يُعدّ الكسل العقلي والتسويف من أكثر العقبات التي تحول دون تحقيق النجاح والتقدّم في الحياة العلمية والعملية للشباب. فكثيراً ما يجد بعض الشباب أنفسهم راغببين في الإنجاز، لكنهم يؤجّلون المهام يوماً بعد يوم دون سببٍ واضح، فيغلب عليهم الشعور بالذنب والتقصير. والحقيقة أنّ التسويف لا ينبع من ضعف الإرادة فحسب، بل هو في جوهره حالة نفسية وعقلية تنشأ عن الخوف من الفشل أو فقدان الدافع أو التوتر الناتج عن حجم المسؤوليات.
ومن هنا تبرز أهمية البحث عن طرق فعّالة تساعد الشباب على كسر دائرة التأجيل والكسل العقلي، وإعادة بناء علاقة صحيّة مع العمل والالتزام والإنجاز. فالإنتاجية لا تُبنى على الانتظار أو المزاج، بل على الوعي، والتنظيم، والانضباط الذاتي، واتّباع إستراتيجيات عملية تُمكّن الفرد من السيطرة على وقته وجهده. إيمانويل عوض أستاذة جامعية وخبيرة في علم النفس تتحدث لـ"سيدتي" حول هذا الموضوع.
الأسباب النفسية للتسويف

يحدث التسويف عادةً نتيجة عوامل داخلية عدّة، من أبرزها:
- الخوف من الفشل: الخشية من النتيجة تدفع البعض لتجنّب المحاولة أساساً.
- الشعور بعدم الكفاءة أو قلّة الثقة بالنفس: فيرى المرء نفسه غير قادر على إنجاز المهمة كما يجب.
- القلق من التوقّعات: سواء كانت توقّعات الذات أو الآخرين، مما يخلق ضغطاً نفسياً.
- الارتباط السلبي بالمهمة: إذ يعتبرها الدماغ أمراً مزعجاً أو مرهقاً، فيبحث عن بدائل أكثر راحة مثل تصفّح الهاتف أو ترتيب المكتب أو تناول الطعام.
- بهذه الطريقة، يجد الطالب أو الموظف نفسه منشغلاً بأمورٍ ثانوية بدل التقدّم نحو ما هو أهمّ.
استراتيجيات فعالة للسيطرة على الوقت
لإعادة بناء علاقة صحيّة مع العمل والالتزام والإنجاز وتلافي التسويف. إليك إستراتيجيات عملية تُمكّن الفرد من السيطرة على وقته وجهده.
أولاً: قسّم المهمة إلى أجزاء صغيرة
من أكثر الطرق فعالية في كسر حاجز التسويف تجزئة المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة قابلة للتنفيذ.
فبدل أن تقول: «سأدرس الفصل كاملاً»، قل: «سأقرأ صفحتين فقط اليوم».
ثم في اليوم التالي «سأكتب ملخّصًا»، وبعده «سأحل ثلاثة أسئلة».
ما رأيك متابعة المشاعر الستة الأساسية وتأثيرها على سلوك الإنسان
هذه الخطوات الصغيرة تجعل المهمة:
- أقل توتّراً، لأنك لا تنظر إلى جبلٍ كامل بل إلى خطوة واحدة أمامك.
- محفّزة أكثر، إذ تشعر بالإنجاز مع كل تقدّمٍ بسيط.
- واقعية وقابلة للاستمرار، فتتجنّب عقلية "كل شيء أو لا شيء".
ثانياً: ابدأ بوقتٍ قصير ومحدّد
- لا تنتظر الشعور بالحماس كي تبدأ، بل ابدأ أولًا ليأتي الحماس لاحقاً.
- فالدراسات تُظهر أن الدماغ يفرز هرمون الدوبامين (هرمون المكافأة) بعد البدء بالمهمة وليس قبلها، أي إن التحرّك هو ما يخلق الدافع، لا العكس.
- جرّب أن تبدأ بـ10 دقائق فقط، أو حتى بدقيقتين.
- بمجرد أن تبدأ، ستجد أن حاجز الخمول بدأ يضعف تدريجياً، وغالباً ستكمل العمل بعد انتهاء الوقت المحدّد دون أن تشعر.
ثالثاً: خصّص وقتاً ثابتاً في جدولك
إدخال المهام ضمن جدولٍ زمني محدّد يجعلها جزءاً من روتينك اليومي بدل أن تبقى فكرة مؤجّلة.
فمثلاً، لا تقل: «سأدرس اليوم»، بل حدّد: «من الساعة الخامسة إلى الخامسة والنصف سأراجع هذه المادة».
هذه الطريقة تساعدك على:
- خلق التزام ذاتي واحترام للوقت.
- تقليل فرص التسويف، لأن الوقت أصبح محدّداً مسبقاً.
- تهيئة النفس والعقل ذهنياً للتركيز في تلك الفترة.
تذكّر: نحن لا ننتظر الوقت الفارغ، بل نخلق له وقتاً مخصّصاً.

رابعاً: أزل المشتّتات المحيطة بك
لا يمكن التركيز في بيئة مليئة بالمغريات. لذا حاول تنظيم محيطك بما يدعم الإنتاجية.
ومن الطرق الفعّالة لذلك:
- ضع الهاتف على وضع "عدم الإزعاج" (Do Not Disturb).
- أوقف إشعارات وسائل التواصل الاجتماعي.
- اختر مكاناً هادئاً ومرتباً للعمل أو الدراسة.
- استخدم سماعات أو موسيقى تركيز إن كانت الضوضاء الخارجية تزعجك.
- جرّب تقنية البومودورو: 25 دقيقة تركيز تام + 5 دقائق راحة قصيرة.
- كلّ مرة تختار فيها العمل دون تشتيت، فأنت تقوّي عضلة التركيز وتزيد قدرتك على الإنجاز في المرات المقبلة.
خامساً: لا تعتمد على الدافع فقط
- من الخطأ الاعتقاد بأننا بحاجة دائمة إلى الحافز كي نبدأ.
- فالدافع متقلّب بطبيعته، ولا يمكن الاتكال عليه دائماً.
- الأصحّ هو أن نتصرّف رغم غياب الدافع، لأن الفعل يولّد الحافز وليس العكس.
- ابدأ أولاً، وستجد أن النشاط والحماس يأتيان تدريجياً مع التقدّم.
سادساً: كافئ نفسك بعد الإنجاز
- النفس البشرية تحتاج إلى تعزيزٍ إيجابي.
- لذلك، بعد كل مهمة تُنجزها، امنح نفسك مكافأة صغيرة: فنجان قهوة، نزهة قصيرة، مشاهدة حلقة من مسلسل، أو أي نشاط تحبّه.
- بهذه الطريقة، يربط الدماغ بين الجهد والمكافأة، مما يزيد من احتمال تكرار السلوك الإيجابي في المستقبل.
- تتحوّل عملية الإنجاز إلى نظام تحفيز داخلي متكرّر يشجّعك على الاستمرار.
الخلاصة
التغلّب على الكسل العقلي والتسويف لا يحتاج إلى عبقرية، بل إلى خطوات بسيطة ومنتظمة:
- ابدأ دون انتظار الحافز.
- جزّئ المهام إلى خطوات صغيرة.
- خصّص وقتاً واضحاً لكل مهمة.
- أزل المشتّتات من حولك.
- كافئ نفسك بعد كل إنجاز.
يمكنك الاطلاع على لماذا يفتقر بعض المراهقين إلى الاحترام؟ وكيف أعلمهم هذه القيمة الأخلاقية؟
وتذكّر دائماً:
- البداية الصغيرة خيرٌ من الانتظار الطويل.
- ابدأ ولو بدقيقتين.. فالزخم سيكمّل الطريق.





