ليس أول منْ يوقّع، ولا آخر منْ يغادر.. موظف الاستقبال لا يُعدّ من الصفوف الأولى في الهيكل الإداري، لكنه في الحقيقة خط التماس الأول مع الانفعالات اليومية، والضغوط اللحظية، وكل ما لا يُقال داخل المؤسسة. ومع ذلك، يُتوقع من هذا الموظف أن يكون متماسكاً، حاضراً، مبتسماً، ومهذباً في كل لحظة. لا يُسأل عن حاله، ولا يُمنح وقتاً ليشكو، بل يُفترض به أن يكون عنصراً دائم الاستعداد للترحيب، حتى حين ينهار داخلياً. فماذا يواجه موظف الاستقبال فعلاً؟ وما الذي يتكفل بإطفاء حماسه يوماً بعد يوم، دون أن يلحظه أحد؟ اكتشف كل ذلك من خلال الخبير في مجال العلاقات العامة، الصحفي مصطفى الصوالحة.
التعامل مع مزاج الجميع دون أن يكون له مزاج
منذ اللحظة التي يبدأ فيها يومه، يبدأ موظف الاستقبال بتلقي أولى جرعات التوتر القادمة من الخارج: زائر متعجل، عميل غاضب، موظف متأخر، أو حتى مدير متوتر. الجميع يمرّ من عنده، ويترك خلفه شيئاً من عبء يومه، بينما لا يُسمح له هو بأن يُظهر أي تعب أو تقلب. عليه أن يبتسم في وجه الغضب، أن يُجيب بلطف وسط التوتر، وأن يبقى متزناً ولو كان ينهار بصمت داخلي. الأسوأ من ذلك، أن هذا الاتزان يُفترض به أن يكون تلقائياً، لا يُكافأ عليه ولا يُقدَّر، بل يُعتبر واجباً بديهياً. ومع تراكم الأيام، لا يشعر فقط بالإرهاق، بل يبدأ يفقد إحساسه بأنه إنسان من حقه أن يخطئ أو يمر بيوم سيء.
لماذا يُعد تقلب مزاج الآخرين عبئاً خفياً يستهلك طاقته؟
- يمتص التوتر من الجميع دون أن يُفرغه.
- يُطلب منه التوازن دون أن يُمنح مساحة للارتباك.
- يُحاسب على ردّ فعله لا على مشاعره.
انتبه: 5 عبارات لا يقولها أحد.. لكنهم يفكرون بها عندما يرون حذاءك في العمل!
مطالبته بتقديم حلول دون صلاحيات حقيقية
حين تقع مشكلة، أو يتأخر موعد، أو يُغلق قسم ما أبوابه، يكون موظف الاستقبال أول من يتلقى الاعتراض والأسئلة والطلبات. الجميع يفترض أنه قادر على حلّ الأمور، أو على الأقل مسؤول عن توضيحها، بينما الحقيقة أنه في كثير من الأحيان لا يمتلك أي صلاحية حقيقية. يطلب الزائر تفسيراً، يريد الموظف إجراءً، وتسقط كل التوقعات فوق رأس موظف ليس في موقع القرار أصلاً. لكنه، رغم ذلك، يُنتظر منه أن يتصرف، أن يُقنع، أن يحتوي الموقف، حتى ولو لم يكن ذلك ضمن مهامه ولا صلاحياته. هذا الضغط المتكرر يجعله في حالة تأهب دائمة، وخوف خفي من أن يُلام على موقف لم يكن طرفاً فيه.
ما الذي يجعل هذه المطالبات عبئاً يتراكم رغم بساطتها الظاهرة؟
- يُحمَّل نتائج قرارات لا يملك اتخاذها.
- يُلام على ما لا يستطيع إصلاحه.
- يُطلب منه التصرّف رغم محدودية دوره.
كونه في الواجهة حين يكون الخطأ من الداخل
يحدث أن يُخطئ أحد الأقسام، أو تتأخر استجابة الإدارة، أو يتعطل نظام داخلي، فيجد موظف الاستقبال نفسه في واجهة الموقف دون أن تكون له أي علاقة بالخلل. الزائر لا يرى غيره، والغضب يُفرغ في وجهه، وهو مضطر أن يعتذر، يبرر، ويهدئ النفوس، دون أن يُسمح له بالقول: "ليس خطئي". في كل مرة يحدث ذلك، يراكم إحساساً بالظلم غير المعلن، حيث يتحول إلى درع أمامي لأخطاء لا ذنب له بها، وتُنتزع منه القدرة على الدفاع عن نفسه حفاظاً على صورة المؤسسة. ومع تكرار هذه المشاهد، يبدأ يشك في جدوى موقعه، وفي احترام الآخرين لحدود دوره.
لماذا يُعد تحمّل أخطاء الآخرين أحد أكثر الأعباء صمتاً؟
- يتحمل عواقب أخطاء لم يصنعها.
- لا يملك حق الدفاع عن نفسه بوضوح.
- يُعامل كجزء من المشكلة لا كضحية لها.
تجاهل إنجازه اليومي لأنه فقط يرحب وينسّق
يقف كل صباح لينظم، ويستقبل، ويراقب المواعيد، ويُبقي الصورة العامة للمكان متماسكة، لكن لا أحد يلاحظ كل ذلك إلا حين يقع خلل. في غياب الشكوى، يُفترض أن الأمور تسير من تلقاء نفسها، وكأن التنظيم والانضباط والمرونة الإدارية كلها تحدث عفوياً. تمر الاجتماعات دون ذكره، تُكتب التقارير دون أن يُشار إلى جهوده، وكأن إنجازه غير مرئي لأنه هادئ ومنتظم. هذا التجاهل المتكرر يفرّغ عمله من معناه، ويجعل كل ما يفعله يبدو بلا وزن، مهما كان دقيقاً ومهماً. ومع مرور الوقت، تبدأ علاقته بعمله بالتآكل، لا بسبب ضعف الأداء، بل بسبب غياب الاعتراف.
ما أثر هذا التجاهل المزمن على دافعيته المهنية؟
- يشعر بأنه غير مرئي رغم وجوده الدائم.
- يفقد الإحساس بقيمة ما يصنعه كل يوم.
- يتلقى التوقعات بلا أي تقدير مقابل.
للحذر: البكاء في العمل يضعف موقفك.. خطوات لحبس دموعك والتحكم في عواطفك