منذ عقود طويلة، انشغل علماء النفس وعلماء الوراثة بسؤال محوري: هل تُصاغ الشخصية من خلال العوامل الوراثية فحسب، أم أن البيئة هي التي تصقلها وتشكلها؟ يتجلى هذا السؤال في الجدل المعروف بـ"الطبيعة مقابل التنشئة، حيث يشير البحث الحديث إلى أن الشخصية تتشكل من خلال تفاعل معقد بين الجينات والخبرات البيئية، مما يعني أن الفرد ليس أسيراً لموروثاته الجينية فقط، ولا لمحيطه الاجتماعي وحده.
وفقاً لمصادر علمية مثل Verywell Mind وPsychology Pressbooks، الشخصية تتشكل من مزيج معقد من العوامل الوراثية والبيئية. الدراسات على التوائم، خاصة أولئك الذين نشأوا في بيئات مختلفة، أظهرت أن هناك نسبة وراثية واضحة (تتراوح بين 30% إلى 60%) تؤثر على سمات الشخصية. لكن البيئة مثل التربية، الثقافة، التجارب الحياتية، وحتى الأصدقاء تلعب دوراً كبيراً في كيفية تطور هذه السمات.
الجينات ودورها في تشكيل الشخصية

تُشير دراسات مستفيضة على التوائم المتماثلين، خاصة أولئك الذين نشأوا في بيئات متباينة، إلى أن هناك درجةً كبيرةً من التشابه في سماتهم الشخصية، مما يدعم الدور الكبير للعوامل الوراثية. وفقاً لمقال علمي منشور في Verywell Mind، فإن ما يصل إلى 60% من الفروق الفردية في الشخصية قد تُعزى إلى التكوين الجيني. هذه النسبة تشمل سمات مثل الانبساطية والانطوائية، الميل نحو العصبية، وحتى الضمير المهني والانفتاح على التجارب.
التأثير البيئي والتجارب الشخصية
على الرغم من ثقل العامل الجيني، إلا أن تأثير البيئة لا يقل أهمية. فالثقافة، والتربية الأسرية، والتعليم، وحتى الصدمات الحياتية تساهم جميعها في بلورة الشخصية. فمثلاً، قد يُظهر شخص استعداداً وراثياً للتوتر، لكنه يتعلّم إستراتيجيات التكيف الفعّال في بيئة داعمة، مما يخفف من أثر هذه الصفة الجينية. كما تُبيّن دراسة منشورة في Psychology Pressbooks أن التجارب المبكرة، مثل العلاقة مع الوالدين، تؤثر بشكل حاسم على التنظيم العاطفي وتقدير الذات لدى الطفل.
قد يهمك الاطلاع على ما هي الـ6 أسئلة الشخصية التي لا مكان لها في حديثك مع زميل العمل؟
التفاعل الديناميكي بين الطبيعة والتنشئة
الأهم من ذلك هو عدم النظر إلى الطبيعة والتنشئة كمصدرين مستقلين، بل كـعوامل متداخلة تتفاعل باستمرار. على سبيل المثال، قد تقود السمات الوراثية الفرد نحو بيئات معينة تتماشى مع شخصيته، وهو ما يُعرف بـ"الاصطفاء البيئي الذات. وفي المقابل، قد تغير البيئات المختلفة من التعبير الجيني للفرد من خلال عمليات تُعرف بـ"المرونة الجينية".
في ضوء الأدلة العلمية الحديثة، يتضح أن الشخصية ليست "حقيقية" بمعنى أنها نابعة بالكامل من ذات الفرد ولا "مصطنعة" نتيجة تأثير البيئة، بل هي نتاج تفاعل مستمر بين ما نحمله في جيناتنا وما نمرّ به في حياتنا اليومية. وبالتالي، فإن فهم الشخصية يتطلب نظرة شمولية تأخذ في الاعتبار هذا التكامل الديناميكي بين الطبيعة والتنشئة.
وجهة نظر أهل الاختصاص

نضال نصرالله، أستاذ محاضر في علوم التواصل ولايف كوش يشرح لـ"سيدتي" حول الشحصية ومدى تأثيرها بالبيئة المحاطة.
يطرح نضال سؤالاً هل نحن من نشكل شخصياتنا وأفكارنا؟ أم أن المجتمع، والثقافة، والدين، والبيئة هم من يصنعوننا؟. ويعرّف الشخصية على أنها مجموعة من السمات والخصائص التي تؤثر على السلوك والعواطف والدوافع، وتكون ثابتة نسبياً في المواقف المختلفة.
أصل الشخصية وتأثير المجتمع والفرد عليها
- السؤال الأساسي: هل شخصيتنا نابعة من داخلنا (خبراتنا واختياراتنا) أم من تأثيرات المجتمع؟
- المسؤولية: إذا كانت الشخصية نتيجة المجتمع، فالمجتمع يتحمّل مسؤولية أفعالنا. أما إذا كانت منّا، فنحن نتحمّلها.
- تعريف الشخصية: مجموعة ديناميكية من السمات تؤثر على سلوك الفرد وتبقى ثابتة نسبياً عبر المواقف.
- نظريات الشخصية:
- فرويد: صراع بين الهو (الرغبات) والأنا العليا (الضوابط الأخلاقية).
- المدرسة البيولوجية: الشخصية موروثة جزئياً (40–60%) لكنها قابلة للتغيير بالوعي والبيئة.
- المدرسة المعرفية والاجتماعية: الفرد يتأثر بالمجتمع ويؤثر فيه.
- دور الوعي: قراراتنا تتأثر غالباً بلا وعينا تحت ضغط الجماعة أو الثقافة.
- الهوية والبيئة: حتى تفاصيل بسيطة مثل اللباس والشعر والأفكار قد لا تكون ذاتية بل انعكاس لما يفرضه الآخر.
- التأثير المتبادل: نحن نتأثر ونؤثر في الآخرين في سلسلة مستمرة تشكل وعياً جماعياً.
الشخصية مزيج من التفاعل بين الداخل والخارج، ولا يمكن حسم تشكيلها من طرف واحد. الشخصية الإنسانية ليست شيئاً ثابتاً أو فردياً بالكامل، بل هي حصيلة تفاعل معقد بين الوراثة والتجربة والبيئة. مسؤولية الفرد تبدأ عندما يدرك هذا التفاعل، ويسعى لفهمه وتغييره إذا لزم الأمر.
تأثير الجماعة على سلوك الفرد
تأثير الجماعة على سلوك الفرد، وخصوصاً في حالات الطوارئ مثل الحريق. الإنسان غالباً لا يتصرف بناءً على إدراكه الفردي للخطر، بل ينتظر إشارة من الآخرين، وإذا لم يتحرك أحد، قد لا يتحرك هو أيضاً، حتى لو كان الخطر واضحاً.
أبرز النقاط:
- تجربة اجتماعية يظهر فيها أن الشخص الجديد يقلّد تصرفات المجموعة، حتى لو تجاهلوا خطراً واضحاً (مثل دخان الحريق).
- في حادث حقيقي بلندن، مات عدد كبير لأن الناس لم تتصرف، فقط لأن الآخرين لم يتحركوا.
- هذا يوضح كيف أن تأثير الجماعة يمكن أن يجمّد قرارات الفرد، ويظهر أن الشخصية ليست فقط داخلية بل أيضاً متأثرة جداً بالمحيط.
ما رأيك متابعة كيف تختار الهواية المناسبة التي تناسب شخصيتك؟
الإنسان كائن اجتماعي بشكل عميق، وسلوكه في المواقف الحساسة قد يُشل إذا لم يجد نموذجاً يتبعه، وهذا يؤكد مدى قوة التأثير الاجتماعي في تشكيل وتوجيه الشخصية وردود الفعل.