ما زال منع بناء مآذن للمساجد في سويسرا يمثل الحدث الأبرز ضد مسلمي سويسرا، والذي تبعته قرارات أخرى أضرت بالمسلمين في كافة أوربا، كمنع النقاب وحرب الحجاب ومراقبة تحركات المسلمين في الشوارع والميادين، وما تتعرض له الأقليات المسلمة في سويسرا من ظلم وخاصة المرأة المسلمة السويسرية.
الشيخ يوسف إبرام إمام مسجد جنيف أكبر مساجد سويسرا، ورئيس المؤسسة الإسلامية لرابطة العالم الإسلامي، التقته «سيدتي» في حوار، وكانت هذه التفاصيل:
- ما الدور الذي تلعبه مؤسسة رابطة العالم الإسلامي بسويسرا للمسلمين في هذا البلد الأوربي الصغير مساحة وسكانا؟
المؤسسة تلعب دورا فاعلا في الاهتمام بمسلمي سويسرا وتلبية احتياجاتهم ورغباتهم، والجالية المسلمة كبيرة العدد، إذا ما عرفنا العدد الإجمالي لسكان هذه الدولة الصغيرة، فالمسلمون لا يقلون عن نصف مليون نسمة.
- وماذا بشأن المرأة المسلمة في المجتمع السويسري؟
قضية المرأة المسلمة في سويسرا قضية هامة وشائكة وخطيرة، وهناك بعض المظاهر السلبية في بعض المجتمعات العربية أو الإسلامية، ولكن ومع التسليم بهذا فكيف نؤاخذ بجريرة غيرنا؟ وكيف يليق بهذه الديمقراطية المثالية -حسب زعمهم- أن تتخلى عن أصولها وقواعدها السياسية، فتقوم بحرمان مواطنيها من أبسط الحقوق التي ضمنها الدستور، الذي يكفل ممارسة الشعائر الدينية لكل المواطنين؟
ويتساءل الشيخ إبرام: هل الدفاع عن المرأة المسلمة يعتبر مسوغا للهجوم على الرجل والمرأة في سويسرا؟ من هنا فإن المسلمين في سويسرا يتعرضون للظلم الكبير.
- وما الدور الذي لعبته المؤسسة حيال القرار السويسري بمنع المآذن؟
رفضت المؤسسة قبول هذا القرار، وطالبت كل الجهات المسؤولة وكل المراكز الإسلامية بمجابهته رغم أنه قرار نابع من استفتاء شعبي، ومثل هذه القرارات تأخذ أهمية كبيرة في المجتمع السويسري تحديدا؛ لأنه حريص عليها بشكل دوري، ولا يكاد يمر شهر دون أن يكون هناك قرار ملزم للحكومة عن طريق الاستفتاءات الشعبية.
- وماذا تم بشأنه؟
قرار منع بناء المآذن في مساجد سويسرا مازال مستمرا، ومازال يلقي بظلاله على الجاليات المسلمة في الدول الأوربية كافة.
- إذن ما أسباب هذا التصويت العنصري الظالم؟
منهم من قال إن المئذنة هي رمز للهيمنة التي ينشدها المسلمون، ومنهم من قال صراحة وبكل صلافة: نريد بهذا التصويت إيقاف المد الأخضر المسلم على الحضارة الأوربية المسيحية، ومنهم منْ قال: إنها صرخة استنكارية لوضع المرأة في الإسلام.
أقلية ملتزمة بدينها
- وما حقيقة تلك التبريرات بوجهة نظرك؟
الحقيقة أن كل هذه التبريرات خالية من الصحة؛ لأن المسلمين في سويسرا إما أقلية ملتزمة بدينها، وهي نسبة لا تزيد عند أبعد تقدير على 18% كما صرح بذلك خبراء الشؤون الدينية في هذا البلد، وإما غير ملتزمين وهم الأكثرية –للأسف- وهؤلاء يعيشون داخل المجتمع السويسري، كما يعيش الفرد السويسري، وبالتالي فالمسلمون لا يشكلون خطرا على أحد؛ لأن همهم الأول ليس «أسلمة» أوربا، وإنما الحفاظ على الهوية الدينية لأكبر عدد ممكن من المسلمين خشية ذوبانهم واضمحلالهم، وهذا من حقهم ولا يجوز لأحد أن يناقشهم فيه.
- وهل ترك القرار السويسري أثرا على الدول المجاورة في اتخاذ قرارات مماثلة تضيق الخناق على الأقليات المسلمة في أوربا؟
بالتأكيد كان للقرار السويسري دور بعد تنامي خطره إلى بلدان أوربية أخرى كفرنسا التي أصدرت قرارا بمنع النقاب في الأماكن العامة، واستمرار الحرب ضد الإسلام في هولندا على يد مخرج ومنتج فيلم «فتنة»، وفي ألمانيا تعرضت العام الماضي شهيدة الحجاب مروة الشربيني للقتل على يد شاب يكره الإسلام والمسلمين، وأيضا في بولندا بعض المضايقات التي يتعرض لها المسلمون، وفي الدنمارك ظهرت الرسوم المسيئة، وكذلك أعيدت الرسومات في النرويج والسويد، وأعلنت أيضا إيطاليا الحرب على الحجاب والنقاب، حتى بريطانيا لم تسلم من ذلك حينما وضعت السلطات البريطانية ما يقرب من 220 كاميرا مراقبة بالشوارع ذات الأغلبية المسلمة في إحدى مدنها الشهيرة؛ لقد أصبح للقرار السويسري تأثير كبير على الجالية المسلمة بسويسرا بشكل خاص بعد تنامي وصعود أحزاب اليمين المتطرف.
الطعن في مبادئ الإسلام
- والى أي مدى وصلت الإساءة إلى الإسلام والمسلمين من قبل هذه الأحزاب؟
وصلت إلى أن الحزب اليميني المتطرف استخدم الطعن في مبادئ الإسلام والشريعة الإسلامية، واتهم المسلمين بأنهم أتوا إلى هذه البلاد لتخويف الشعب السويسري، متهما الحكومة بالتهاون في هذا الشأن.
- ألم يكن بمقدور الحكومة السويسرية منع تمرير قرار كمنع بناء المآذن؛ لأنه قد يضر بمصالحها وعلاقتها بدول الشرق الإسلامي؟
لاشك في أنه كان بمقدورها فعل ذلك، ولكن تم التصويت الشعبي على منع بناء المآذن الخاصة بالمساجد بنسبة 57.5%، برغم أن الحكومة السويسرية كان يمكنها أن توقفه بحسب الدستور ذاته، ولكنهم استخفوا به، فصوَّت الشعب بنتيجة مفاجئة للجالية المسلمة؛ لأن الجالية المسلمة التي تقترب في عددها من نصف مليون مسلم في سويسرا كانت لا تتوقع نتيجة هذا التصويت.
- هل يستطيع البرلمان السويسري إلغاء قرار كهذا؟
إن البرلمان في حالة رغبته في إلغاء مثل هذا القرار الذي صدر بعد استفتاء شعبي عليه أن يقرر جمع 100 ألف توقيع عند طلب معين، وتعرض التوقيعات على الحكومة، وإذا اعتبرته دستوريا ينظر فيه البرلمان مرة أخرى، ولكن في الحقيقة كان يمكن تجنب هذه الكارثة لو كان البرلمان قد أوقف تلك المهزلة من البداية، لكنه قِبل بها وأرسلها للحكومة في نفس اليوم الذي عارضها فيه، وكان من الممكن أن يطلبوا من الشعب عدم قبول هذه المبادرة.
ولو كان القرار حكوميا، فالبرلمان يستطيع أن يلغيه، لكن الديمقراطية الشعبية السويسرية لايوجد بها إلغاء قرار صوَّت عليه الشعب؛ لأن التصويت الفردي والبشري الذي يقوم به الشعب السويسري هو الأساس.