المتلونون

شهرزاد


قد تتسلل إلى حياتك مجموعة من البشر بأقنعة متعددة الألوان، تتغير ألوانها حسب الأدوار والمواقف، فلكل دور قناع، ولكل موقف لون مختلف.
فالبعض يملك قدرة هائلة على التلون حسبما تُمليه عليه المتغيرات، فهو لا يحتفظ بالوجه ذاته ولا بالمبدأ ذاته..
لكن مهما بدت الأقنعة قوية فهي تبقى واهنة سريعة الاهتزاز، فاشلة في الحفاظ على ثباتها تحت رياح المواقف طويلاً، فتتساقط أمامك لتكتشف بشاعة وجوههم الحقيقية، وتتعرى لك أعماقهم فتلمح مساحات التشوه المخيفة في دواخلهم.
فالحقد قد يأتيك أحياناً على هيئة إنسان سيىء، يظهر في حياتك فجأة في مكان وزمان ما، فيضعك تحت مجهره، ليتابع أدق تفاصيل حياتك، ويجعلك أول وأهم اهتماماته، يراقب خطواتك على طريق الحياة، يمارس عليك كل عقده الظاهرة والمخفية، يشعرك بأنك الوسيلة المناسبة للثأر من الحياة والناس والظروف.

فيبث شره في كل زوايا حياتك، يتجرأ على بساتينك، يشعل النيران في ثمارك، يسلبك فرحة الحصاد، يتطاول على ارتفاع أحلامك، يعيث الخراب في مدن أمنياتك، يملأ آبارك بالتراب، ويعكر صفو أنهارك بالحجارة...
ويحاول تدمير نفسيتك بكل الطرق المتاحة أمامه، يُسلط عليك الضوء بقوة، يسير خلفك بمسافة أقرب من المسافة بينك وبين ظلك،
يحاول التقليل من نجاحاتك؛ كي لا تتجاوز الحجم الذي يكره. يجاهد كي يوهمك بأنك أفشل من النجاح وأضعف من الوصول، يحرص على كسر مجدافك في قمة إبحارك نحو النجاح، يثقب سفينتك كي يعرقل وصولك إلى شواطىء التميز، يمزق خارطة طريقك؛ كي يمنعك من الوصول إلى المدن التي تسعى إليها، يقذف ثمارك بحجارة أقواله كي يفسد زرعك، يحولك إلى حكاية مدنسة ويتفنن في سردك على الملأ.

هذا النوع من البشر قد لا تنتبه لوجوده في حياتك لشدة قربه منك... فتبحث بعيداً عن مصدر ذلك الأذى الذي يعيقك كلما حاولت أن تتقدم... دون أن تدرك أن منبع الأذى قد يكون أقرب إليك من كل الأشياء المحيطة بك، لذا أنت لا تلمحه بالوضوح المطلوب، فنحن أحياناً قد نبحث عن أسباب الوجع في كل الأماكن، بينما يكون منبعه الحقيقي هو تلك الأرواح القريبة منا، والتي منحناها الكثير من الثقة، وظنناها مواطن الأمان في أعمارنا، دون أن يداخلنا الشك أن ذلك الوجع العظيم الذي يتسلل إلينا، يتسرب منها. 
قبل النهاية بقليل 
احتفظ بالأنقياء في محيطك 
فهم أجنحتك الحقيقية حين تحتاج للطيران.