«المزمار» أصله أفريقي وموروث حجازي أباً عن جدٍّ

المزمار أشهر الألعاب الحجازية في الأفراح والمهرجانات
المعلم درويش من حارة الشيخ ممسكاً بـالشونه الخاصة به
النقرزان
د.هند باغفار
المناسبات الشبابية لا تخلو من لعب المزمار
فرقة المزمار
المزمار
لعب المزمار
المزمار كان عبارة عن تصفية حسابات قديماً
فيلم مزمرجي
10 صور

في «البرحة» وسط حارة مدينة حجازيَّة تجدهم متحلقين حول لهيب نارٍ متراقص بين نغمات «العدة» وكلمات «الزومال»، أقداماً متتابعة، قدم إثر أخرى، في قفزات خفيفة حاملين بقبضتهم «شونه»، أي عصا تلف برشاقة فائقة حول معاصمهم، يعلو الغناء تارة ويشتعل التصفيق تارة أخرى، ما بين ترقب وتشجيع وتمايل ونغم متناغم، هذا هو مشهد مختصر للعبة المزمار، الذي كانت بدايته تحدياً وقصص مواجهات رجال وشباب الحارة، ليصبح اليوم أهم أداة في مراسم الأفراح، فلا تخلو أي مناسبة حجازيَّة سعيدة من رقصة المزمار، التي تبهج بمنظرها القلوب كلوحة فنيَّة توحي بتكافل المجتمع وتعاضد أفراده.
وقد أدرجته «اليونيسكو» في ديسمبر ٢٠١٦ كتراث سعودي ضمن قائمتها التمثيليَّة للتراث الثقافي غير المادي للبشريَّة.

الأديبة والباحثة في التراث الحجازي، الدكتورة هند باغفار، روت لنا أهم محطات تاريخ فن المزمار في الحجاز، واستهلت حديثها بأنَّ هذا الفن أتى للحجاز إبّان العصر الفاطمي نتيجة وفود الحجيج الذين نقلوا آلات النفخ الإفريقيَّة المصنوعة من أعواد القصب كالمزمار والناي، واستهوى الحجازيين المزمار بنغماته الرائعة، التي أتت من شمال إفريقيا، وتلقوه بحسهم المرهف فكتبوا كلماته، سواء بالزمن القصير أو الزمن الطويل وتعني (اللازمة الموسيقيَّة) وصاروا يوقعون عليه بحركات رشيقة بأجسادهم يطلق عليها لِعِبْ، ثم لم يلبثوا أن أدخلوا عليه آلات إيقاعيَّة مثل: «العُلْبَة»، هي مِزْهر جلدي باطار خشبي كبير دائري يوقع عليه العازف بكلتا يديه وهو في وضع الجلوس و«المرد» وهو دف كبير و«النقرزان»، وهي طبلة مجوفة تضرب بعصاتين رشيقتين و«الصدم»، وهو دف مستطيل الشكل.
موروث رجولي ارتبط بالعنف في بداياته
وتستكمل الدكتورة باغفار موضحة معنى المزمار كلغة: وتقول: المزمار موروث رجولي كان في الماضي يتسم بكثير من العنف، لأن ساحة لعب المزمار تتحول إلى مسرح كبير لتصفية الحسابات بين الحارات المتباغضة في أشهر مدن المنطقة الغربية بالمملكة مثل مكة وجدة، وكانت تحدث به مشاجرات دامية وضرب بالعصا قد يصل لحد الموت، ما دعا الدولة لحظر أدائه لسنوات حتى تخلّص تماما من المفهوم القديم وتم تطويره وكتبت له قصائد «زجلية» بعد أن كان يؤدى على صوت الإيقاعات فقط.
لعب المزمار «تجويش» و«قشاع»
هنا تصور لنا د. هند لعبة المزمار بالتفصيل بمسمى شعبي يعرف بالتجويش والقشاع، بمعنى أنَّ اللعبة تبدأ بـ«الدرق»، أي المبارزة بالعصي والتحاشي والتفادي، فكل لاعب يحمل «شونه»، أي عصا ليدْرَأ بها ضربات منافسه، فيتحاوران بالعصي ويقفزان في الهواء حول النار الموقدة يستعرضان مهارتهما، يصاحب المزمار غناء «الزومال»، وهو غناء جماعي بزمن قصير أو طويل.
كيف دخل المزمار لليونيسكو كثراث حجازي؟
تجيبنا د. باغفار المزمار اليوم هو أشهر الفنون والألعاب في المملكة التي يمارسها المواطنون في المناسبات المختلفة كحفلات الزفاف والمهرجانات وغيرها، وطافت فرقة وزارة الإعلام حول العالم سنوات عديدة لتقديم لوحات من موروثاتنا الشعبيَّة الوطنية وكان من أبرزها فنُّ المزمار حتى ضمته اليونسيكو إلى التراث العالمي أخيراً.
باغفار ترد على المعارضين: «المزمار حجازي أباً عن جد»
تؤكد د. باغفار أنَّ هناك نظرية أنثروبولوجية تقول: أي موروث يعيش داخل جماعة ويستمر لمدة ثلاثين عاماً يصبح جزءاً من تراثها وينسب لها، والمزمار الشمال إفريقي دخل بلادنا كإيقاع وآلة نفخ منذ ألف عام، وتلقفه الحس الحجازي المرهف فأضاف له الإيقاعات المختلفة المذكورة، وكتبت له الكلمات وابتدع له اللعب بحركاته وأصوله المعروفة، وتقول: المزمار حجازي أباً عن جد، رغم المعترضين مثله مثل المجرور والدانة وغيرهما.
فيلم مزمرجي.
هنا فيلم وثائقي عن المزمار من قناة تلفاز ١١ على اليوتيوب، يمكنك أن تعرف عن لاعبيه وممارسيه