على ضفاف خور دبي، حيث يتلاقى التاريخ مع المستقبل، تتألق "مكتبة محمد بن راشد" كأيقونة معمارية ومعرفية، تصميمها الفريد على هيئة "رَحْل" - ذلك المسند الخشبي الذي يحتضن الكتب المقدسة - يبدو وكأنه إعلان دائم عن رسالتها السامية في حفظ ونشر الكلمة. في هذا الصرح الذي يُعد "منارة للمعرفة والثقافة والإبداع"، وفي أمسية استثنائية تزامنت مع احتفالات الدولة بيوم المرأة الإماراتية في 28 أغسطس، اجتمعت نخبة من المثقفين والإعلاميين وشخصيات المجتمع، ليشهدوا لحظة تكريم تليق بتاريخ وطن بأكمله، متجسداً في مسيرة سيدة واحدة، ألا وهي حصة العسيلي المعروفة " بأم الإعلام".
منارة المعرفة تحتفي بـ "أم الإعلام"
لم يكن اختيار الزمان والمكان محض صدفة؛ فيوم المرأة الإماراتية، الذي أطلقته الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية "أم الإمارات"، في عام 2015، هو مناسبة وطنية لتكريم مساهمات ابنة الإمارات ودورها المحوري كشريك فاعل في مسيرة التنمية والازدهار. واختيار مكتبة محمد بن راشد، التي تأسست لتكون حجر الزاوية في بناء مجتمع المعرفة، لاستضافة هذا الحدث، يمثل التقاءً رمزياً عميقاً بين ثلاثة عناصر جوهرية شكّلت هوية الدولة: المكان، الذي يرمز إلى طموح المستقبل ورؤيته المعرفية؛ والزمان، الذي يحتفي بالحاضر المشرق للمرأة الإماراتية ومكانتها الراسخة؛ والشخصية المُحتفى بها، التي تجسد الماضي الرائد والجذور الأصيلة التي قامت عليها نهضة الأمة.
في قلب هذا المشهد المهيب، كانت الأضواء مسلطة على حكاية الإعلامية القديرة حصة العسيلي، الملقبة بـ "أم الإعلام الإماراتي"، من خلال جلسة حوارية راقية نظمتها المكتبة بالتعاون مع "مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية" لمناقشة كتاب «حصة العسيلي.. أم الإعلام الإماراتي، امرأة حملت وطنها في قلبها لتجوب به العالم»، الذي ألفته ابنتها الروحية ورفيقة دربها، الدكتورة عائشة البوسميط. لقد تحولت هذه الأمسية من مجرد حفل توقيع كتاب إلى احتفالية وطنية، وشهادة حية على أن تكريم الرواد هو السبيل الأمثل لإلهام الأجيال القادمة، وأن قصة امرأة واحدة يمكن أن تروي فصولاً كاملة من تاريخ أمة.
حوار من القلب: الدكتورة عائشة البوسميط تكشف سر "ماما حصة"
في لقاء خاص مع "سيدتي"، وبنبرة يمتزج فيها الإعجاب العميق بالحب الصادق، كشفت الدكتورة عائشة البوسميط، مؤلفة الكتاب، عن الدوافع الكامنة وراء هذا العمل التوثيقي الهام. الدكتورة عائشة ليست مجرد كاتبة أو باحثة أكاديمية؛ بل هي نفسها شخصية إعلامية مرموقة، صاحبة مسيرة حافلة تمتد لأكثر من 30 عاماً، بدأت منذ طفولتها كمندوبة صحافية في مجلة "ماجد"، مروراً بكتابة الشعر والمقالات في كبريات الصحف الإماراتية، وصولاً إلى تقديم البرامج التلفزيونية ونيل درجة الدكتوراه في الإعلام والاتصال الجماهيري. هذه الخلفية الغنية تضعها في موقع فريد، ليس فقط كشاهدة على العصر، بل كجزء من النسيج الإعلامي الذي كانت "ماما حصة" عرّابته الأولى.
توضح الدكتورة عائشة أن فكرة تأليف كتاب عن حصة العسيلي لم تكن وليدة اللحظة، بل هي "فكرة قديمة" ووعد قطعته على نفسها منذ زمن بعيد. وتقول: "كنت دائماً أقول لها إنني سأكتب عنها يوماً ما". استغرق إنجاز هذا الوعد ما يقارب العام من البحث الدؤوب، حيث قمت بجمع كل ما نُشر من مقابلات وحوارات أُجريت مع "أم الإعلام"، وأضافت إليها كنوزاً من ذاكرتها الحية التي استخرجتها عبر جلسات مطولة معها.
لكن ما يمنح هذا الكتاب روحه الحقيقية ليس فقط الدقة التوثيقية، بل العلاقة الإنسانية العميقة التي تربط المؤلفة بشخصية الكتاب. تصف الدكتورة عائشة، " أم الاعلام" حصة العسيلي بأنها "الأم الرحيمة أو الأم الثانية، إن جاز التعبير"، وتنسب إليها الفضل في تعلمها المعنى الحقيقي للمواطنة الصادقة، وكيف يكون حب الوطن فعلاً لا قولاً. هذه الرابطة الروحية تتجلى في كل صفحة، حيث يصبح الكتاب "إرثاً" تركته الدكتورة عائشة "بكل أمانة وصدق، لكل من يحب وطنه بإخلاص ويسعى لاستكشاف معنى الحياة وعمق العلاقات الإنسانية".
تكمن المفارقة الملهمة في أن "أم الإعلام"، التي احتضنت أجيالاً من الإعلاميين ورعت مواهبهم، توثق سيرتها "أم بالاختيار". فالدكتورة عائشة، التي ألفت كتاباً سابقاً بعنوان "أمومة بالاختيار" يروي تجربتها الإنسانية الفريدة في احتضان طفلتين يتيمتين، أطلقت على إحداهما اسم "حصة"، هي خير من يدرك معنى الأمومة كعطاء ورعاية وتوجيه. وهكذا، لم يكن هذا الكتاب مجرد سيرة ذاتية، بل هو حوار بين جيلين من النساء الإماراتيات الرائدات، حوار يتمحور حول مفهوم "الأمومة" بمعناه الأوسع: أمومة الوطن، وأمومة الإرث، وأمومة الكلمة الصادقة التي تبني الأجيال.
تابعوا المزيد من نصائح الدكتورة عائشة البوسميط: من المحيط الأحمر إلى المحيط الأزرق.. مفاهيم غيَّرت ريادة الأعمال
شهادة خبير: علي عبيد الهاملي يروي تاريخاً من الريادة
لإدارة حوار بهذا العمق التاريخي والإنساني، كان لا بد من قامة إعلامية توازي ثقل المناسبة. وقد تولى هذه المهمة ببراعة الكاتب والإعلامي القدير علي عبيد الهاملي، الذي قدم مع الدكتورة عائشة "قراءة معمقة" في سيرة حصة العسيلي. الهاملي ليس مجرد مدير للحوار، بل هو ذاكرة حية لتاريخ الإعلام الإماراتي، وشاهد عيان على تحولاته الكبرى.
مسيرة الهاملي المهنية بحد ذاتها تمثل فصلاً مهماً في سجل الإعلام المحلي. بدأ قارئاً لنشرة الأخبار في تلفزيون دبي وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، في مطلع السبعينيات. ومنذ ذلك الحين، تنقل بين مختلف ميادين العمل الإعلامي، من الصحافة المكتوبة إلى المناصب القيادية العليا في تلفزيون أبوظبي ومؤسسة دبي للإعلام. خبرته الواسعة، وعضويته الفاعلة في مؤسسات ثقافية كبرى مثل "مجلس دبي الثقافي" و"ندوة الثقافة والعلوم"، تجعله المرجعية الأمثل لوضع مسيرة حصة العسيلي في سياقها التاريخي الصحيح.
في حواره مع سيدتي، يؤكد الهاملي على الأهمية الاستثنائية لتوثيق هذه المسيرة، لأنه لا يعتمد على الوثائق فحسب، بل على الذاكرة الحية لصاحبة التجربة، مما يجعله وثيقة نادرة لا تقدر بثمن.
إن وجود علي عبيد الهاملي كمدير لهذا الحوار يحمل دلالة رمزية بالغة الأهمية. فهو يمثل الجيل الذي تسلم الراية من الرواد الأوائل مثل حصة العسيلي. مسيرته المهنية، التي بدأت في ظل الإعلام الناشئ الذي ساهمت هي في تأسيسه، ونمت وتطورت لتصل إلى أعلى مراتب الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، تعكس نضج وتطور صناعة الإعلام في الدولة. هو ليس مراقباً خارجياً، بل وريث شرعي لهذا الإرث. لذلك، لم يكن الحوار مجرد أسئلة وأجوبة، بل كان بمثابة حديث بين جيل التأسيس وجيل التمكين، بين الشرارة الأولى التي أوقدتها حصة العسيلي، والشعلة المتوهجة التي يحملها اليوم هو وزملاؤه. لقد كان مشهداً يختزل تاريخاً من الاستمرارية والتسليم والتسلم، وتأكيداً على أن مسيرة الإعلام الإماراتي هي قصة متصلة، يكمل فيها كل جيل ما بدأه السابقون.
حصة العسيلي: رحلة "أم الإعلام" التي بدأت من "صوت الساحل"
من هي حصة العسيلي التي استحقت عن جدارة لقب "أم الإعلام"؟ إنها قصة وطن بأكمله، بدأت فصولها قبل قيام الاتحاد، وتحديداً في عام 1965، حين انطلق "صوت نسائي أنيق" عبر أثير إذاعة "صوت الساحل" من الشارقة، ليكتب شهادة ميلاد أول مذيعة إماراتية. كانت حصة العسيلي آنذاك لا تزال طالبة على مقاعد الدراسة الثانوية، وكانت الإذاعة مجرد "غرفة بث" واحدة في مطار الشارقة القديم، المعروف اليوم بمتحف المحطة.
قد تكون الاماراتية حصة العسيلي اول مذيعة إماراتية حيث عملت في في اذاعة صوت الساحل بالشارقة عام ١٩٦٥ pic.twitter.com/3rCOKV9j
— كتب الإمارات (@emiratesbooks) January 11, 2013
هذه البدايات المتواضعة لم تكن إلا مؤشراً على عزيمة استثنائية وإصرار لا يلين. ففي مجتمع كان لا يزال محافظاً، وفي وقت كانت فيه البنية التحتية للإعلام في مراحلها الجنينية، كانت خطوة حصة العسيلي بمثابة ثورة هادئة، فتحت الباب على مصراعيه أمام المرأة الإماراتية لدخول هذا المجال الحيوي. لم تكن مجرد موظفة تؤدي عملاً، بل كانت ترسم ملامح مهنة جديدة، وتؤسس لمعايير الاحترافية، وتثبت أن صوت المرأة وعقلها شريكان أساسيان في بناء الوعي الوطني.
لم تكتفِ حصة بالريادة الإذاعية، بل سرعان ما انتقلت إلى الشاشة الصغيرة، لتصبح أول مذيعة إماراتية في تلفزيون الكويت من دبي بين عامي 1969 و1973. ورافقت مسيرتها المهنية رحلة علمية جادة، حيث سافرت إلى القاهرة ونالت ليسانس الآداب في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، ثم دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي من جامعة عين شمس العريقة. هذا التحصيل الأكاديمي الرفيع منح صوتها عمقاً فكرياً وثقافياً، وجعلها إعلامية شاملة، لا مجرد قارئة للنصوص.
امتد عطاؤها لعقود، وصوتها "رافق ثلاثة أجيال من الإماراتيين". تولت مناصب قيادية في وزارة الإعلام والثقافة، كمديرة لإدارة المعارض، ومفوض عام لإكسبو، حيث حملت راية وطنها في المحافل الدولية. وفي هذه المشاركات، لم تكن مجرد ممثلة رسمية، بل كانت سفيرة للهوية والقيم الإماراتية.
حتى بعد ابتعادها الرسمي عن الأضواء، لم ينقطع شغفها. ففي عام 2014، وبعد غياب دام أربعين عاماً عن تقديم البرامج بشكل منتظم، عادت إلى عشقها الأول، الميكروفون، عبر إذاعة "الأولى"، لتقدم برنامجها الثقافي الأسبوعي "الأولى مع الأولى". اعتبرت هذه العودة "واجباً وطنياً" تجاه الأجيال الجديدة التي منحتها لقب "أم الإعلام"، ورغبة منها في أن تظل على تواصل معهم، تحاورهم وتشاركهم فكرها وتجربتها.
إن مسيرة حصة العسيلي، بتحدياتها التي لم تُروَ كاملة، وبإنجازاتها التي تتحدث عن نفسها، هي شهادة على قوة الإرادة النسائية الإماراتية. لقد كانت رائدة في زمن كانت فيه الريادة مغامرة، وبنت جسوراً من الثقة بين الإعلام والمجتمع، وصنعت بصوتها ووعيها جزءاً أصيلاً من الذاكرة الوطنية.
تابعوا حوار أجرته قديماً سيدتي مع القديرة حصة العسيلي : حصة العسيلي أقدم إعلامية إماراتية لـ«سيدتي»: إعلامنا بحاجة إلى صوت متوازن
وثيقة للوطن: ما بين دفتي كتاب "امرأة حملت وطنها"
إن كتاب "حصة العسيلي.. أم الإعلام الإماراتي" هو أكثر من مجرد سيرة ذاتية؛ إنه وثيقة وطنية تكتسب أهميتها ليس فقط من الشخصية التي تؤرخ لها، بل أيضاً من الجهة التي تبنت نشرها. صدور الكتاب عن "مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية" وضمن سلسلتها المرموقة "أعلام من الإمارات"، يمنحه مصداقية ثقافية وتاريخية استثنائية.
مؤسسة العويس، التي أنشأها الشاعر الراحل سلطان بن علي العويس عام 1987، هي إحدى أهم وأعرق المؤسسات الثقافية الخاصة في الوطن العربي. هدفها الأسمى، كما تنص لوائحها، هو "تشجيع وتكريم الأدباء والكتاب والمفكرين والعلماء العرب، اعتزازاً بدورهم في النهوض الفكري والعلمي". وعندما تختار هذه المؤسسة، المعروفة بجائزتها الأدبية الرفيعة التي تعد "نوبل العرب"، أن تخصص إصداراً ضمن سلسلة أعلامها لشخصية إعلامية، فهذا بحد ذاته تكريم كبير، واعتراف بأن حصة العسيلي ليست مجرد مهنية ناجحة، بل هي "علم من أعلام الإمارات" الذين شكلوا وجدان الأمة وساهموا في نهضتها الفكرية.
هذا الحدث لم يكن مجرد احتفاء من مؤسسة واحدة، بل شهد تضافر جهود اثنتين من كبريات المنارات الثقافية في الدولة. فاستضافة "مكتبة محمد بن راشد" لحفل إطلاق كتاب صادر عن "مؤسسة العويس" هو تجسيد حي لمنظومة العمل الثقافي المتكاملة في الإمارات. فمن جهة، لدينا مكتبة محمد بن راشد، الصرح الحكومي الذي يمثل رؤية الدولة الطموحة نحو المستقبل، ويهدف إلى "تحفيز الشغف بالمعرفة" ودعم "النهضة التنموية الشاملة". ومن جهة أخرى، لدينا مؤسسة العويس، المنارة الأهلية التي كرست نفسها للحفاظ على الإرث الثقافي العربي وتكريم رموزه.
هذا التعاون بين المؤسستين، واحدة تمثل الحاضنة الحكومية للمعرفة المستقبلية، والأخرى تمثل الذاكرة الأهلية للإبداع الأصيل، يرسل رسالة واضحة: إن بناء ثقافة الأمة هو مسؤولية مشتركة، جهد تتكامل فيه المبادرات الرسمية مع العطاء الخاص. واختيار قصة حصة العسيلي لتكون محور هذا الالتقاء الرمزي يؤكد على مكانتها كشخصية جامعة، استطاعت أن تكون جسراً بين الماضي والحاضر، وبين الإعلام والثقافة، وبين الأجيال. لقد أصبح كتابها، بفضل هذا الاحتفاء المشترك، مرجعاً موثقاً للأجيال القادمة، وشهادة على أن تاريخ الأوطان يُكتب بمداد إنجازات أبنائها وبناتها الرواد.
احتفالية تليق بالأثر: أصداء من ليلة التكريم
لم تكن الأمسية في مكتبة محمد بن راشد مجرد حوار ونقاش، بل كانت احتفالية مجتمعية دافئة، تميزت "بحضور كبير وتفاعل غني بمداخلات وآراء إيجابية من المشاركين". لقد تحولت قاعة المكتبة إلى صالون ثقافي مفتوح، تلاقت فيه الأجيال، وتبادلت فيه الخبرات والذكريات، وكان الجميع متفقاً على الأثر العميق الذي تركته "أم الإعلام" في مسيرتهم الشخصية والمهنية.
ذروة الأمسية تجلت في لحظتين فارقتين. الأولى كانت حفل توقيع الكتاب، حيث اصطف الحضور للحصول على نسخة موقعة من الدكتورة عائشة البوسميط، في مشهد يعكس شغف المجتمع بالمعرفة وتقديره لرموزه. لم يكن مجرد توقيع على كتاب، بل كان مصافحة رمزية مع تاريخ حي، وتواصلاً مباشراً مع الوفاء الذي تجسده المؤلفة تجاه من تعتبرها أمها الثانية.
أما اللحظة الأكثر تأثيراً، فكانت في ختام الجلسة، عند تكريم الإعلامية القديرة حصة العسيلي. وفي لفتة مؤثرة ومعبرة، تقدمت الدكتورة عائشة البوسميط لتسلم الدرع التكريمي بالنيابة عنها. هذا المشهد لخص جوهر الحكاية بأكملها: حكاية الإرث الذي ينتقل، والراية التي تُسلّم، والتقدير الذي لا يغيب. لم يكن مجرد تسلم درع، بل كان إعلاناً بأن إرث حصة العسيلي ليس مجرد ذكريات من الماضي، بل هو إرث حي، متجدد، ومستمر في العطاء من خلال الأجيال التي ألهمتها ورعتها. كانت لحظة تجسد قوة العلاقة بين الرائدة والوريثة، وتؤكد على أهمية التقدير والوفاء في ثقافة المجتمع الإماراتي، وتبرهن على أن أعظم تكريم للمرأة الرائدة هو أن ترى أثرها ممتداً في نجاحات النساء من بعدها.
إرثٌ لا يغيب.. صوت حصة العسيلي في ذاكرة الإمارات
في ختام تلك الليلة البهيجة، ومع انطفاء أضواء الكاميرات، بقي صوت واحد يتردد في أرجاء مكتبة محمد بن راشد وفي ذاكرة كل من حضر: صوت حصة العسيلي. ذلك الصوت الذي انطلق قبل ستة عقود من غرفة صغيرة في الشارقة، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من النسيج الصوتي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
إن الاحتفاء بمسيرة "أم الإعلام" في يوم المرأة الإماراتية، ومن على منبر منارة معرفية كبرى، ليس مجرد تكريم لشخصها، بل هو تأكيد على "الرؤية الوطنية الراسخة التي تحتفي بالمرأة شريكاً فاعلاً في مسيرة التنمية والازدهار". لقد جسدت حصة العسيلي، من خلال رحلتها، القصة النموذجية للمرأة الإماراتية: طموحة، عصامية، متمسكة بهويتها، ومنفتحة على العالم. كانت رائدة عندما كان للريادة ثمن، ومثابرة عندما كانت التحديات جمة، ووطنية حتى النخاع في كل محطة من محطات حياتها.
واليوم، لا يزال إرثها حياً ومستمراً، ليقدم زاداً ثقافياً للأجيال الجديدة. وأثرها يتجلى في كل إعلامية وإعلامي إماراتي يقف اليوم أمام الكاميرا أو الميكروفون، يكملون المسيرة التي بدأتها هي. لقد تحولت قصة حصة العسيلي من سيرة فردية إلى نموذج وطني، وأيقونة تُلهم كل فتاة إماراتية تحلم بأن تترك بصمتها في خدمة وطنها.
لقد حملت حصة العسيلي وطنها في قلبها وصوتها لتجوب به العالم، فاستحق هذا الوطن أن يحملها في ذاكرته إلى الأبد، كصوت لا يغيب، وقصة لا تنتهي، وإرث خالد من العطاء والريادة.