لا يختلف كثيرًا عن الاختلاس والسرقة.. وأفهميها أنكِ قد تفضلين العفو عنها لأنها ابنتكِ، ولكن لو كررت هذه الفعلة في مواقف أخرى مع أشخاص آخرين لن يكون العفو متاحًا، بل إنها تعرض نفسها للشبهات ولكراهية الآخرين وانعدام الثقة بها، فتصبح منبوذة اجتماعيًّا.
أفهمي ابنتكِ أن علاقات النت نادرًا ما تؤدي إلى ارتباط؛ لأن الشباب لا يتزوج فتاة تجاوزت العرف والتقاليد، وخدعت أهلها طلبًا للحظات مثيرة مع مجهول.. وأفهميها أنها لا تعرف عن الشاب سوى ما يقوله عن نفسه.. ومن المعروف أن الشباب يصور نفسه على النت بصورة الفارس الرومانسي الباحث عن حبيبة وزوجة، وربما تكون له زوجة وأولاد بالفعل.. وبما أن الحياة فصول ومواسم، فإنها الآن تمر بطور الرومانسية، ولكن إن صبرتِ حتى تفرغ من الامتحانات وتصبح مميزة بين الأهل والأصدقاء، سوف يأتيها الحب من الباب الطبيعي، لا من الباب الخلفي عبر الكذب والخداع والسمعة السيئة.
اتفقي معها على أن عفوكِ هذه المرة يأتي مشروطًا بمصادرة الكمبيوتر إلى ما بعد الامتحانات، لكي تفهم أن لكل فعل رد فعل، وان الفعل يؤدي إلى عاقبة الفعل.. وخذي عليها عهدًا بألا تكذب عليكِ في المستقبل.
أخيرًا لا أحبذ العقاب البدني، لأن ابنتكِ شابة ومشروع امرأة، يجب ألا تهان جسديًّا حتى لا تتعود على تقبل الإهانة.. وليس آخرا أن الأمومة تقتضي أحيانًا أن نتنازل عن بعض الرفاهيات من أجل المصلحة العامة.. ومن هنا أنصحكِ إما بالاستغناء عن جوالك نهائيًّا حتى تقطعي هذا الطريق على ابنتكِ المراهقة، أو تحتفظي به في خزانة مغلقة في أوقات عدم الاستخدام.