في كثير من المجتمعات، يُلاحظ أن البنات يُظهرن خوفاً أكبر من الفشل مقارنة بالشباب، غير أن هذا الخوف لا يرتبط بطبيعة فطرية أو ضعفٍ شخصي، بل هو نتيجة شبكة معقدة من العوامل الاجتماعية والثقافية والنفسية التي تبدأ منذ الطفولة، فطريقة التنشئة الاجتماعية، وتوقعات الأسرة، ونظرة المجتمع إلى الأخطاء؛ جميعها تؤدي دوراً أساسياً في تشكيل علاقة الفتاة بالفشل.
الخوف من الفشل لدى البنات: جذوره الاجتماعية والثقافية

منذ الصغر، غالباً ما تُربَّى البنات على فكرة "الكمال" والالتزام بالقواعد، ويُثنى عليهنَّ عندما يَكُنَّ هادئات، مجتهدات، وخاليات من الأخطاء. في المقابل، يُسمح للشباب في كثير من الأحيان بالتجربة والمغامرة وارتكاب الأخطاء؛ بوصف ذلك جزءاً طبيعياً من التعلم والنمو. هذا الاختلاف في الرسائل التربوية يجعل الفشل عند البنات يبدو وكأنه دليل على التقصير أو فقدان القيمة، بينما يُنظر إليه عند الشباب على أنه تجربة مؤقتة يمكن تجاوزها.
إضافة إلى ذلك، تواجه البنات ضغطاً أكبر لإثبات الذات في مجالات متعددة في الوقت نفسه؛ مثل الدراسة، والسلوك، والصورة الاجتماعية. وغالباً ما يُقيَّم أداؤهن بدقة أعلى، وتُربط نجاحاتهن أو إخفاقاتهن بسمعتهن الشخصية أو العائلية. هذا التضخيم لعواقب الفشل يجعل الخطأ أكثر إثارة للقلق، ويزرع الخوف من التجربة أو المجازفة.
يمكنك أيضاً متابعة: عبارات عن ضغوط الحياة تساعدك على تجاوزها
من هنا، يصبح فهم هذا الخوف خطوة مهمة نحو معالجته؛ من خلال تغيير أساليب التربية، وإعادة تعريف الفشل بوصفه جزءاً طبيعياً من التعلم، ودعم البنات؛ ليكنَّ أكثر ثقة بقدراتهن وحقهن في المحاولة والخطأ مثل غيرهن.
الخوف من الفشل عند البنات والشباب من وجهة نظر مختصة

تعطي اختصاصية الصحة النفسية الدكتورة فرح الحر وجهة نظرها من هذا الموضوع، موضحة ما يلي:
"يُعدّ الخوف من الفشل شعوراً طبيعياً، إلا أننا نلاحظ أحياناً أنه يظهر بشكل أوضح لدى الفتيات، ليس لأنهن أضعف، بل لأن المجتمع يفرض عليهن ضغوطاً مختلفة؛ من حيث التوقعات والمعايير وحتى أساليب التربية، فغالباً ما تُربَّى البنات على فكرة إرضاء الآخرين، والالتزام، وتجنّب الخطأ، مما يجعل فكرة الفشل أكثر رهبة، وكأنها تهديد لهويتهن أو لقيمتهن الشخصية."
وتضيف: "في المقابل، يُشجَّع الشباب في كثير من الأحيان على التجربة والمغامرة، ويُنظر إلى الفشل لديهم على أنه جزء من التعلم، لذلك من المهم جداً العمل على كسر هذه النماذج التقليدية، وتعزيز الثقة بالنفس لدى الجميع، وترسيخ مفهوم أن الفشل ليس نهاية، بل فرصة للنمو والتطور".
لماذا يبدو الخوف من الفشل أقوى عند الفتيات؟
يبدو الخوف من الفشل أقوى عند الفتيات لعدة أسباب، من أبرزها:
1. التنشئة الاجتماعية والتربية:
منذ الطفولة، تتلقى الفتاة رسائل غير مباشرة، مفادها أنها يجب أن تكون حذرة وألا تخطئ؛ لأن الخطأ غير مقبول منها. في المقابل، يُربّى الشاب على الجرأة والمغامرة، ويُنظر إلى فشله على أنه جزء طبيعي من التعلم لا وصمة دائمة. هذه الفروقات تُنمّي لدى الفتاة شعوراً بأن قيمتها الذاتية مرتبطة بعدم ارتكاب الأخطاء، بينما يفصل الشاب بين الخطأ وهويته أو قيمته.
2. الخوف من الحكم الاجتماعي:
عندما تفشل الفتاة، لا يُنظر إلى ذلك كحدث عابر، بل غالباً ما يُضخَّم ليُستخدم دليلاً على ضعف شخصيتها أو عدم كفاءتها. وقد يهدد الفشل سمعتها أو فرصها في العمل أو الزواج، فيتحول من تجربة شخصية إلى تهديد اجتماعي تشارك فيه العائلة والمجتمع.
3. الكمالية والضغط الداخلي:
يطوّر كثيرٌ من الفتيات سلوك الكمالية كآلية دفاعية، ليس سعياً إلى الكمال بحد ذاته، بل لأن الخطأ لم يكن يوماً مقبولاً في بيئتهن، فالكمالية هنا ليست طموحاً، بل وسيلة لحماية الذات من النقد والخذلان. وهكذا، يصبح الفشل دليلاً على أنهن "غير كافيات"، بدلاً من النظر إليه كتجربة تعليمية.
4. هشاشة الأمان النفسي:
تشير العديد من الدراسات إلى أن الفتيات غالباً ما يربطن شعورهن بالأمان النفسي برضا الآخرين، لا باستقلال داخلي نابع من الذات. لذلك، عند الفشل، تشعر الفتاة بأنها فقدت القبول وخذلت التوقعات، وكأنها كسرت الصورة "المثالية" التي رسمها الآخرون عنها. في المقابل، يتعلم الشاب تدريجياً أن قيمته لا تنهار عند الفشل.
5. صورة المرأة في الوعي الجمعي:
في بعض الثقافات، يُحتفى بنجاح المرأة بوصفه استثناءً أو إضافة، بينما يُحاسَب فشلها وكأنه خطر أو إخفاق جماعي. هذا التناقض يولّد لدى كثير من الفتيات خوفاً داخلياً دائماً من التجربة أو من الخروج عن المسار "الآمن"، مما يعيق المبادرة ويعزّز الخوف من الفشل.
الخوف من الفشل لدى الفتيات.. ضعف أم نتيجة بيئة غير عادلة؟
وهنا تؤكد الحر على "أن الخوف من الفشل لدى الفتيات لا يعبّر عن ضعف نفسي، بل هو استجابة طبيعية لبيئة لا تسمح لهنَّ بالخطأ بسهولة. إنه خوف مكتسب ومتعلَّم، ويمكن تفكيكه وإعادة تشكيله."
كيف نستطيع إعادة صياغة علاقتنا بالفشل؟
يبدأ الجواب من تربية تسمح بالتجربة والتعثّر، وتفصل بين الخطأ والقيمة الذاتية والهوية. ويستمر من خلال خطاب اجتماعي أكثر عدالة ورحمة؛ يعترف بإنسانية الجميع، ويمنح الفتيات مساحة لبناء أمان داخلي مستقل؛ لا يعتمد على رضا الآخرين، بل على الثقة بالنفس والمرونة.
قد يعجبك: طرق فعّالة للتغلب على الكسل العقلي والتسويف عند الشباب
فالفشل لا يميّز بين فتاة وشاب، لكن الطريقة التي يفسّر بها المجتمع الفشل هي التي تصنع الفرق. وعندما نمنح الفتاة الحق في أن تجرّب، وتخطئ، وتفشل من دون حكم أو خوف؛ فإننا نمنحها في الوقت ذاته الحق في النجاح الحقيقي؛ لأن النجاح لا يولد من الكمال، بل من المحاولة، والتعلّم، وإعادة المحاولة بثقة.





