دائماً ما تكون العلاقة بين الطفل ووالديه هي الركيزة الأساسية والدعامة الأولى في بناء شخصية متوازنة وموفقة في المجتمع، وهذه العلاقة تحتاج إلى جهد واهتمام؛ فحاجة الطفل تقتصر على آذان صاغية تسمع همومه، وحضن دافئ يضمه وقت الشدة، وقلب يتفهم مخاوفه، وعقل يوجّه خطواته.
في هذا السياق، تبرز أهمية الحوار والإنصات في تعزيز العلاقة بين الطفل ووالديه، كعاملين رئيسيين يربطان بينهما، ومعاً يُسهمان في خلق بيئة تربوية سليمة، تعزز ثقة الطفل بنفسه، وتنمي لديه المهارات العاطفية والاجتماعية، وتزرع القيم التي تشكّل ملامح شخصيته في المستقبل.
اللقاء مع المرشد التربوي محمود حجاج، أستاذ الطب النفسي للأطفال؛ لشرح أهمية الحوار ودور الإنصات، وطرح أساليب فعّالة للقيام بهما، إلى جانب توضيح العقبات التي قد تواجههما.
أهمية الحوار

الحوار والإنصات ليسا رفاهية يمكن الاستغناء عنهما في أساليب التربية، بل هما ضروريان لبناء علاقة قوية ومستدامة بين الطفل ووالديه؛ فالحوار يعزز الثقة، والإنصات يعزز الفهم، وكلاهما يُسهمان في خلق بيئة أسرية صحية؛ يشعر فيها الطفل بالأمان والانتماء.
لذا، على كل أسرة أن تعطي أطفالها وقتاً ومساحة للتعبير عن أنفسهم، والعلاقة التي تُبنى اليوم معهم، ستثمر غداً شباباً مسؤولاً، قادراً على مواجهة تحديات الحياة بثقة ووعي.
عندما يشعر الطفل أن صوته مسموع وله صدى، وأن رأيه يُؤخذ به؛ تنمو بداخله الثقة بنفسه وبالآخرين، ولو أُتيح له حرية التعبير عن أفكاره، وإن كانت بسيطة، يصبح أكثر قدرة وثقة وهدوءاً على مواجهة التحديات.
الحوار كذلك يُسهم في تطوير مهارات التواصل لدى الطفل؛ إذ يتعلم من خلاله كيفية التعبير عن مشاعره بطرق صحية، ويكتسب مفردات جديدة، ويتدرب على صياغة أفكاره -قبل النطق بها- بشكل منطقي ومنظم.
وهذا لا يتوفر إلا في بيئة يملؤها الحوار؛ فيصبح البيت ملاذ الطفل الأول، ووالداه هما الدعم في كل مراحل حياته، حيث يجد مساحة آمنة للتعبير عن مخاوفه وأحلامه.
الحب أحدث الوسائل لتربية الطفل هل تودين التعرف إلى التفاصيل؟
أهمية الإنصات

الإنصات ليس مجرد السماع فقط، بل هو خاصية ومهارة تحتاج إلى وعي وصبر؛ عندما يُنصت الوالد لطفله بتركيز واهتمام، يشعر الطفل بأنه مهم، وأن أفكاره تستحق الاستماع، مما يعزز شعوره بالاحترام والأمان والانتماء.
الإنصات يُحفز الوالدين على فهم احتياجات الطفل بشكل أعمق، سواء كانت احتياجات مادية أو عاطفية أو نفسية، وبالإنصات الجيد يمكن للوالدين إدراك المشاعر الصامتة التي قد لا يُفصح عنها الطفل بوضوح، كشعور الطفل بالخوف، أو القلق، أو حتى الغضب، ومع تيسر هذا الفهم؛ يصبح بإمكان الوالدين تقديم الدعم المناسب، في الوقت المناسب، وبالطريقة الأنسب، ولصالح الطرفين.
أساليب مختلفة للحوار
لكي يكون الحوار مثمراً، هناك بعض الأساليب التي يجب اتباعها:
- استخدام لغة بسيطة ومفهومة تتناسب مع عمر الطفل ومدى إدراكه؛ فالطفل بحاجة إلى كلمات بسيطة وواضحة، ومفاهيم مباشرة يسهل عليه استيعابها.
- تجنب النقد واللوم أثناء الحوار؛ حتى لا تصنعي حاجزاً بين الطفل والمتحدث، وتجعل الطفل يشعر بالخوف من التعبير عن مشاعره في المرة القادمة، إذ يمكن استخدام عبارات تشجيعية.
- ضرورة تشجيع الطفل على التعبير عن نفسه بحرية، وعدم مقاطعته أثناء حديثه، وإظهار الاهتمام بما يقول، مهما بدا بسيطاً أو غير مهم من وجهة نظر الكبار.
أساليب للإنصات الجيد

- التركيز الكامل على الطفل أثناء حديثه: وهذا يعني إغلاق الهاتف، وإبعاد أي مصادر للتشتيت، والنظر إلى الطفل أثناء حديثه، ليشعر بأنه محور الاهتمام.
- تجنب مقاطعة الطفل، وإعطاؤه الوقت الكافي للتعبير عن أفكاره، حتى وإن استغرق وقتاً طويلاً أو كان يكرر الأفكار، ما يُعزز من ثقة الطفل بنفسه.
- إظهار الاهتمام من خلال لغة الجسد؛ بالإيماء بالرأس، الابتسامة، وضع اليد على الكتف، واستخدام كلمات بسيطة؛ ما يعزز التواصل الإيجابي.
ما الذي يعطل لغة الحوار والإنصات بين الابن ووالديه؟

- ضغوط الحياة اليومية والانشغال؛ إذ يجد الكثير من الآباء والأمهات أنفسهم غارقين في مسؤوليات العمل والبيت، ما يقلل من فرص الحوار مع أطفالهم.
- اختلاف الأجيال واتساع الفجوة بسبب التكنولوجيا، قد يخلق أيضاً صعوبات في التفاهم، خاصة مع تسارع التغيرات في اهتمامات الأطفال اليوم.
الحل: تخصيص وقت يومي للحوار مع الطفل، حتى وإن كان قصيراً، مثل وقت العشاء أو قبل النوم، كما يمكن للوالدين محاولة تفهم ومواكبة اهتمامات الطفل.
التعرف إلى الألعاب الإلكترونية التي يحبها الطفل، أو مشاهدة مقاطع الفيديو التي يتابعها، وإن اضطر الأمر لتعلّمها والوصول لنتائج عالية.
مخاطر ومحاسن الأجهزة الذكية على الأطفال والمراهقين تعرفي إليها
تجربة شخصية

تروي أم سامح، موظفة بأحد البنوك، كيف ساعدها الحوار مع ابنها المراهق في حل مشكلة كبيرة كان يعاني منها وتؤرقه في المدرسة، تقول: "لاحظت أن طفلي، على غير المعتاد، أصبح منطوياً ويشعر بالغضب باستمرار؛ يثور ويتحسس من أي كلمة، فجلست معه وسألته عن سبب غضبه وحزنه.
تردد في البداية، وكان رافضاً للحديث معي، لكن بعد أن طمأنته بأنني لن أوبخه، بدأ يتحدث عن تعرضه للتنمر، دعوت والده ليشاركنا، واستمعنا إليه من دون مقاطعة، وناقشنا معاً الحلول الممكنة، مما جعله يشعر بالارتياح ويستعيد ثقته بنفسه".
وفي قصة أخرى، تحكي منال، وهي أم لثلاثة أطفال، كيف ألهمها الإنصات اكتشاف شغف ابنتها الصغرى بالرسم، حيث لاحظت أنها ترسم كثيراً أثناء جلوسها وحدها بغرفتها، وهي تتحدث، وخلال الاستماع لما تحب، فكانت الفرصة لي لأشجعها على تطوير مهاراتها، وسجلتها في دورة تدريبية للرسم، مما ساعدها على صقل موهبتها.
* ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.