مسرحية «ماسكارا».. صراع العقد الغائرة في النفس الإنسانية

المخرج عبد الله الجريان
فريق عمل المسرحية
ماسكارا
الطبيب والمساعدة ونورا بداية العمل
عهود زيود من شخصية نورا
اسحق إلياس بشخصية الطبيب
10 صور

التضحية، الخيانة، الانتقام، العقد النفسية الغائرة في النفس البشرية، الاستغلال. ربما تكون هذه بعض الأفكار التي قدمها المخرج الأردني عبد الله الجريان، في عمله المسرحي الجديد «ماسكارا»، الذي أعده الجريان بنفسه عن مسرحية «ميديا» للكاتب الفرنسي «جان أنويه». والتي جسد شخصياتها الثلاث كل من «إسحق إلياس، عهود زيود ورناد ثلجي»، على خشبة المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي ضمن فعاليات اليوم الثالث لمهرجان «رم» المسرحي، في العاصمة الأردنية عمان.


ما قاله «أنويه» وما قاله الجريان..

مسرحية ماسكارا في عمان


المسرحية التي استوحاها «أنويه» من المسرحية اليونانية التاريخية «ميديا» لـ«يوربيديس»، كان قد قدمها بشكل يُناسب العصر الحديث. وكان قدمها عبد الله الجريان من خلال حكاية امرأة اسمها «نورا» –عهود الزيود- عاشت أحداثاً مشابهة تماماً لأحداث «ميديا» اليونانية، حيث إنها تعرضت للخيانة الزوجية، وقتلت ابنها وأحرقت منزلها، ما دفعها إلى أن تحاول الانتحار. وخلال العمل تكون في فترة تلقي العلاج بعيادة للـ«سايكو دراما»، أو العلاح بالدراما، على يد طبيب –إسحق إلياس- ومساعدته -رناد ثلجي.
الطبيب كان يحاول علاج «نورا» من خلال جعلها تمثل مشاهد من مسرحية «ميديا» اليونانية. إلا أنه يتورط عاطفياً مع المريضة، ويبدأ باستغلاها من خلال العلاج، في محاولة منه لعلاج عقده النفسية الخاصة. وكل ذلك في خضم صدمة المساعدة التي تحاول أن توقفه عن حدوده دون جدوى، إلا أنها في نهاية الأمر تتمكن من ذلك. ليتحول الطبيب إلى مريض بحاجة لعلاج. وينتهي العمل بأن يبدأ الطبيب بتمثيل شخصية «ميديا»، بدلاً من نورا.


العمل من الداخل.. ما له وما عليه

شخصيات مسرحية ماسكارا


يُحسب للجريان، تقديمه رؤية إخراجية اعتمدت بشكل كبير على إيقاع الممثلين وأدائهم المضبوط، حيث ظهر الصراع بين الشخصيات الثلاث، والانتقال من «المُعالِج» إلى «المُعالَج» واضحاً، وبكل تأكيد حرفة الممثلين ساعدت بشكل أساسي على إظهار هذا الانتقال في مصير الشخصيات. فلم يخرج الممثلون خارج شخصياتهم إلا لمرات قليلة جداً، لكن سرعان ما كانوا يعودون إليها من جديد.
المرات القليلة التي خرج فيها الممثلون عن الشخصيات، كانت جراء عدد من «المساحات الزمنية» التي طالت أحياناً بين الحوارات، فكان لا يتم ملؤها بفعل مسرحي، أو حوار يصل هذه المساحات ببعضها. وربما كانت هذه من الأشياء القليلة التي جعلت العرض يفقد إيقاعه أحياناً، على الرغم من أن جزءاً مهماً وكبيراً منه كان قد بُني على هذه الحالة.


عن الممثلين أيضاً..

الأداء المسرحي


لا يكاد أي عمل مسرحي يقدمه «اسحق إلياس»، يخلو من متعة هذا الممثل المتمكن من أدواته جيداً، وعرض «ماسكارا»، ليس استثناءً. فالشخصية كانت تحمل عُقداً نفسية غائرة في داخلها، تجعل الأداء على حدًّ أرق من شعرة بين الإبداع والسقوط. فكان يجب على من يؤدي شخصية «الطبيب» أن يكون مدركاً حجم الفصل بين شخصيته وشخصية «ياسون» التي يمثلها أمام «نورا» خلال العلاج، وألا ينسى بأن «الطبيب ليس ممثلاً» فيذهب بهذا الفصل إلى مكان آخر، وأنه بالوقت نفسه ليس مصاباً بالفصام الـ«شيزوفرينيا»، فيذهب به إلى مكان ثالث لا شأن له بالعمل.
كان إلياس حذراً في إظهار الفصل بين الشخصيتين بشكله المطلوب، بالإضافة إلى تقديم عقده النفسية التي ظهرت بالتدريج مع مرور العمل ووصوله إلى ذروته، ليلعب على حبلين نفسيين لا يعرفان الثبات في الشخصية، وأي عثرة فيهما سيسقط تماماً هو والطبيب و«يوسان». وربما هذا الأداء الحذر الذي دفع بإلياس أن يحسب كل حركة وكلمة تصدر منه، ويعيش الحالات الداخلية كاملة للتعقيدات الشخصية حتى تظهر بالشكل المطلوب دون مبالغات أو ثرثرة مسرحية -وهذا ما تمكن من فعله حقاً-، جعل بعض المسرحيين الذين شاهدوا العمل، ينتقدون أداءه الذي اعتبروه فقيراً بالفعل المسرحي وإظهار سمات الشخصيات التي قدمها. وربما أيضاً دون تركيز منهم على الصراعات الداخلية التي أظهرها الممثل بشكل محسوب وحقيقي دون مبالغات أو فعل فقير.


كذلك الأمر مع عهود الزيود في شخصيتي «نورا وميديا». كانت تلعب على حبال العقد النفسية المتشابهة بين الشخصيتين، بالإضافة إلى ما تشعر به «نورا المريضة» من صراعات ويأس وضغط كبير في العلاج ومواجهتها طبيبها «المستغل» ورغبتها بالانتحار. كل هذه الأمور تخلق منها بدون أي شك شخصية انفعالية تائهة تتقافز بين «نورا» و«ميديا» بوتيرة متسارعة. وكانت الزيود قد عاشت جميع هذه الحالات بشكلها المطلوب حتى آخرها.
أما رناد الثلجي، فقد صقلت شخصية «المساعدة» بقوة واضحة في تصرفاتها وملامحها، الأمر الذي ساعدها على أن تكون في نهاية الأمر هي «المسيطرة» وصاحبة القرار، على الرغم من أن القرار كان طوال الوقت بيد الطبيب. إلا أنها تمكنت من انتزاع هذه السيطرة. وخلال أدائها، كانت صراعاتها المختلفة تماماً عن كلتا الشخصيتين الثانيتين، واضحة في هذه المساحة من تمثيلها.


السينوغرافيا..

السينو غرافيا


حاول الجريان من خلال الإضاءة والديكور وحركة الممثلين، أن يظهر برود العلاقات بين الشخصيات الثلاث، عبر أوامر الإضاءة الباهت نوعاً ما، وحركة الممثلين التي كانت كأنها في خطوط متوازية لا تلتقي أبداً. لذلك ظل الصراع بين الثلاثة قائماً في هذه المساحات المكانية التي تظهر مدى انفصال الشخصيات عن بعضها وارتباطها بالوقت نفسه من جوانب أخرى.