سنوات المراهقة ليست بالقصيرة، وفي أثنائها يتعرض المراهق للكثير من التحولات السلوكية؛ فينتقل من حال إلى حال، وذلك وفقاً للتغيرات الهرمونية التي تتسارع بداخله، بجانب أسلوب التربية الذي يُطبّق عليه بسلبياته وإيجابياته، ما يجعل أخطاءه كثيرة ومتنوعة، وهنا يؤكد علماء التربية والطب النفسي أن المراهق لا يحتاج إلى قاضٍ يُدينه، أو أب يعاقبه بدنيا، بل إلى مُربٍ يُهديه، ومرشد يريه الطريق.
تخيّلي أباً يصرخ في وجه ابنه لأنه تأخر في العودة إلى المنزل، أو رسب في مادة دراسية، بينما كان بإمكانه أن يقول: "لقد شعرت بالخوف عليك ليتك تُعلمنا قبل التأخير". وبدلاً من الصراخ في وجه الابن المراهق وتوجيه اللوم له، بعد رسوبه في الصف، يمكنك أن تقول: "أعلم أنك تشعر بالضيق وتشعر بالإحباط، لكن دعنا نضع خطة لتحسين مستواك". وأنتِ سيدتي الأم، اعرفي أن كل خطأ يُحدثه المراهق هو فرصة للتقويم، وكل لحظة انفعال منه فرصة لإثبات حكمتك؛ بالتواصل، والاحترام، والعدل. نحن نربي أبناء أقوياء نفسياً، ناضجين اجتماعياً، وأخلاقيين بالعقل وحُسن التربية لا بالخوف.
وهذا ما أكدته الدكتورة نوال القطّان، أستاذة التربية والصحة النفسية، أثناء حديثها لقراء "سيدتي وطفلك"، والتي أوضحت في عدة أفكار بسيطة: كيف تتعاملين مع أخطاء المراهق؟
قواعد تحويل العقاب لنوع من التقويم

التواصل المفتوح والاحترام المتبادل:
كثير من الأخطاء التي يرتكبها المراهقون ناتجة عن فجوة في التواصل، لا عن سوء نية، فمثلاً، قد يتأخر الفتى أو الفتاة المراهقة في العودة إلى المنزل من دون إبلاغ الأهل، فيُفترض فوراً أنهما يتصرفان بعدم مسؤولية.
لكن لو جلس الأب مع المراهق أو المراهقة، وسأل بهدوء: "ما الذي أخّرك؟ هل حدث شيء؟"، قد تشرح المراهقة أو المراهق السبب بهدوء؛ أنها كانت تساعد صديقتها التي تمرّ بأزمة.
هذا النوع من الحوار يفتح المجال أمام التفاهم، ويقلل من حدة السلوك السلبي، والسبب أن المراهق الذي يشعر بأنه مسموع ومحترم؛ أقل عرضة للتمرد؛ لأنه يرى في والديه شركاء في رحلته، لا خصوماً يترصدون أخطاءه!
ضرورة وجود نظام واضح للعقاب والجزاء:

التربية لا تستقيم في ظل فوضى القواعد؛ تخيّلي مراهقاً لا يعرف إذا كان استخدام الهاتف المحمول بعد العاشرة مساءً مسموحاً أم لا، فيُعاقب فجأة على ذلك، ما يخلق شعوراً بالظلم.
عكس الحال لو كانت القواعد واضحة منذ البداية، مثل: "بعد العاشرة، نضع الهواتف خارج الغرفة"، فإن العقاب حينها يصبح وسيلة تربوية، لا ردّ فعل عاطفي.
وعندما يُخرق هذا الاتفاق، يمكن للأب أن يقول: "اتفقنا على قاعدة، واليوم خالفتها، لذا ستُحرم من الهاتف غداً"، فيفهم المراهق أن العقوبة نتيجة منطقية، لا انفجار غضب من ناحية الأب أو الأم.
تجنب العقاب الجسدي واستخدام العقاب التعليمي:

اتفق أساتذة التربية والصحة النفسية على أن الضرب لا يُعلّم، بل يُخيف، والمراهق الذي يتعرض إلى العقاب الجسدي يُصبح إما عدوانياً أو منغلقاً على نفسه.
بينما هناك مراهق كسر زجاج نافذة أثناء اللعب، وبدلاً من ضربه، يُطلب منه أن يشارك في تنظيف المكان، والمساهمة في تكلفة الإصلاح من مصروفه.
هذا النوع من العقاب يعدّ تعليمياً؛ حيث يُظهر له عواقب أفعاله بطرق منطقية، ويُعزز لديه الإحساس بالمسؤولية في المرة القادمة، أما الضرب؛ فقد يجعله يكره والديه أو يكذب في المستقبل؛ خوفاً من العقوبة.
التوازن بين الحزم والتشجيع:
المراهق لا يحتاج إلى صرامة وحِدّة دائمة، بل إلى حزم دافئ؛ مثلاً، عندما يلتزم ابنك بترتيب غرفته طوال الأسبوع، لا تكتفِ بالصمت، بل قل له: "أنا فخور بك لأنك التزمت بما اتفقنا عليه".
كلمات التقدير سيدي الأب، أو لكل أم واعية؛ الكلمات تُعادل في أثرها مائة توبيخ، وعندما يخطئ، يمكن أن تقول: "أنا منزعج مما حدث، لكني أعلم أنك قادر على الأفضل"؛ فالثقة تُبنى، والتشجيع يعزز السلوك الجيد، ويجعل المراهق يسعى لإرضاء والديه بدافع داخلي، لا بخوف خارجي.
عليك باحترام الخصوصية والهوية الفردية للمراهق:
سنوات المراهقة هي رحلة لاكتشاف الذات، ومن ثَمَّ تتغير في اتجاه آخر؛ فقد يقرر ابنك أن يغير تسريحة شعره، أو أن يرتدي ملابس مختلفة، وهنا قد يشعر الأهل بالقلق.
لكن توقفي، فبدلاً من السخرية أو الرفض، يمكن أن تقول الأم: "أرى أنك تحاول التعبير عن نفسك، هل تحب أن تخبرني أكثر عن هذا الأسلوب؟"، وتذكروا دائماً أن التدخل المفرط في تفاصيل حياة المراهق أو مقارنته بغيره؛ يخلق مقاومة عكسية.
الأفضل أن نحترم خصوصية الابن أو الابنة المراهقة، ونرافقهما في بناء هويتهما، لا أن نفرضها، لأن الهوية تُبنى بالحوار، لا بالإجبار.
إستراتيجيات بنّاءة للآباء
تحديد التوقعات والحدود:

مثلًا، يمكن أن تقول لابنتك: "أتوقع منكِ أن تعودي قبل التاسعة مساءً، وإذا تأخرتِ، أحتاج إلى مكالمة بسيطة منك"، هذه القواعد تمنح المراهقة الشعور بالأمان، لأنها تعرف ما هو متوقع منها.
تمسك بالثبات مع بعض المرونة:

إذا تأخر ابنك يوماً، لأنه كان في نشاط مدرسي مفيد، فبدلاً من العقاب، يمكن أن تقول: "أقدّر أنك كنت في نشاط مفيد، لكن أرجو أن تُعلمني في المرات القادمة"، هذا يُظهر له أن القواعد مرنة ولكنها محترمة.
استخدام الخطأ كفرصة تعليمية:
بدلاً من سؤال: "لماذا فعلت ذلك؟"، اسأل: "ماذا تعلمت من هذا الموقف؟"، هذا يحفّز التفكير الذاتي ويُحوّل الخطأ إلى درس.
كن للمراهق القدوة السلوكية:
إذا رأى ابنك أنك تعتذر عندما تخطئ؛ سيتعلم أن الاعتذار ليس ضعفاً، ما يراه فيك أهم مما يسمعه منك.
تشجيع التفكير الذاتي:
بعد موقف صعب، اجلس مع ابنك واسأله: كيف كنت ستتصرف لو عاد بك الزمن؟ هذا يعزز الوعي الذاتي ويُنمّي النضج.
نظرة متفاوتة بين الولد والبنت:

أحياناً كثيرة يُغفر للولد ما لا يُغفر للبنت؛ فمثلاً، إذا خرج ولد مع أصدقائه من دون إذن، يُقال: "هو شاب، يتعلم من تجاربه"، أما إذا فعلت الفتاة الشيء نفسه؛ تُواجه بتوبيخ شديد، ويُربط تصرفها بالنوع.
هذه الازدواجية تؤسس لخلل نفسي واجتماعي لدى الطرفين، ما يُشعر الفتاة بالذنب المبالغ فيه، والولد يعتاد الإفلات من المسؤولية، والحل! المساواة في التوجيه والتأديب، واحترام الاختلافات من دون تمييز.
يجب أن نربي أبناءنا وبناتنا على القيم، لا على الخوف، وأن نُعلّمهم أن الخطأ لا يُقاس بالنوع (ولد أو بنت)، بل بالسلوك.
* ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.