الإجهاض المتكرر جرح لا يراه الكثيرون، لكنه يترك ندبة في روح الحامل الأم لا تُنسى، وهو مشكلة صحية شائعة؛ حيث تشير التقديرات العالمية إلى أن ما يقارب 10–15% من حالات الحمل تنتهي بالإجهاض، وأن واحدة من كل خمس نساء يعانين من أعراض اكتئاب وقلق بعد التجربة، بينما النساء اللواتي مررن بعملية إجهاض متكرر، أكثر عرضة بثلاث مرات لأعراض الصدمة النفسية.
لهذا يصبح من المفيد أن نستمع لتجربة مرت بها السيدة "ليلى"- 29 عاماً- ثلاث مرات، ونجحت في تجاوزها وتخطيها، هذا رغم أن الطريقة التي كانت تحكيها السيدة"ليلى" لقارئات "سيدتي وطفلك"، مازالت تحتفظ بعلامات الإرهاق والحيرة التي تبدو على ملامحها، و الربكة والارتجاف بين كلماتها، بجانب التوتر الظاهر في عينيها.
في هذا التقرير نطالع "تجربتي"مع تكرار الإجهاض، ونتعرف من الدكتور بهاء الدين درويش أستاذ طب النساء والتوليد إلى الأسباب التي تؤدي لذلك النوع من الإجهاض، بجانب طرق العلاج الممكنة.
مشاعر السيدة "ليلى" مع الألم الصامت
تقول السيدة" ليلى": لقد مررت بتجربتي إجهاض، وها أنا ومنذ شهر واحد فقدت حملي الثالث مجدداً، وللأسف لم أجد من يعطيني إجابة واضحة، ما جعلني أشعر وكأنني تائهة.
والذي حدث؛ أنني توقفت عن الرغبة في الحمل بعد سنوات من الإجهاض الأول والثاني، لكنني لم أنس دمعة كل فقد، وصمت كل طبيب لا يملك تفسيراً، فبعد حملي الثاني، بدأ النزيف، وقيل لي إن هذا أمر شائع، لكن عندما فكرت قبل شهرين في الحمل للمرة الثالثة، لم يكن هناك أي سبب واضح لنزول الجنين.
قالوا لي إن نسبة النساء اللواتي يمررن بالإجهاض المتكرر تقترب من 1-3 بالمائة، ولم أكن أعلم حينها أنني ضمن تلك النسبة الصغيرة، لكنها بحق تجربة مؤلمة نفسياً وبدنياً.
كنت أشعر بالذنب، وكأن جسدي يخونني، زوجي يحاول أن يكون داعماً، لكنني وجدت نفسي أبتعد عن الجميع؛ أصدقائي، عائلتي، حتى نفسي،كنت أشعر بالحزن، الغضب، الخوف، ما دفعني للبحث على النت؛ فعرفت أن النساء اللواتي يمررن بالإجهاض المتكرر يكنّ أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للإصابة بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وهذا لا ينطبق على النساء فقط، بل يشمل الشريك أيضاً.
جولة "ليلى"الطبية مع الأطباء
تواصل السيدة"ليلى": وقررت أن أعرف الأسباب وطرق العلاج، فقمت بعمل كل التحاليل المطلوبة مرة أخرى- رابعة- ، فقالوا إن كل شيء طبيعي؛ لا وجود لاضطرابات هرمونية، لا مشاكل في الرحم، لا أمراض مناعية، ورغم ذلك ما زلت حائرة؛ إذ كيف أشرح لنفسي ولمن حولي أنني فقدت ثلاثة أجنة بلا سبب؟
وتعلمت من "تجربتي" : أن نصف حالات الإجهاض تقريباً، لا يتم العثور على سبب واضح لها، وبالنسبة لي؛ كان غياب التفسير يزيد من وجع القلب، فبدأت أذهب لعيادات متخصصة في توفير دعم نفسي ومتابعة دقيقة؛ أملاً آن تزيد فرص نجاح الحمل من 33% إلى أكثر من 80% كما أثبتت العديد من الدراسات.
دعوني أُكمل لكم "تجربتي"وأفضفض: الإجهاض يا صديقاتي ليس تجربة عاطفية فقط، بل جسدية أيضاً؛ النزيف، الاختلال الهرموني، آلام البطن، وحتى فقر الدم، كلها أعراض تؤلمني، لكن المتابعة الطبية ضرورية، لرعاية الجسد.
اليوم بتُّ أخشى المستقبل، كل حمل جديد أصبح مغامرة مؤلمة، ولم أعد أحتمل فكرة فقدان آخر، بعد الإجهاض المتكرر، غيّرت الأطباء المتابعين لحالتي، خوفاً وحرصاً على العمل مع طبيب مختص في الحمل عالي الخطورة.
تجربتي بعد الولادة للتخلص من الوزن الزائد.. وكيف جذبتني للتفكير في الحمل من جديد؟
المتابعة الطبية والنفسية أولى خطوات العلاج
من خلال رحلتي مع عمليات الإجهاض المتكررة عرفت؛ أن النساء اللواتي يعانين من فقدان حمل متكرر، يكنّ أكثر عرضة للإصابة بأمراض قلبية وجلطات دموية في المستقبل، لهذا السبب، من الضروري أن تتم متابعة صحتهن العامة، وليس فقط الإنجابية.
وتواصل السيدة"ليلى" الحديث عن تجربتها بصوت لم يفارقه الحزن: أتذكر اليوم الذي قررت فيه أن أطلب الدعم، المساعدة النفسية، شعرت بالخجل في البداية، لكن العلاج النفسي غيّر حياتي، علّمني كيف أتعامل مع الحزن؟ كيف أعبّر عنه؟ وكيف لا أحمّل نفسي مسؤولية ما لا أملكه؟!
كل هذا ولم أفكر بعد في أن أشارك في مجموعة دعم، كنت أتردد، رغم أن مجرد الجلوس مع نساء مررن بتجربتي، سوف يمنحني شعوراً بأنني لست وحدي ما يمدني بالقوة والهدف.
"تجربتي" لم تكن سهلة، لكنها علمتني الصبر، وأعطتني قدرة على احتضان الألم من دون أن يغمرني، لكني لا أنسى أولئك الذين فقدتهم، أذكّر نفسي بأنهم كانوا حقيقيين، وأن حزني عليهم حقيقي أيضاً.
ومازلت أتذكر كلمة طبيبي الأخير : الشفاء لا يعني النسيان بل التعايش، وستتعلمين كيف تبتسمين من جديد، كيف تحلمين من دون أن تخافي من الكسر، وتأكدي سيدتي بأنك أقوى مما تظنين، ومن يعلم فأنت تريدين والطبيب يحاول والله يفعل ما يريد.
مفهوم الإجهاض وأسبابه
هنا يؤكد الدكتور بهاء الدين درويش: أن الإجهاض حدث يَنتج عنه فقدان الجنين أثناء الحمل، ويحدث عادةً في الثلاثة الأشهر الأولى من الحمل، ما يشكل خطورة على صحة الأم نفسياً وجسدياً، ومن أسبابه:
- مشاكل وراثية عند الزوجين.
- اضطرابات في المناعة .
- تشوهات الجنين، وأبرزها التشوّهات العصبية.
- مشكلات الرحم، كالتشوهات والأورام الليفية، واضطرابات التبويض.
- تجلط الدم ما يُسبب الإجهاض المتكرر.
- التقدم في العمر، وخصوصاً الحمل فوق سن الأربعين.
- التعرّض لعدوى بكتيرية أو فيروسية، ومنها الالتهاب الجرثومي.
- التواجد بأماكن التدخين، والتعرض للمواد الكيميائية.
- التعرض للعلاج الإشعاعي والكيميائي.
- تناول بعض الأدوية من دون استشارة الطبيب.
- بذل مجهود بدني كبير، يؤثر على الحمل ويسبب الإجهاض.
7 طرق للكشف عن أسباب الإجهاض المتكرر
- الطبيب المختص هو المسؤول فقط عن الكشف عن أسباب الإجهاض المتكرر، و تحديد نوع الإجراء المذكور من أجل القيام بالتشخيص.
- استخدام التصوير بالموجات فوق الصوتية أو الأشعة السينية؛ لتحديد الاضطرابات في الرحم وعنق الرحم.
- اختبارات للكشف عن الاضطرابات في المناعة الذاتية، ووجود الأجسام المضادة.
- اختبار الهرمونات المتعلقة بالغدة الدرقية والنخامية والكظرية والسكري.
- فحوصات تخثّر الدم، والنظر في وجود سجل وراثي لذلك.
- إجراء فحوصات للحمض النووي والكروموسومات للجنين، الناتج من الإجهاض؛ لتحديد وجود أي اعتلال وراثي.
- إجراء اختبار الكروموسومات للآباء؛ لتحديد وجود استعداد وراثي لنقل أي اعتلال وراثي.
خطوات لعلاج الإجهاض المتكرر
هناك العديد من الإجراءات الممكنة للتغلب على أسباب الإجهاض المتكرر، مثل:
الخطوة الأولى: الجراحة أو الإخصاب في المختبر، ويتم في هذا الإجراء إعطاء المرأة حقنة لتفجير المبايض، تعمل على نموّ العديد من البويضات في المبيض.
الخطوة الثانية: يتم سحبها خلال عملية جراحية بسيطة؛ حيث يتم حقن حيوان منوي واحد في كل بويضة، ثم يوضع في ظروف خاصة لنمو الجنين.
الخطوة الثالثة: يتم تحليل خلية واحدة من الجنين؛ للتأكد من سلامة التركيب الجيني والوراثي، ونقل الأجنّة السليمة إلى رحم المرأة.
*ملاحظة من"سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.
