في عالم الأعمال هناك الكثير من المصطلحات المجازية التي تُستخدم لوصف حالة معينة بناءً على عناصر هذه الحالة أو طبيعة تطور العمل فيها، وقد تُستخدم فيها أحياناً كلمات وتعابير غريبة، فمثلاً ما الذي يتبادر إلى ذهنكم عندما تسمعون عبارة "الحصان الميت"؟
نظرية الحصان الميت أو Dead Horse Theory، هي نظرية تشير بشكل مبسط إلى مشروع فاشل، ومع ذلك يُحافَظ عليه قائماً بفضل إدارة جاهلة متعمدة، وتنطلق النظرية من حكمة قديمة تقول: "إذا اكتشفت أنك تركب حصاناً ميتاً؛ فإن أفضل إستراتيجية هي النزول عنه".
منصة هارفرد بيزنس ريفيو التابعة لكلية هارفارد للأعمال أشارت، في مقال مفصل عن هذه النظرية، إلى أن كل مشروع يستنزف موارد الشركة وكل منتج لم يعُد يلبي احتياجات السوق وكل سياسة إدارية قديمة تعوق تطور الشركة وكل نمط عمل تقليدي لا يتوافق مع عصر التحول الرقمي؛ هو بمنزلة الحصان الميت.
لماذا تتمسك الشركة بالمشروع الفاشل؟

بعض الشركات ترفض التخلي عن المشروع الفاشل، وتبدأ بالبحث عن حلول محتملة لمشاكل هذا المشروع؛ فإما تعمل على زيادة الموارد المخصصة له أو زيادة فريق العمل أو استبدال فريق العمل بفريق آخر أو توفير التدريب والتأهيل للموظفين العاملين في هذا المشروع أو الاستعانة بخبراء، وهذه الإستراتيجية الخاطئة لا تؤدي إلا إلى استنزاف الوقت والجهد والمال في مشروع مصيره الفشل بكل تأكيد.
لكن ما الأسباب التي تجعل الشركة تتمسك بهذا المشروع؟
وفق المنصة فإن هناك عدة أسباب خلف هذا الأمر، وهي:
- الخوف من التغيير والميل للبقاء في منطقة الراحة.
- عدم الرغبة في الاعتراف بالفشل.
- الاعتقاد بأن الأمور ستصبح أفضل مع تغيير بعض العناصر.
- الاعتياد على معالجة المشاكل بأسلوب بيروقراطي.
هل هناك ما يعيد الحياة للحصان الميت؟
الكاتب والمحلل الألماني – الأسترالي كريس ماير، يقول عبر موقعه The Mind Collection يقول إن بعض الشركات تلجأ إلى ما يشبه شراء سوط أقوى أو تغيير الفرسان أو تعيين خبراء لدراسة حالة الحصان أو تقليل المعايير لتتناسب مع الحصان الميت، لكن الحصان الميت من وجهة نظره يبقى حصاناً ميتاً.
ويعطي ماير أسباباً أخرى أيضاً لهذا التمسك ومنها:
- عدم معرفة كيفية النزول عن هذا الحصان (التخلي عن المشروع أو إيقافه).
- تهرب المسؤولين من اتخاذ هذا القرار المصيري وعدم الرغبة في تحمل مسؤولية هذا الإعلان الخطير.
- وجود مصالح خفية لدى المسؤولين من اعتبار هذا الحصان لا يزال حياً.
- الأنا، والخوف من سقوط الصورة المثالية.
هنا قد يهمكم أيضاً أن تقرؤوا: عند فشل مشروعك التجاري.. إليك بعض الخطوات للبدء من جديد
أمثلة شهيرة حول نظرية الحصان الميت

منصة هارفارد بيزنس ريفيو من جهتها أوردت بعض الأمثلة الشهيرة حول نظرية الحصان الميت منها: تمسك شركة كوداك بالكاميرات التقليدية ورفضها مواكبة موجة التكنولوجيا والتحول الرقمي، وهو ما سرع خروجها من السوق. هذا، ويُذكر أن كوداك كانت في السابق اللاعب المهيمن في سوق التصوير الفوتوغرافي بالأفلام، ولكن مع هيمنة التصوير الرقمي، فشلت الشركة في التكيف مع المشهد المتغير. واصلت كوداك ضخ مواردها في قطاع الأفلام، حتى مع اتضاح اتجاه السوق نحو الابتعاد عن الأفلام. وعندما أدركت كوداك هذا التحول وحاولت التكيف، كان الأوان قد فات، وأعلنت الشركة إفلاسها عام 2012.

من الأمثلة الأخرى التي أوردتها المنصة هي شركة نوكيا، شركة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفنلندية التي كان منتجها الرئيسي الهواتف النقالة، وقد تجاهلت الشركة آراء العملاء وفشلت في مواكبة تطور الخدمات والتقنيات والتكيف مع نظام الهواتف الذكية والاستخفاف بأهمية أنظمة البرمجيات؛ ما أدى لخسارتها لموقعها القيادي في السوق، وكذلك استحواذ شركة مايكروسوفت الأمريكية للبرمجيات على جميع أعمال شركة نوكيا المتعلقة بالأجهزة والخدمات، بصفقة بلغت قيمتها سبعة مليارات ونصف المليار دولار، وتشمل شركة نوكيا لصناعة الهواتف المحمولة ومجموعة كبيرة من براءات الاختراع المملوكة لها.
من جهته يضرب كريس ماير مثلاً بمشروع مطار برلين براندنبورغ. الذي أخذ ما يقرب من خمسة عشر عاماً من التخطيط وخمس سنوات من البناء، كان من المقرر افتتاحه في أكتوبر 2011. لكن ذلك لم يحدث. على الرغم من اكتماله، استمرت عيوب البناء الخطيرة في تأخير الافتتاح. أُنفقت سنوات عديدة ومليارات اليورو على إصلاح المشكلات والحفاظ على المشروع على قيد الحياة. وفي عام 2018، تم أخذ القرار بإعادة بناء كل شيء بالكامل، ثم تم افتتاحه في 31 من أكتوبر 2020.
ولكن ليس كل حصان ميت يعني إفلاساً كاملاً للشركة؛ فقد يتجسد الأمر في أي وحدة أعمال أو قسم أو خط إنتاج أو استثمار يُنهك أموال وموارد الشركة.
فمثلاً وفق ما نقلته منصة ميديوم عن موقع بيزنس إنسايدر أن وحدة أمازون "الرقمية العالمية"، التي تشمل كل شيء بدءاً من مكبرات الصوت الذكية إيكو وتقنية أليكسا الصوتية وصولاً إلى خدمة بث برايم فيديو، تكبدت خلال الربع الأول من عام 2022، خسارة تشغيلية تجاوزت 3 مليارات دولار؛ إذ إن هدف أمازون من هذه التقنيات كان تحويلها إلى ابتكار جديد في مجال شراء المنتجات الصوتية. فحددت سعر الأجهزة بسعر التكلفة تقريباً، ثم خططت لتحقيق الربح الحقيقي من الأشخاص الذين يستخدمون الأجهزة لإجراء عمليات شراء إضافية على أمازون. وكانت النتيجة عدم وجود عدد كافٍ من الأشخاص الذين يستخدمون هذه الأجهزة بهذه الطريقة. وفي نوفمبر 2022، سرحت أمازون عدداً كبيراً من الموظفين الذين يعملون على أليكسا وإيكو، في حين لا يزال هناك تمسك بمشروع هذا الجهاز.
تفادي الوقوع في فخ الحصان الميت

بالعودة لتحليل هارفارد بزنس ريفيو فإن على الشركات اتخاذ قرارات صعبة عند وقوفها أمام مشروع مؤكد الفشل من خلال:
- إيقاف استنزاف الوقت والجهد والمال وإعادة توجيه الموارد نحو مشاريع أكثر جدوى.
- التخلي عن المنهجيات القديمة التي لم تعُد تلائم المرحلة الجديدة، واعتماد منهجيات حديثة في إدارة المشاريع وتصميم الخدمات مع أهمية التركيز على الجودة والقيمة.
- التكيف مع المتغيرات والتطورات والسعي لمواكبتها خاصة عندما يكون التشبث بالأوضاع الراهنة يعني عدم التقدم.
في الختام وبناءً على كل ما ذكر، تُعَدُّ نظرية الحصان الميت تذكيراً قوياً بأهمية اتخاذ القرار أو الإجراء الصحيح عندما تدرك أن مشروعك لم يعُد مجدياً، ويمكنك تفادي تحوله إلى حصان ميت من خلال البقاء على اطلاع دائم بتغيرات السوق، ومراقبة مؤشراتك، وتقليص خسائرك عند الضرورة، والانفتاح على تغيير رؤيتك.
وهكذا، يمكن لأصحاب الشركات الصغيرة والمديرين التنفيذيين تجنب الوقوع في الفخ نفسه الذي وقعت فيه العديد من الشركات الأخرى قبلهم.
اقرؤوا أيضاً: إستراتيجيات لاتخاذ قرارات جماعية بشكل أفضل!