في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم في العقود الأخيرة، برز "الجيل زد" كقوة اجتماعية واقتصادية وثقافية جديدة، تستحق الدراسة والفهم العميق. يُعرف هذا الجيل بأنه يشمل الأفراد المولودون تقريبًا بين منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الثاني من الألفية الجديدة (1997–2012)، وهو أول جيل نشأ في عالم رقمي بالكامل، حيث كانت الإنترنت، والهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية منذ سن مبكرة.
عقلية الجيل زد تختلف جذريًا عن الأجيال التي سبقته، سواء من حيث طريقة التفكير، أو القيم التي يؤمن بها، أو الحوافز التي تدفعه للتحرك والتفاعل مع العالم من حوله. ينظر هذا الجيل إلى العالم بنظرة نقدية، واعية، ومرنة، مدفوعًا بتكنولوجيا متقدمة، ومتشبعًا بثقافات متعددة، وواعٍ بالقضايا العالمية مثل التغير المناخي، والمساواة، والصحة النفسية.
في هذا الموضوع يتّضح أن فهم عقلية الجيل زد ليس مجرد تمرين في تصنيف الأعمار، بل هو استكشاف عميق لنمط جديد من التفكير تشكّل بفعل قوي غير مسبوق، وهو نمط سيستمر في تشكيل العالم لعقود قادمة. اختصاصية الصحة النفسية الدكتورة فرح الحر تشرح لـ"سيدتي" كل التفاصيل.
التحديات التي تواجه الجيل زد

بالنسبة لـجيل زد ، هو الجيل الذي وُلد تقريبًا بين منتصف التسعينات وبداية عام 2010. هذا الجيل لم يعرف العالم قبل الإنترنت والهواتف الذكية، لذا فهم:
- أكثر تعرضًا للثقافات المختلفة.
- يتميز بالذكاء وسرعة التعلّم، خصوصًا في البيئات الرقمية.
- معتاد على التبدّل السريع في التجارب والمعلومات.
- يواجه تحديًا في التركيز العميق بسبب كثرة المحفزات حولهم.
- يفضل المحتوى البصري مثل إنستغرام وتيك توك، مما يؤثر على طريقة تفكيرهم وقراراتهم.
- لديه وعي نفسي مرتفع، ويتحدث بصراحة عن مواضيع مثل القلق والاكتئاب دون حرج.
- يبحث عن السلام الداخلي والتوازن النفسي بشكل واضح.
- هذا الجيل يرى العالم بمنظور مختلف تمامًا ويشكّل امتدادًا ثقافيًا جديدًا في المجتمعات.
قد يهمك الاطلاع على الفرق بين جيل الألفية وجيل Z.. وأنتَ إلى أي منهما تنتمي؟
الجوانب النفسية والتحديات التي يواجهها جيل زد

1- الضغوط النفسية المرتبطة بالسوشيال ميديا:
جيل زد يعاني من ضغوط متزايدة ناتجة عن الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي، ومنها:
- المقارنات الدائمة مع الآخرين، مما يخلق شعورًا بعدم الكفاية أو النقص.
- الخوف من الفقدان أو من تفويت الأحداث (FOMO)، وهو شعور يولّد قلقًا دائمًا.
- التنمّر الإلكتروني، الذي يمكن أن يؤثر على ثقتهم بأنفسهم وصحتهم النفسية.
- الاستهلاك المفرط للمحتوى يؤدي إلى إرهاق عقلي وتشتت، ويؤثر سلبًا على التركيز والانتباه.
كل هذه العوامل تساهم في رفع مستويات القلق والانشغال النفسي لديه، وتؤثر على راحته الداخلية واستقراره العاطفي.
2. استجابة الاسترضاء :
جيل زد غالبًا لا يعتمد فقط على ردود الفعل التقليدية مثل المواجهة أو الانسحاب، بل يختار الاسترضاء كوسيلة لتجنب الرفض أو النزاعات.
- يظهر هذا السلوك بشكل واضح في بيئة العمل والعلاقات الاجتماعية.
- رغم أنه يوحي بالتأقلم والرغبة في نيل القبول، إلا أن هذا النوع من السلوك قد يُنهك الشخص نفسيًا على المدى الطويل، لأنه يضع رغبات واحتياجات الآخرين قبل ذاته.
الظروف والتحديات التي مرّ بها جيل زد أثّرت بشكل كبير على تكوينه النفسي والاجتماعي، ومن أبرز النقاط:
1.تأثير جائحة كورونا:
- جيل عاش قبل كوفيد: كانت قيمه تتشكّل بشكل طبيعي وتقدمي.
- جيل آخر تشكّل خلال أو بعد الجائحة: تأثر بعزلة التعليم الافتراضي، قلّت فرص التفاعل الاجتماعي، مما أدى إلى ضعف في مهارات التواصل والعلاقات الواقعية.
- الجائحة خلقت شعورًا بالعزلة والانفصال، خاصة لمن عاشوا سنوات المراهقة أو التعليم الثانوي خلالها.
2. على المستوى الاجتماعي:
- ميل نحو الاستقلالية: بسبب التقلبات الاقتصادية، أصبح الجيل يفضّل العمل الحر والمشاريع الجانبية بجانب الوظائف الثابتة، لتحقيق الاستقلال المالي.
- وعي اجتماعي وعدالة: لديه اهتمام كبير بقضايا مثل المساواة، الهوية، وحقوق الإنسان، ويشاركون بفاعلية في حملات رقمية لدعم هذه القضايا.
- قلق بيئي: الكثير من هذا الجيل يعاني من قلق ناتج عن التغير المناخي والشعور بالعجز تجاهه. هذا القلق ينعكس على نومه، تغذيته، ومزاجه اليومي.
3. الشعور بالوحدة:
- مع تطور التكنولوجيا، أصبحت العلاقات رقمية أكثر منها واقعية.
- يفضّل التواصل عبر الرسائل والتطبيقات، ما قلّل من مهارات التفاعل الإنساني.
- هذا النمط عزّز الشعور بالوحدة، رغم كثرة التواصل الرقمي.
طريقة تفكير جيل زد:
- هذا الجيل يعتمد بشكل كبير على العقلية الجماعية في تفسير المعلومات. عندما يقرأ الأخبار أو الآراء، لا يتعامل معها كفرد يبحث عن الحقيقة، بل يشاركها داخل شبكاته الاجتماعية، ويتأثر بكيفية تفاعل الآخرين معها.
- هذا يعني أن استيعابه للمعلومات جماعي وليس فرديًا، فهو يتبنى ما تتداوله المجموعة ويقيّم بناءً على السياق الجماعي لا التحليل الشخصي فقط.
يمكنك أيضاً متابعة الفرق بين الجيل زد والجيل واي: السلوك، القيم، والعمل
ردود فعل جيل زد الاجتماعية:
- نلاحظ أن بعضهم يستجيب ببرود أو بلا تعبير في وجه المواقف الاجتماعية.
- هذه الاستجابة قد تكون آلية دفاعية، أو محاولة لتجاهل الموقف، أو تعبير عن تفكير مبسّط لتجنّب الانخراط العميق.
- هذا النمط من التفاعل قد يؤدي أحيانًا إلى سوء فهم أو توتر في التواصل مع الآخرين، خاصة مع الأجيال التي تتوقع تفاعلات واضحة وصريحة.