وجود صديق مُقرّب خيرُ ضمان لصحة الطفل النفسية.. ومشاهد وحكايات تؤكد/%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D8%AA%D9%8A-%D9%88%D8%B7%D9%81%D9%84%D9%83/%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D9%88%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%82%D9%88%D9%86/1813091-%D8%A7%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84
مجموعة أطفال تربطهم صداقة جميلة
في عالم سريع التغيّر والتحوّل، حيث تكافح الأسر بأسلوب تربيتها وتوجيهاتها لحماية أطفالها من الضغوط النفسية والاجتماعية المحيطة، تكشف الأرقام والإحصائيات، بمعاهد الأبحاث المهتمة بالطفولة، أن 70% من الأطفال الذين يتمتعون بوجود صديق مقرّب بجانبهم؛ يُظهرون علامات أفضل للصحة النفسية، مقارنة بغيرهم ممن لا يملكون علاقة صداقة ثابتة. لهذا كان اللقاء مع الدكتورة وفاء خليل، أستاذة التربية وعلم الاجتماع، للتعرف إلى مفهوم وقيمة وأهمية الصداقة للطفل، وكيف نبني لأطفالنا بيئة تسمح بتكوين صداقات؟ وهل كل صديق يعدّ مصدرَ أمان؟ أم أن الصداقة مسؤولية ترتكز على التَعلُّم والانتقاء؟ كما تستعرض الدكتورة بعض الشواهد والمواقف العملية من واقع الحياة؛ لتوضيح الفرق بين الصديق الصالح والآخر السيئ.
أهمية الصداقة للطفل
أطفال تجمعهم زمالة وصداقة جميلة
غالبية الأطفال يجتهدون لتكوين دائرة كبيرة من الأصدقاء، لكن الواقع أن القيمة الحقيقية للصداقة لا تأتي من كثرة العدد، بل من عمق العلاقة وصدقها. بعض الأطفال يعيشون ضغطاً نفسياً؛ بسبب اعتقادهم بأنهم بحاجة إلى أن يكون لديهم "عشرات الأصدقاء" ليكونوا محبوبين، هذا المفهوم غير حقيقي وخطير. على الآباء تعريف أبنائهم بأن الصديق الحقيقي هو من يمكن الاعتماد عليه في وقت الضيق، لا من يشاركنا وقت اللعب فقط، الصديق الذي ينصح ويسمع، ويدفعنا للأمام لا يشدنا إلى الوراء! نعم، في زمن التواصل الاجتماعي، يصدّق الطفل والمراهق أيضاً بأنهما محاطان بالآلاف، لكن الحقيقة أن صديقاً واحداً حقيقياً يكفي أحياناً لنشعر بالأمان والدعم. الفرق كبير بين زمالة الصف الدراسي وبين الصداقة، فالصداقة ليست مجرد علاقة عابرة في حصة رياضة أو رحلة مدرسية، بل هي تجربة شاملة؛ تتعلم فيها كيف تكون إنساناً؟ الصديق لا يُقاس بعدد صوره ومنشوراته التي يرسلها على الجوال، بل بعدد المرات التي وقف فيها بجانبنا من دون أن نطلب، فلنربِّ جيلاً يعرف أن الصداقة مسؤولية، واختيار، وتقدير وانتقاء.
الصداقة في الطفولة ليست مجرد لعبة أو تسلية، بل تجربة عاطفية واجتماعية من الممكن أن تمتد مع الطفل طوال العمر، وتشكّل الأساس الأول لبناء شخصيته واستقراره النفسي.
الصداقة دعم نفسي إضافي للطفل في البيئة الخارجية، مثل المدرسة أو النادي، وهنا يظهر دور الأصدقاء؛ إذ عادة ما يخرج الطفل من نطاق الأسرة في مرحلة دخول المدرسة أو ما بعد سن التاسعة.
الصداقة -كما تشير دراسات متعددة- تلعب دوراً حاسماً في نمو الذكاء العاطفي للأطفال، وتؤثر على مهاراتهم في التعامل مع التحديات والمواقف الجديدة.
الصداقة في مراحل نمو الطفل الأولى تمهد لتكوين علاقات صحية في المستقبل. معظم الأطباء النفسيين يعتبرون أن الطفل الذي لا يكوّن صداقات في الصغر؛ قد يواجه صعوبة في بناء علاقات اجتماعية في الكبر.
الصديق وقت الانتصار والإخفاق
أصدقاء تجمعهم الفرحة والانتصار
الصديق الحقيقي لا يظهر فقط في لحظات الانتصار، بل هو أول من يمد يده عند الحاجة ووقت الإخفاق، وهذا ما يجب أن يتعلمه الأطفال؛ من خلال الممارسة وليس فقط بالكلام. مثال: بأحد الفصول الدراسية، حدثت مشادة بين تلميذ خجول وزميل حاول التنمر عليه، لم يتدخل المعلم مباشرة، بل لاحظ أن أحد أصدقاء هذا التلميذ وقف بجانبه، وطلب من الآخرين التوقف عن السخرية، التصرف يبدو بسيطاً، لكنه يعكس معنى حقيقياً للصداقة. مثال ثانٍ: خلال احتفال مدرسي بفوز فريق المدرسة في مسابقة علمية، قامت إحدى الطالبات بدعوة صديقتها المقربة للصعود معها إلى المنصة، فقط لأنها كانت تشجعها وتدعمها طوال فترة التحضير، الصداقة تُقاس بالتشجيع والمساندة أيضاً.
كيف تساعدين طفلك على بناء الصداقات؟
الرياضة بيئة مثالية لتكوين صداقة
تعدُّ الأنشطة الرياضية والاجتماعية بيئة مثالية لتكوين صداقات حقيقية؛ لأنها تكشف عن جوانب الشخصية، والتي يصعُب التعبير عنها في الحوارات والمواقف العادية، 60%من الأطفال الذين يشاركون في الأنشطة الترفيهية الجماعية، كالرحلات والرياضات الجماعية، يظهرون تطوراً ملموساً في مهارات القيادة والتواصل لديهم، ما يعكس أهمية النشاطات المنظمة في تشكيل صداقات قائمة على الاحترام والمشاركة.
المشهد الأول: أثناء تدريب فريق الكرة، لاحظ المدرب أن أحد اللاعبين الجدد يجد صعوبة في الاندماج مع الفريق، وفي تمرين التتابع للتحمية، طلب القائد أن يلعب هذا الطفل أولاً، وأعلن أمام الجميع أن فوز الفريق الحقيقي هو تدعيم أضعف لاعب. بعد أسابيع، أصبح هذا الطفل من أكثر اللاعبين تفاعلاً وتعاوناً، ليس فقط لأنه تحسّن رياضياً، بل لأنه شعر بالأمان العاطفي وسط أصدقاء يحترمونه. المشهد الثاني: خلال رحلة وسط الطبيعة، ضاع أحد الأطفال عن المجموعة، وحين عادت المجموعة للمدرسة، لاحظ المدرس أن أحد أصدقاء الطفل كان يبكي بصمت، وعندما سُئل عن السبب، قال: "أنا السبب، تركته يذهب وحده لأنه تأخر علينا"، وحين عاد الطفل المفقود بسلام، كان أول من اعتذر له هو هذا الصديق، وبعدها تعهّد بعدم التخلي عن أحد مرة أخرى، ما يؤكد أن "الصداقات تُبنى بالمواقف، وليس بالكلمات".
الصديق الرفيق والصديق السيئ
طفل يتنمر بزميله
الصديق الجيد يظهر في صفاته: الأمانة، الدعم، المشاركة، وعدم السخرية أو التنمر به، بينما الصديق السيئ قد يكون سبباً مباشراً في تراجع الطفل أو دخوله في مشكلات. حكاية: في أحد المدارس، لاحظت إدارة الانضباط أن أحد الطلاب بدأ في التأخر والغياب المتكرر، وبعد التحقيق تبين أن أحد أصدقائه كان يدفعه للهرب من الحصص والذهاب إلى أماكن خارج المدرسة، وحين نُقل الطالب من الفصل، وابتعد عن ذلك الصديق، تغيّر سلوكه تماماً خلال شهرين، وعاد إلى التفوق. حكاية ثانية: طالبة في المرحلة الإعدادية كانت تعاني من خجل اجتماعي، تخشى الحديث أمام زملائها، إحدى صديقاتها دعّمتها طوال الوقت، وكانت تقرأ معها النصوص وتدربها على المواجهة، وبعد فترة، حصلت الطالبة على جائزة أفضل عرض تقديمي، وقالت في كلمتها: "لولا صديقتي لما وقفت هنا".
دور الآباء في تحفيز الطفل على أهمية الصداقة
طفل يتابع الأصدقاء الوهميين على الشاشة
للصداقة فوائد كثيرة منها:
اندماج الأطفال مع المجتمع بشكل سوي، وعندما يكون ذلك منذ الصغر، فإنه يبعد عنهم شبح العزلة والانطوائية، نتيجة للخوف وعدم الثقة بالنفس.
يصبّ فيها الطفل طاقته من النشاط واللعب، ويتفاعل مع الأصدقاء؛ فيتفهم روح المنافسة الإيجابية بعيداً عن العنف؛ حيث تشكّل الصداقة العالم الخارجي للطفل.
الصديق سيكون يوماً ما أقرب إلى الطفل من والده أو والدته، وذلك بحكم السن المتقارب، والاهتمامات المشتركة، بجانب اللغة المشتركة بينهما.
دور الآباء: الاهتمام بتحفيز أبنائهم على تكوين صداقات، وتعليمهم أسس اختيار الصديق، وتوضيح طرق التواصل معه، والحفاظ على استمرارية العلاقة بينهما.
على الآباء تشكيل الوعي لدى الأبناء بأهمية تكوين الصداقة بشكلها الصحيح من خلال الأقارب والمعارف، أو فى المدرسة أو النادي والجيران، ويكون إرشاد الطفل من بعيد، من دون تدخل مباشر.
على الآباء مراقبة اختيار أصدقاء الابن أو الابنة بطريقة غير لافتة للصغير؛ حتى لا يشعر أنه مراقب في كل تصرفاته، فلن يستمتع بجوانب الصداقة المختلفة، وقد يبتعد عن تكوين صداقات ما لم تتوفر لديه حرية اختيار الصديق.
على الآباء تعويد الطفل على الصداقة منذ الصغر، على أن يكون مع آخرين، قد يكونون زملاء أو أصدقاء أو أقارب، والانخراط والاندماج معهم كفيلٌ بأن يحرك غريزة الصغير في أن يبحث عن الصديق الوفي الخاص به.
* ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.