عادة ما يطلق العراقيون تسميات خاصة على الشهر حسب درجة الحرارة؛ فشهر أغسطس/ آب، هو "آب اللهّاب"؛ لأنه الأقسى والأشد حرارة، والأيام العشرة الأولى منه (تحرق المسمار بالباب)، والعشرة الثانية (تُقّلل الأعناب وتُكثّر الأرطاب)، والعشرة الثالثة ( تفتح للشتاء باب)، وهنالك من يقول إن لحرارة الجو المرتفعة في العراق سببًا وجيهًا، وهو إنضاج التمور؛ لذا يسمون شهر آب/أغسطس "طبّاخ التمر"، ويتندر العراقيون كثيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ويطالبون بقطع كل أشجار النخيل قبل أن تطبخهم الشمس ويذوبوا ويتبخروا تحت لهيبها، وقال آخرون متغزلون بالتمر: "من أجل عيونك يا حلو نتحمل الحر"، إلا إن عراقيًا كتب يقول: لا تصدقوا من يربط بين حرارة الجو والتمر؛ لأني أعيش في كاليفورنيا؛ حيث الجو المعتدل الرائق مع نضوج أجود أنواع التمور في هذه المدينة!
النوم تحت ضوء النجوم
وفي السنين الماضية كانت سطوح المنازل هي المنقذ للعوائل، وخاصة البغدادية التي كانت تهرب من الحر في الليل إلى سطح البيت المحاط بسياجٍ عالٍ، والذي يُعد من أساسيات العمارة البغدادية؛ حيث تتوزع الأسرّة المعدنية الخفيفة بين جنبات السطح الفسيح؛ ليقضي أفراد العائلة ليلتهم وهم يلتحفون السماء، فيما ينقل بعضهم جهاز التليفزيون والمراوح العمودية وتنشغل ربة البيت بتهيئة العشاء ونقله إلى السطح مع البطيخ المبرد (الرَقّي)، وبعد العشاء يبدأ وقت الشاي والمسامرة حتى وقت النوم، وفي الصباح تتولى بنات العائلة نقل الفراش ووضعه في غرفة صغيرة في السطح اسمها "البيتونة"؛ لحمايته من الشمس، وفي وقت الغروب يعدن إلى ترتيبه على الأسرّة من جديد، وهكذا كل يوم حتى تهب نسمات شهر سبتمبر/ أيلول الباردة، التي تُجبر الجميع للعودة إلى غرفهم داخل البيت، لكن هذه العادة اختفت تقريبًا بسبب الحروب؛ حيث لم يعد السطح آمنًا، ولم تعد السماء رائقة بنجومها وقمرها.
هكذا يطفئون لهيب الحر
وفي أيام شهر أغسطس/ آب من كل عام، يتفنن العراقيون في مواجهة موجات الحر؛ ففي البيوت يستخدمون مكيفات الهواء "إيركوندشن"، فيما تنتشر في شوارع بغداد الرئيسية مرشات مياه عمودية تشبه "الدوش"، وهي متاحة مجانًا لأي شخص يريد غمر جسمه بالماء وإطفاء لهيب الحر؛ خاصة في فترة الظهيرة؛ إضافة إلى وجود عدد كبير من مبردات الماء المجانية، التي يبغي أصحابها الثواب، كما تلجأ بعض المطاعم والمقاهي إلى نصب مراوح ضخمة تنثر الماء والهواء معًا، وطبعًا تبقى السباحة في نهري دجلة والفرات وفروعهما هي الحل الأمثل؛ خاصة في المدن المطلة على هذه الأنهر، وعمومًا فإن المتجول في بغداد والبصرة وبقية المحافظات، لا بد أن يصادف في طريقه باعة العصير والمياه المبردة والمشروبات الغازية، وهم ينتشرون بشكل كبير في كل سوق ومنعطف وزاوية وجنبهم باعة البطيخ المثلج واللبن الرائب المملح والمخفف بالماء وفوقه تطفو مكعبات الثلج، وليس بعيدًا عنهم باعة "الدندورمة" و"الآيس كريم"؛ فلا شيء يطفئ حرارة الصيف أكثر من جرعاتٍ من سائلٍ باردٍ يمنح الإنسان القوة؛ كي يواصل المسير تحت شمس الصيف اللاهبة.
الشمس والمقلاة والبيضة
طرائف العراقيين وتندرهم على الحر في مواقع التواصل الاجتماعي لا تتوقف؛ حيث يطالب بعضهم بمعاقبة المغني الذي أنشد: "الشمس شمسي والعراق عراقي" لأنه شجع الشمس على البقاء في البلد، فيما يلقي آخرون اللوم على الفنان سعدون جابر، الذي غنى "يا شمسنا الدايرة مري بأهلي"، وعلق أحدهم قائلاً: "يبدو أن العراق قد عمل ربط مباشر مع الشمس"، وقام آخر بنشر فيديو لمقلاة فيها زيت يغلي بعد أن وجهها مباشرة نحو عين الشمس في وقت الظهيرة، ثم كسر بيضة ووضعها في المقلاة.. ودعا الأصدقاء إلى وليمة!