حسن الظنّ بالله

منار سعيد

 

إنّ حسن الظنّ بالله تعالى، يعني أن يظنّ العبد بالله كلّ خيرٍ وجميلٍ، وأنّه سيرحمه، ويعفو عنه، وحسن الظنّ بالله شعبةٌ من شعب إيمان العبد لا يكتمل إلّا بها، وواجبٌ شرعي على كلّ مسلمٍ أن يتّصف به.
ومن معاني حسن الظنّ بالله، تأمّل العبد من الله ما يطلبه منه؛ فإن سأله شيئاً ظنّ أنّه سيستجيب له ولدعواته، وإن حلّ ما لا يحبّ، ظنّ أنّه سيزيله عنه، وإن أصابه همٌّ أو بلاءٌ، ظنّ أنّه سيفرّج همّه، ويرفع كربته وبلاءه؛ فحُسن الظنّ بالله ناتجٌ عن معرفة العبد بفضله سبحانه ولطفه، وواسع كرمه في جميع خَلقه.


فضل حسن الظنّ بالله
إنّ حسن الظنّ بالله تعالى من العبادات القلبيّة التي حثّ عليها الدين العظيم، ورغّب بها.
مواطن حسن الظنّ بالله:
عند الموت.
عند الشدّة والكرب.
عند ضيق العيش وتفاقم الديون.
عند الدعاء لله تعالى.
عند التوبة.


كيفية حسن الظن بالله:


للوصول إلى تحقيق حسن الظنّ بالله تعالى، لا بدّ من مراعاة أمورٍ عدّةٍ، الإيمان بالله تعالى، وبأسمائه وصفاته، والإيمان بأنّ له حكمةً في كلّ شيءٍ، سواء أكان منعاً أم عطاءً؛ فهو الحكيم القادر سبحانه، معرفة عطاء الله تعالى، وكرمه الواسع، وأنّه لا ينقصه شيءٌ إن هو أعطى، ولن يزيده شيءٌ إن هو منع؛ وإنّما ذلك كلّه لحكمةٍ يعلمها، وقد يكون في بعض المنع نعمةٌ، وفي بعض العطاء نقمةٌ؛ فقد قال الله تعالى: «وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».
البعد عن المعاصي والمنكرات، والالتزام بالأوامر وفعل الخيرات؛ فإن اقترف العبد ذنباً تاب وأحسن الظنّ بالله، بأنّه سيقبل توبته، وإن أقبل على الله، وأحسن العمل، ظنّ أنّه سيكافئه عليه، وينال الأجر والثواب منه سبحانه.
الصبر على البلاء والمكروه، واليقين بأنّ الله تعالى لا يبتلي عباده ليعذّبهم أو يهلكهم، وإنّما هو امتحانٌ لمقدار الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، واحتساب ذلك عنده، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «عجباً لأمرِ المؤمنِ، إنّ أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابته سراءُ شكرَ؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيراً له».


مواقف خالدةٌ في حسن الظنّ بالله، لقد حوى التاريخ الكثير من القصص والأمثلة الرائعة التي ضربها أصحابها في التوكّل على الله، وحسن الظنّ به؛ ففيها القدوة والأسوة الحسنة، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضٍ منها:
النبي محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم، ومن أعظم الأمثلة التي تُذكر عنه في حسن ظنّه بربّه، هو أثناء هجرته مع صاحبه الصدّيق أبي بكر رضي الله عنه، وكيف ظنّ بالله خيراً، وأنّه ثالثهما في الغار؛ فكانت النتيجة أن حفظهما الله تعالى، وأيدّه بجنودٍ منه، وأنزل عليه السكينة، ونجّاه من القوم الكافرين.
موسى عليه السّلام: نبي الله الكليم، الذي ردّ على قومه عندما خافوا من فرعون وجنوده أن يدركهم؛ فقال الرسول عليه السّلام: «كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ»؛ فجاء التأييد الرباني؛ فقال الله تعالى: «فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ»؛ فنجّاه الله وقومه، وأغرق الآخرين.


إبراهيم عليه السّلام: الذي ترك زوجته هاجر، وابنه الرضيع إسماعيل -عليه السّلام- بين شعاب مكّة الخاوية حينذاك؛ إذ لا إنس فيها ولا ماء، وذلك تسليماً منه لأمر الله، وحسن ظنٍّ به؛ فكان عاقبة ذلك الافتراق، خيراً له وللأنام، واجتماعاً لهم إلى يوم القيامة.