في عالم تسوده التغيرات المتسارعة والمنافسة الشرسة، أصبح الابتكار حجر الأساس لنجاح أي مشروع ريادي أو شركة تسعى للاستمرار والنمو، هذا ويشدد الخبراء على ضرورة دمج الابتكار في المناهج التعليمية والتدريبية لتأهيل الشباب وتزويدهم بالمهارات اللازمة.
للحديث عن مفهوم الابتكار التعليمي، ودوره الحيوي في دعم ريادة الأعمال، وكيفية غرسه في الأجيال الجديدة، مع تسليط الضوء على التحديات والحلول، كان لـ "سيدتي" هذا الحوار الخاص مع الدكتورة مها نعمان الشوربجي، مستشارة ضمان الجودة والرئيس التنفيذي لمؤسسة أونر كود لريادة التدريب التعليمي، الدكتورة مها حاصلة على شهادة ماجستير في إدارة الإعمال وأول بحرينية تحصل على شهادة الدكتوراة في التعليم الفني المهني.
تعريف الابتكار التعليمي

تقول الدكتورة: "إن الابتكار التعليمي هو توظيف أساليب وأفكار مبتكرة في التعليم تهدف إلى رفع كفاءة العملية التعليمية، وذلك عبر ربطها بشكل مباشر بالواقع العملي ومهارات سوق العمل، الابتكار التعليمي يهدف لممارسات جودة تعليمية بمخرجات تطبيقية وليس فقط نظرية تلبي متطلبات سوق العمل تنعكس على الاقتصاد الوطني، وتجعل الخريج مطلبًا بمهاراته لأرباب العمل".
تعزيز الابتكار: تحديات وحلول
ترى الدكتورة مها الشوربجي أن العالم يشهد تسارعًا في شتى المجالات، والمتعلم لا يمكن أن يكون بمعزل عن هذا التسارع، لذا يكمن التحدي في إعداد المناهج المرنة التي تواكب الابتكار وتحررها من الجمود، وكذلك إيجاد الكوادر المواكبة للمتغيرات، وتكمل أن "التحديات تتمثل أيضًا في قلة الموارد الحديثة ومدى توفرها بحسب احتياجات البيئات التعليمية الحديثة".
أما الحلول فترى الدكتورة أنها تتمثل في:
- التركيز على جودة ما يقدم للنشء من خبرات تعليمية من مراحل الطفولة المبكرة، كما في الدول المتقدمة كاليابان مثلًا.
- إعداد المناهج المواكبة للحياة وواقع سوق العمل.
- توفير الموارد التعليمية المساندة والداعمة التي تسهم في تعزيز العملية التعليمية وتحقيق مخرجات فعّالة مرجوة لسد فجوة التغيرات المستقبلية في سوق العمل.
- فتح أبواب التخصصات الجديدة مثل أساليب التسويق الرقميّ، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتجارة الإلكترونية برفع نسبة الأمان السيبراني، بدًلا من أساليب التسويق والبيع التقليدية، التي تقتضي إكساب المتعلمين مهارات يتطلبها سوق العمل الرقمي.
علاقة الابتكار بريادة الأعمال

ترى د. مها أن ريادة الأعمال والابتكار "وجهان لعملة واحدة"، وكما ذكرت آنفًا بأن للوصول بالمتعلم لأن يكون رائد أعمال بشكل احترافي يجب أن تتاح له الفرص التدريبية بعدد ساعات كافية لتطبيق ممارسات ريادة الأعمال الرقمية مثلاً مثل: أتمتة المبيعات، التجارة الرقمية، إدارة المحتوى الرقمي، والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا سيرفع من مستوى النجاح ويعزز من القدرة على البقاء والمنافسة.
وتقول الدكتورة: "أرى أن خلق بيئات ومناهج التعلم المرتبطة إلى جانب التدريب الفاعل هي الأساس في إعداد رواد الأعمال القادرين على التكيف مع التغيرات السريعة وحل مشكلاتها؛ مما يسهم في تحقيق النجاح المستدام في الأسواق التنافسية، وما يتبعها من إيجابيات مرتبطة بالعملاء وولائهم".
أنواع الابتكار التعليمي في ريادة الأعمال

الابتكار عبر أساليب التدريس:
- التعلم القائم على المشاريع ضمن فريق عمل أو بصورة فردية.
- التعلم الذي يوظف حل لمشكلات السوق وإيجاد حلول مقترحة.
- توظيف أسلوب المحاكاة وخلق بيئة تعلم تفاعلية افتراضية.
الابتكار في توظيف التكنولوجيا:
- عرض الأفكار عبر المنصات.
- توظيف الذكاء الاصطناعي في تخطيط وإدارة المشاريع.
الابتكار في المحتوى التعليمي:
- نموذج العمل التجاري: والمقصود به إعداد مشاريع من ابتكار شعار المشروع إلى ابتكار المنتج وابتكار طريقة تسويقه بصورة رقمية.
- التفكير التصميمي: تهدف لحل المشكلات وهي المهارة العليا التي تركز عليها معايير جودة التعليم وهي عملية تتبع احتياجات القطاع المراد توفير الخدمة أو السلعة له والعمل على حل مشكلاته للوصول إلى توفير احتياجاته.
- الابتكار المفتوح: وهي الانفتاح على الأطراف ذات العلاقة والمصادر الخارجية وليس الاقتصار فقط على العاملين في المنظمة للوصول إلى تلبية احتياجات العملاء.
- التمويل الجماعي: المشاركة في مسابقات لعرض الأفكار المبتكرة والحصول على تمويل لتنفيذ هذه الأفكار.
وبالحديث عن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي اقرأوا أيضاً: أخطاء فادحة ترتكبها الشركات عند استخدام الذكاء الاصطناعي
مهارات لتنمية روح الابتكار وريادة الأعمال لدى الشباب

تؤكد د. مها على أن "المجتمعات المتقدمة تقاس بربط مناهجها باحتياجات سوق العمل والتدريب الفعّال، وفتح آفاق جديدة في الأسواق مواكبة مع التغيرات العالمية الحادثة بدءًا بمؤسسات التعليم المبكر، ومن هذا المنطلق يكون الخيار هو الارتكاز إلى معايير ضمان جودة التعليم التي تتضمن تنمية مهارات التفكير العليا"، بما فيها حسب الدكتورة:
- مهارات حل المشكلات، والقدرة على التحليل والتركيب.
- مهارة العمل ضمن فريق عمل بما يتضمنها من أدوار قيادية وتحمل المسئولية.
- المهارات التواصلية باختلافها كتابة وتحدثًا سواء عبر توظيف التكنولوجيا الرقمية ضمن نطاق البلد الواحد أو التواصل مع الدول الأخرى إقليميًا وعالمياً.
- وبطبيعة الحال لا غنى عن إكساب المتعلمين المهارات الأساسية في الرياضيات والعلوم واللغات حيث إن ربطها ببيئة العمل يعدهم للمساهمة لبناء اقتصاد فعّال.
استراتيجيات فعّالة لتزويد الشباب بخبرة عملية تتجاوز إطار الفصول الدراسية التقليدية
تشير د. مها بأن الأمر لا يقتصر على تصميم المنهج الذي يتمحور حول المتعلم ذاته، حيث إن الكثير من المناهج المصممة جيدًا في محتواها تفتقر إلى التطبيق المحاكي لواقع سوق العمل، وبالتالي لا يتمكن المتعلم من إتقان ما اكتسبه نظريًا، كما أن الشراكة المجتمعية المتمثلة في مؤسسات المجتمع المحلّي من وزارات وشركات خاصة بإعداد خطط متشاركة من منطلق أنها تلعب دورًا هامًا جدًا في نقل المخرجات إلى حيز سوق العمل وزيادة معدلات التوظيف".
وتحدثت الدكتورة البحرينية عن تجربة بلادها في هذا السياق فقالت "الرؤية الاقتصادية التي أطلقها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لرؤية مملكة البحرين 2030، كانت قد بدأت برسم الطريق الموحد للوزارات والمؤسسات نحو أهداف تنموية مشتركة بالتعاون مع القطاع الخاص ولعبت دوراً كبيراً في دفع عجلة الاقتصاد الوطني. هذه الرؤية التي أكدت على تعزيز اقتصاد المملكة، وزيادة فرص العمل للمواطنين من خلال تقليل الاعتماد على النفط وتنويع الموارد، عبر الاستثمار في العقول الشابة ومهاراتها، وصولاً إلى رفاهية المواطن من خلال إصلاحات تعليمية شاملة، تسعى إلى انخراط كل من خريجي التعليم العالي وكذلك خريجي المدارس الثانوية الذين قد لا يتمكنون من الالتحاق بالجامعات في سوق العمل بشكل فعّال".
أكثر الطرق فعالية لقياس تأثير برامج تعليم ريادة الأعمال
توضح د. مها أن "قياس الأثر يبدأ من إقبال أرباب العمل على توظيف خريجي الجامعات والمعاهد وأولئك الحاصلين على شهادات احترافية بعد الثانوية العامة، في الدول المتقدمة".
ووفق قولها تعتمد المؤسسات التعليمية لضمان جودة التعليم على أمرين رئيسيين:
- دمج مهارات التفكير العليا في مناهجها
- توفير الساعات التدريبية الكافية في مؤسسات خاصة
وأشارت إلى أن حرص هذه المؤسسات على مواءمة مخرجاتها مع احتياجات أرباب العمل المعيار الأساسي لقياس نجاحها وتحفيزها على تطوير التعليم بشكل مستمر، مما يضمن تحقيق نسبة عالية من التحاق خريجيها بسوق العمل، لا سيما مع تقديم الدعم الكافي لهم في عملية التوظيف.
في هذا السياق تعرفوا أيضاً إلى أبرز طرق تأهيل الموظفين وتجاوز نقص المهارات في بيئة العمل الحديثة