يلقي هاجس التقدم في العمر ظلال الخوف والقلق في قلوب الكثيرين، الذين يجدون أن تراجع الشباب يرافقه تدهور جسدي وفقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة، وتدهور معرفي يصاحبه مشاكل تراجع القدرات العقلية والفكرية، إلا أن العلماء كشفوا مؤخرًا خطأ هذه النظرية من خلال دراسة جديدة تناولت المسارات العمرية المختلفة وعلاقتها بالقدرات الذهنية.. وللتعرف أكثر على فحوى هذه الدراسة تابعي السياق التالي لتعرفي السن الذي يبلغ فيه ذكاء الفرد ذروته، وسبب كون الأشخاص في هذه الفئة العمرية في أفضل حالاتهم.
الخوف من التقدم في السن لن يكون ذا أهمية

بحسب موقع sciencedirect.com، فقد نُشرت دراسة حديثة تؤكد أن الخوف من التقدم في السن لن يكون ذا أهمية في حياة الإنسان خاصة بعد أن أثبت العلماء أن الأداء النفسي والذهني العام للأشخاص يبلغ ذروته في السن ما بين 55 و60 عامًا، فالأشخاص في هذه الفئة العمرية يكونون في أفضل حالاتهم الذهنية كونهم يمتلكون أفضل أداء في حل المشكلات المعقدة، ومقدرة فريدة لاتخاذ القرارات، والقيام بالأدوار القيادية، مما يشير إلى أن منتصف العمر قد يمثل ذروة القدرات النفسية والذهنية للفرد.
يدحض هذا الفرض قانون بلوغ الموظفين سن المعاش باعتبار سن المعاش يعني أن الموظف أصبح غير فعال في عمله بسبب تراجع مستوى قدراته العقلية والذهنية والجسدية والتي تنجم عن كبر سنه مما يدفع صاحب العمل للتخلص منه.
أنواع مختلفة من الذروة الجسدية في المسارات العمرية المختلفة
هناك الكثير من الأبحاث التي تُظهر أن البشر يصلون إلى ذروتهم الجسدية والفكرية في منتصف العشرينات إلى أوائل الثلاثينات من العمر، كما أن مجموعة كبيرة من الأبحاث السابقة أيضًا أظهرت أن القدرات الفكرية الخام للإنسان - أي قدرته على التفكير والتذكر ومعالجة المعلومات بسرعة - تبدأ عادةً بالتراجع من منتصف العشرينات فصاعدًا، وينعكس هذا النمط في العالم الواقعي حيث:
- يميل الرياضيون إلى بلوغ ذروة مسيرتهم المهنية قبل سن الثلاثين.
- غالبًا ما يقدم علماء الرياضيات أهم مساهماتهم بحلول منتصف الثلاثينيات.
- نادرًا ما يصل أبطال الشطرنج إلى قمة مستواهم بعد سن الأربعين.
قد ترغبين في التعرف على: أكثر الأبراج ذكاء في الدراسة
سمات نفسية راسخة تتجاوز القدرة على التفكير

ركزت الدراسة على سمات نفسية راسخة تتجاوز القدرة على التفكير، والتي يمكن قياسها بدقة، وهي تمثل خصائص دائمة وليست حالات مؤقتة، ولها مسارات عمرية موثقة جيدًا، ومن المعروف أنها تتنبأ بالأداء في العالم الواقعي، وقد حدد الباحثون القائمون على الدراسة 16 بُعدًا نفسيًا (سمة معرفية وشخصية) تستوفي هذه المعايير، وقد شملت القدرات المعرفية الأساسية مثل التفكير، وسعة الذاكرة، وسرعة المعالجة، والمعرفة، والذكاء العاطفي. كما شملت ما يُسمى بـ "السمات الخمس الكبرى" للشخصية - الانبساط، والاستقرار العاطفي، والضمير الحي، والانفتاح على التجربة، واللطف.
خلال الدراسة سعى الباحثون لجمع ومقارنة العديد من الأبحاث والدراسات واسعة النطاق ومن خلال توحيد نتائج هذه الدراسات، ووفقًا لمقياس موحد، تمكن الباحثون من إجراء مقارنات مباشرة ورسم خريطة لكيفية تطور هذه السمات وتناقصها عبر مراحل الحياة.
البلوغ في مرحلة لاحقة من العمر
أوضحت الدراسة أن العديد من هذه السمات الـ16، والتي تم قياسها تصل إلى ذروتها في مرحلة لاحقة من العمر. على سبيل المثال:
- يبلغ الوعي العقلي ذروته في سن الخامسة والستين تقريبًا
- بينما يبلغ الاستقرار العاطفي ذروته في سن الخامسة والسبعين تقريبًا
- هناك أبعاد أقل شيوعًا، مثل التفكير الأخلاقي، تبلغ ذروتها في مراحل البلوغ المتقدمة
- تستمر القدرة على مقاومة التحيزات المعرفية (اختصارات عقلية قد تدفعنا إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية أو أقل دقة ) في التحسن خلال السبعينيات وحتى الثمانينيات.
وبحسب الدراسة والتي قادها البروفيسور جيل جينياك، المسؤول عن الدراسة (وهو أستاذ علم النفس بجامعة غرب أستراليا وفريقه)، أنه عندما تم جمع المسارات العمرية لجميع الأبعاد الستة عشر في مؤشر واحد ظهر نمط لافت للنظر حيث يبلغ "الذكاء السائل"؛ أي سرعة معالجة المعلومات وحل المشكلات، يبلغ ذروته في العشرينات، بينما "الذكاء المتبلور"، القائم على المعرفة والخبرة المكتسبة، يزداد مع العمر ويساهم بشكل كبير في اتخاذ القرارات الصائبة وحل المشكلات في مراحل متقدمة من الحياة، فالأداء العقلي العام يبلغ ذروته بين سن الخامسة والخمسين والستين، قبل أن يبدأ في التراجع من حوالي سن الخامسة والستين. ليصبح التراجع أكثر وضوحًا بعد سن الخامسة والسبعين، مما يشير إلى أن انخفاض الأداء العقلي مع التقدم في العمر، حيث يمكن للأداء العقلي أن يتسارع بمجرد أن يبدأ.
تغيير الصورة النمطية لسن التقاعد

تُساعد نتائج الدراسة في تغيير الصورة النمطية لسن التقاعد وتفسر سبب تولي أشخاص في الخمسينيات وأوائل الستينيات من العمر العديد من الأدوار القيادية الأكثر إلحاحًا في مجال الأعمال والسياسة والحياة العامة، إذ يجمعون ما بين الخبرة الواسعة، والنضج العاطفي، والقدرة على اتخاذ القرارات المعقدة. فبينما تتراجع العديد من القدرات مع التقدم في السن، إلا أن ما يُوازِنها نموٌّ في سماتٍ مهمة أخرى. تُعزِّز هذه السمات مجتمعةً قدرة الشخص على الحكم بشكل أفضل واتخاذ قراراتٍ أكثر ترويًا، وهي صفاتٌ بالغة الأهمية في المناصب القيادية العليا.
يؤكد باحثو الدراسة لموقع verywellmind.com ، وهم من جامعة أستراليا الغربية، أنه على الرغم من نتائج دراستهم الصحيحة والحقيقية يواجه كبار السن تحدياتٍ أكبر في العودة إلى سوق العمل بعد فقدان وظائفهم. فقد تُؤثِّر العوامل الهيكلية على قرارات التوظيف.
أكد البروفيسور جينياك أنه على المجتمع إعادة التفكير في نظرته لمنتصف العمر، مضيفًا: "ربما حان الوقت لأن نتوقف عن النظر إلى منتصف العمر كمرحلة عدٍّ تنازلي، ونبدأ في اعتباره ذروة حقيقية."
بالنهاية ورغم أن بعض القدرات الإدراكية تبدأ في التراجع بعد سن 75، فإن الدراسة تؤكد أن القدرة على التفكير السليم، واتخاذ القرارات، تبقى قوية حتى مراحل متقدمة من الحياة، داعيةً إلى تقدير أكبر لكفاءة كبار السن.
والرابط التالي يعرفك: كيف تقيم مستوى ذكائك وتضاعفه!





