استراتيجيات لتغيير السلوك الغذائي

تذكر مجموعة من الأبحاث الحديثة الصادرة عن عيادات "مايو كلينيك"Mayo Clinic في "مينيسوتا" بـ "الولايات المتحدة الأميركية" أن سبب فشل الحميات الغذائية وعدم الاستمرار في اتّباعها وسرعة استعادة الوزن الزائد، كلّها حصيلة لغياب الحافز على تغيير نمط المعيشة وعدم وجود الأدوات الفعّالة المساعدة على إجراء التغيير على المدى الطويل، ما يؤدّي إلى ضعف الالتزام الضروري في إنقاص الوزن. وفي الموازاة، تبيّن دراسة كندية صادرة حديثاً عن "المجلس الكندي للغذاء والتغذية"The Canadian Council of Food and Nutrition (CCFN)، تناولت 55 شخصاً انتقلوا من تناول الحليب كامل الدسم إلى الحليب قليل الدسم (المقشود) بنسبة 2%، ثم 1% دسم أن التغيير في حدّ ذاته صعب إلا أنّه ليس مستحيلاً! فقد استطاعت المجموعة إنجاز التغيير الذي ظنّ أفرادها أنه مستحيل واعتادوا على تناول الحليب منزوع الدسم، بالإضافة إلى أن العديد منهم قد اعتبر في ما بعد أن الحليب كامل الدسم سميك وغنيّ بمحتواه الدهني.

"سيدتي" تطّلع من خبيرة التغذية العلاجية في "مركز الطب الدولي" IMC سمية صالح على استراتيجيات التغيير اللازمة لنجاح الحمية.

 

يرى خبراء "مايو كلينيك" أنه حين يشرع الشخص في برنامج التخلّص من الوزن، لا يفكّر غالباً في التعديلات طويلة المدى الواجب اعتمادها في نمط معيشته ما يؤدّي إلى تخلّيه عن البرنامج وعدم الالتزام به.

وفي الموازاة، يفيد خبراء التغذية في "الجمعية الكندية لإدارة التغذية"Canadian Society Nutrition Management (CSNM) أن هذا التوقّف قد يؤدّي إلى المزيد من المواقف المحبطة للذات والأفكار السلبية، ما يعزّز الاعتقاد بعدم القدرة على التخلّص من الوزن الزائد الذي غالباً ما يقود إلى ردّة فعل عكسية تنتهي باليأس والإفراط في تناول الطعام. وفي هذا الخصوص، تكشف أبحاث "هيئة الغذاء والدواء الأميركية" (FDA) عن عدد من الأدوات الفعّالة المساعدة على تغيير نمط المعيشة، أبرزها:

 

الأداة الأولى: إيجاد الحافز

ثمة أهداف عدّة تساعد في تحديد الحافز اللازم لإجراء التغيير، أبرزها: التمتّع بالفوائد الصحية الناتجة عن التخلّص من الوزن الزائد واكتساب المزيد من الطاقة   وارتداء الملابس المناسبة وزيادة الشعور بالرضا عن الذات. ولإيجاد حوافز التغيير، يجب التعرّف على آليات التنفيذ، أهمها:

- تدوين العقبات: يتمثّل في تدوين أسباب فشل المحاولات السابقة لإنقاص الوزن كصعوبة تخصيص وقت للرياضة وكثرة تناول الطعام في الخارج مع الأصدقاء...  

- استنباط الحلول: بعد التعرّف على العقبات، يتم البحث عن حلول لها بما يجدي نفعاً في التخلّص من الوزن الزائد. فعلى سبيل المثال، يمكن استنباط بعض الحلول لعدم وجود الوقت الكافي لممارسة التمرينات الرياضية، إذ يقترح خبراء اللياقة في "المجلس الأميركي للتمرينات" American Council of Exercise (ACE) النهوض قبل موعد الاستيقاظ اليومي بـ 20 دقيقة لممارسة رياضة المشي لمدّة 15 دقيقة، وذلك قبل تناول الفطور، مع محاولة المشي 15 دقيقة أخرى قبل تناول العشاء، ما يضيف 30 دقيقة من النشاط البدني إلى اليوم.

- تعزيز الثقة بالنفس: يساعد التركيز على الأمور الإيجابية وتدوين النجاحات السابقة والاستناد عليها على تعزيز الثقة بالنفس وإيجاد الحافز الكافي لإجراء التعديلات المعيشية شريطة التمتّع بالمصداقية. 

 

الأداة الثانية: التعرّف على الذات

ينصح الخبراء بضرورة الاحتفاظ بدفتر يومي تدوّن فيه نوعية الطعام (بما في ذلك حجم وعدد الحصص)، إضافة إلى وقت ومكان تناول الطعام والمشاعر والحوافز المحيطة به وكميّة الجوع والأشخاص الذين تمّ تناول الطعام معهم.

وفي هذا الإطار، تفيد دراسات صادرة عن "جمعية مرضى السكري الأميركية" American Diabetes Association  أن الاحتفاظ بدفتر يومي يشكّل أداةً ناجحةً يستخدمها الأشخاص الذين يريدون التوصّل إلى وزن صحّي، مع الحفاظ عليه.

وتشمل قواعد التغيير، في هذا المجال:

- الشروع في التغيير ببطء والتدرّج في بدء أسلوب معيشة جديد.

- عدم استخدام الأرقام الظاهرة على الميزان كمقياس للنجاح، إذ يؤكّد الخبراء أنه لا يمكن التحكّم في الميزان، ولكن يمكن التحكّم في كميّة الطعام المتناولة ومستوى النشاط.

- اتّخاذ هدف واحد أسبوعي يكون بمثابة حافز يساعد في تنفيذه، ويخوّل الانتقال إلى الشعور بصحة أفضل وطاقة أكبر.

 

الاستراتيجيات العشر

1- شروط تناول الطعام، وتشمل:

- عدم إنجاز أي أمر آخر أثناء تناول الطعام.

- إدراك حقيقة أن الغذاء بمذاقه وتركيبته ورائحته يمنح السرور ولا يزوّد الجسم بالوقود حصراً.

- استخدام أدوات المائدة الصغيرة وعدم ملء الطبق الرئيس بالطعام، مع ضرورة الاهتمام بالمضغ الجيد ما يشعر المرء بالشبع بمجرّد تناول القليل منه.

 

2- الوقت هو الأساس: يساعد الالتزام بجدول زمني لموعد تناول الوجبات في السيطرة على كميّات الطعام المستهلكة على مدار اليوم. وفي هذا الخصوص، يشير الخبراء إلى أنه قد تكون 3 وجبات رئيسة ووجبتان خفيفتان خلال النهار ملائمة للبعض، فيما يكون تناول 6 وجبات صغيرة ملائماً أكثر للبعض الآخر، إلا أن المهم هو عدم البقاء أكثر من 4 أو 5 ساعات متتالية بدون طعام لتجنّب التوق الشديد إلى الأكل. كما ُينصح في حال الشعور بالجوع الشديد بتناول ثمرة فاكهة أو كوب من الماء قبل 20 دقيقة من الموعد المحدّد للوجبة لتجنّب الإفراط في تناول الطعام.  

 

3- التخطيط المسبق: ينصح خبراء التغذية بالتخطيط قبل يوم واحد على الأقل لمكوّنات الوجبات المراد تناولها في اليوم التالي، ما يساعد على حساب السعرات الحرارية بشكل مسبق وعدم تناول كميّات كبيرة من الطعام. ولكي ينجح التخطيط، يُوصى دوماً بالاحتفاظ بشيء صحّي لمضغه كقطع من الفاكهة أو الخضر أو الفشار قليل الدسم.

 

4- مكان واحد: يساعد تحديد مكان واحد لتناول الطعام (غرفة الطعام على سبيل المثال) على عدم التفكير في الأكل خارجه. ومن جهة أخرى، يوصي الخبراء بجعل تناولنا للوجبات عمليّة ممتعة قدر الإمكان كالقيام بتحضير المائدة حتى لو لم يشاركنا أحد، مع ضرورة الانتباه إلى كميّات الطعام المتناولة وعدم القيام بأي شيء آخر أثناء تناولنا له. 

 

5- حظر الطعام الضار: يؤدّي إحضار الطعام الضار الذي يكون منخفضاً في قيمته الغذائية ومرتفعاً في سعراته الحرارية (الحلويات الشرقية والبسكويت والكعك) إلى المنزل إلى عدم القدرة على مقاومته والإفراط في تناوله. لذا، يجب إيجاد البدائل الصحية الأخرى التي ترضي الشهيّة إلى المذاق الحلو وتعمل على تغذية الجسم. وفي هذا الإطار، يشير خبراء "مايو كلينيك" إلى أن تغيير العادات الغذائية سوف يبدّل من براعم التذوّق، فالأطعمة التي كانت تبدو في ما مضى مفضّلة تصبح أثناء التغيير دهنية أو سكرية للغاية.

 

6- التسوّق حسب لائحة: يساعد التحديد المسبق للائحة التسوّق على تجنّب شراء الأطعمة منخفضة القيمة الغذائية، كما يجدر الالتزام بمبادئ التسوّق، أبرزها: الامتناع عن التسوّق أثناء الجوع وتناول وجبة خفيفة قبل الذهاب للتسوّق وقراءة الملصقات الغذائية على العبوات للتحقّق من محتوى السكر وعدد السعرات الحرارية وكميّة الصوديوم.

 

7- التلميحات البصرية: يؤدّي حفظ الطعام "المغري" في مكان لا تستطيعين مشاهدته كالجهة الخلفيّة من الثلاجة أو الخزانة إلى الحدّ من تناوله، خصوصاً ذلك الذي أظهرت مفكّرة طعامك اليوميّة ميلك الشديد إليه بسبب التلميحات البصرية.

 

8- الجوع الوهمي: قد يلجأ البعض إلى تناول الطعام نتيجة دوافع أخرى مختلفة عن الجوع  كالتعب أو القلق أو الغضب أو الإحباط أو الحزن، ما يؤدّي إلى استهلاك سعرات حرارية تتجاوز المسموح بها تزوّد الجسم بطاقة أكثر ممّا يحتاجها. وفي هذا الإطار، ينصح خبراء "مايو كلينيك" في حال المبالغة في الشعور بالجوع بالتوقّف فوراً عن تناول الطعام مع أخذ قسط من الراحة عند التعب والاسترخاء عند التوتر أو القيام بنزهة خارجية مع العائلة أو الأصدقاء عند الشعور بالإحباط.

 

9- طلب الدعم: قد يكون الدعم الخارجي من الأهل أو الأصدقاء مفيداً في سرعة إنجاز التعديلات المطلوبة للتوصّل إلى الوزن الصحي، على أن يكون الأفراد المختارون ممّن يشجّعون على التغيير ويقوّون من عزيمتك على اختيار النمط المعيشي السليم لناحية المثابرة على الطعام الصحي والانتظام على ممارسة الرياضة.

 

10- الحرمان مرفوض: يرى خبراء التغذية في "مايو كلينيك" أن التوصّل إلى الوزن الصحي والحفاظ عليه لا يتطلّب ضرورة الشعور بالحرمان من الطعام لتحقيقه، فالانتقال الإيجابي إلى النمط الصحّي يستلزم تجاوز التجارب السلبية، وأبرزها: الحرمان وعدم أخذ احتياجات الجسم من الطاقة في الحسبان وعدم اتّباع البرنامج الغذائي المناسب لطبيعة الجسم ونوعه. وهذه بعض الأفكار التحفيزية، في هذا المجال:

1- احتفظي بسجلّ تقدّمك، ودوّني الوقت المخصّص للتمرينات الرياضية أو عدد الأميال التي قمت باجتيازها.

2- أبرمي عقداً مع نفسك على ورقة بيضاء يتضمّن بنوداً معيّنةً تلتزمين فيها بتناول الغذاء الصحي وممارسة الرياضة بانتظام، مع تحديد شروط جزائية في حال مخالفتك أحد البنود.

3- خطّطي لتمرينك الرياضي مع اختصاصية اللياقة، وذلك لتضع لك مواصفات التمرين المناسب لمعدّل الأيض الغذائي الخاص بك.

4- كافئي نفسك بشيء يهمّك كلّما حقّقت هدفاً معيّناً.

5- كرّري على نفسك جملاً إيجابية تزيد من حماستك وتشجّعك على مواصلة تقدّمك.

6- امنحي نفسك بعض الراحة من ممارسة الرياضة عند الضرورة، فلا بأس من أخذ يوم راحة بين الحين والآخر.

7- اسمحي ببعض الاستثناءات المقبولة في نظامك الغذائي، فقد يمرّ عليك أيّام تأكلين فيها أكثر وتتحرّكين فيها أقل ممّا كنت تخطّطين له. ولكن، يجب عدم استخدام ذلك بمثابة مبرّر لكسر الحمية الصحيّة!