خارج الروايات

شهرزاد


نتمنى أحياناً أمنيات قد تكون غريبة، أو ربما مستحيلة، لكننا نندفع إليها بكل شغف قلوبنا وحاجة أرواحنا إليها، إنها تلك الأمنيات التي تجعلنا نتجرد من الكثير من الأحمال، وتمسح منا الكثير من التفاصيل، وكأننا نعود إلى نقطة البداية، تلك البداية التي نكون فيها نحن فقط؛ بلا رتوش خارجية، وبلا أي إضافات من الحياة إلينا. 


كتلك الأمنية التي سيطرت عليَّ بعد الانتهاء من كتابة روايتي، إنها أمنية التحول إلى كائن يملك قدرة الطيران إلى البعيد، بلا ذاكرة قد تعيق رحيله، وبلا قلب قد يمنعه من الارتفاع إلى السماء، وبلا مسؤوليات قد تقيده في الأرض..
فبعد الانتهاء من كتابة الرواية؛ خرجت بالكثير من الصمت، والكثير من الهدوء والكثير من الاختناق، ولا أعلم إن كانت هذه مرحلة طبيعية تلي الانتهاء من كتابة الروايات، ويمرّ بها أغلب الكُتاب، أو أنها حالة خاصة..
ففجأة وجدتني أتسلل خارج أسوار تلك الحكايات التي ذكرتها في روايتي، فجأة وجدتني ألوّح مودعة لتلك الشخصيات التي عشت معها على الورق فترة من الزمن، فجأة وجدتني أمام نهايات لم أكن أنويها، لكنها حدثت فجأة، وجدتني أبحث عن مكان أجري فيه حافية القدمين بلا هدف، فجأة وجدتني أنفر من ذلك الجهاز الذي رافقني فترة الكتابة، وأكره الجلوس في ذلك المكان الذي اعتدت السهر فيه لكتابة الرواية، فجأة وجدتني أرغب في الطيران بعيداً عن كل الوجوه، عن كل الأصوات، عن كل الأرواح التي تحيط بي..


فجأة وجدتني بأمسّ الحاجة للاسترخاء بلا ضجيج، وبلا ثرثرة، وبلا أحاديث مملة، فجأة وجدتني أمام أمنيات غريبة؛ كأمنية تحول هذا العالم إلى نافذة كبرى، أو طريق شاسع بلا انتهاء.
فنحن نحتاج بعد الانتهاء من كتابة الرواية إلى التنفس بعمق، إلى الجري بلا أحذية، إلى التعرف على مجموعة من الغرباء، إلى الجلوس فوق قارعة طريق تمره الكثير من الوجوه، إلى الغناء دون الاهتمام لنظرات المارة، إلى الجلوس فوق حبال أرجوحة تطير أعلى مما نتمنى، إلى الابتعاد عن كل الأوراق، وكل الأقلام، وكل الكتب، وكل التفاصيل التي تمتّ للكتابة بصلة..


فبعد الانتهاء من كتابة الرواية؛ ندخل في حالة شبيهة بحالة فراق مفاجئة. ففي كل رواية نحن نترك عائلة صغيرة، ومجموعة من الأصدقاء، نشتاق إليهم كثيراً بعد أن نقلب الصفحة الأخيرة، ونغلق الغلاف الأخير..

قبل النهاية بقليل:
ربما نستهلك الكثير من الوقت للنجاح في مغادرة الرواية والتخلص من تلك العلاقات التي تربط بيننا وبين شخصياتها...