تُشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يفتقدون وجود أحد الوالدين بالمنزل بعد الطلاق، يكونون أكثر عرضة لمشاعر القلق والشرود وعدم التركيز بنسبة تصل إلى 60% ،مقارنة بغيرهم من الأطفال، وأن الدعم العاطفي الذي تقدمه الأم، يُعد العامل الأهم في تخفيف آثار الصدمة النفسية على الطفل بعد الانفصال.
التقت"سيدتي وطفلك" بإحدى الأمهات المطلقات، والتي بدأت حكايتها من حيث انتهت؛ حيث قالت: أنا لست أماً خارقة، ولم أكن دائماً قوية، لكنني كنت الحاضرة التي تستمع وتبث الطمأنينة والأمان في قلب طفلي- 7سنوات-، وهذا، في نظري، كان كافياً لينجو وينمو رغم الطلاق وغياب الأب عن المنزل، والتأثيرات السلبية التي لا حقته نفسياً ودراسياً واجتماعياً.
تابعت الدكتورة منال سيدالعوضي أستاذة الصحة النفسية وطب نفس الطفل "تجربتي مع طفلي بعد الطلاق"، وقامت بتقييم التجربة، وأضافت التحديات الأدوار التي ينبغي أن تقوم بها تجاه طفلها ليشب سوياً معافى بين أقرانه.
بداية الحكاية: مشاعر حزينة

الأيام الأولى بعد الطلاق وترك زوجي المنزل كانت ثقيلة، ليس من الناحية النفسية بالنسبة لي، بل أيضاً على صغيري -7 سنوات-، الذي وجد نفسه فجأة في بيت خالٍ من صوت اعتاد سماعه كل صباح باكر ومساء.
:"أمي، متى سيعود والدي للعيش معنا؟" سؤال يبدو بسيطاً ولكنه كان يتكرر يومياً، وكنت بدأت أتأقلم مع الغياب، ولكن طفلي لم يكن كذلك!
كنت أجبته بهدوء: والدك الآن في منزل آخر، وهو مشغول، وهذا لا يعني أنه لا يحبك أو لا يهتم بك، لكن حياتنا قد تغيّرت بعض الشيء.
كنت أظن أن طفلي لا يدرك ما يدور بيني وبين والده من خلافات صامتة، ونظرات مشحونة، ومشاكل حبيسة الأبواب المغلقة، وتفاصيل كنت أعتقد أنها تمرّ دون أن يلاحظها.
إلى أن وجدت على طاولته رسماً بسيطاً: منزل صغير، وفيه أم وطفل فقط، بينما رُسم الأب خارج الإطار، في زاوية الورقة، بلا ملامح، عندها فقط، أدركت أن الأطفال يشعرون، ويلاحظون، لكنهم لا يتحدثون.
لحظة الرحيل وصدمة خروج الأب من حياتنا وغيابه عن الطفل، كان صدمة قوية لطفلي؛ كان يعود من المدرسة ويهمس لي: هل نسي أبي أن يعود؟ وبدأ يعاني من اضطرابات في النوم، يستيقظ عدة مرات خلال الليل، يسألني: هل والدي بخير؟ هل أخطأت في شيء؟ هل تركك بسببي؟.
كنت أجيبه دوماً بنفي قاطع، وبصوت حنون: لا يا صغيري، ما حدث بيننا لا علاقة له بك، نحن الكبار أحياناً لا نستطيع إكمال الطريق معاً، لكننا لا نتوقف عن حب أبنائنا أبداً.
الخطوة التالية: عملت على إعادة بناء الأمان الداخلي لطفلي

جعلت أولويتي المطلقة أن يشعر طفلي بالأمان من جديد، حتى لو كان ذلك على حساب راحتي الشخصية.
هيئت له روتيناً ثابتاً؛ وقت للاستيقاظ، الإفطار، المدرسة، اللعب، الدراسة، وحكاية قبل النوم.
سعيت في كل لحظة من يومه لجعلها مليئة بالاهتمام، لم أقصد بذلك إخفاء غياب الأب، بل لأُثبّت في داخله أن هناك مَن يهتم به ويحبه.
بدأت أُدخل في حياة طفلي شخصيات ذكورية إيجابية، كان -خاله- أخي لطيفاً ومتفهماً، يلعب معه، يصطحبه إلى المكتبة، يتحدث معه عن اهتماماته، لم يكن بديلاً عن الأب، لكنه كان داعماً نفسياً مهماً له.
الخطوة الثالثة: حافظت على صورة الأب دون تزوير أو تشويه
رغم كل ما حدث، لم أتحدث عن والده بسوء أمام طفلي، ولم أقم بتجميل صورته، لكنني لم أشوهها كذلك، وذات مرة، سمعته يتحدث مع زميله عبر الهاتف، قائلاً: أنا أعيش مع أمي، لكن والدي ليس سيئاً، هو فقط مشغول، ابتسمت حينها، وشعرت بالرضا، كل ما كنت أتمناه ألا يحمل مشاعر الكراهية، وألا تتكوّن لديه نظرة سلبية عن الأبوة عموماً.
الخطوة الرابعة: أدركت أن الطلاق أثر على دراسته

ظهرت بعض الصعوبات الدراسية، أخبرتني معلمته أنه أصبح يعاني من عدم التركيز، كثير الشرود، وأحياناً ينشغل بالفصل برسم عائلة ناقصة.
فهمت أن التغيير أثّر عليه عاطفياً، جلست معه، وبدأت أخصص وقتاً يومياً للدراسة معه، أدمجنا اللعب بالمذاكرة، وشاركتني المعلمة بتوفير دعم إضافي له.
وبعد أشهر من الصبر، بدأ يتحسن تدريجياً، وفي نهاية الفصل الدراسي، حصل على شهادة تقدير تحت عنوان "تقدّم ملحوظ"، علّقناها بغرفة المعيشة، وأخبرته بفخري بقوته، وتجاوزه للصعوبات.
أسباب افتقاد الطفل للتركيز.. وطرق لتدريبه
ثمار التجربة بعد ثلاث سنوات
مرّت ثلاث سنوات على الطلاق، أصبح ابني- 10 سنوات- بات أكثر وعياً بمشاعره، وأكثر نضجاً. لم يعد يسألني عن والده كما في السابق، بل يسألني: متى نزور خالي؟، أو هل يمكننا الذهاب إلى المكتبة؟ ولم يعد يخاف الليل، ولم يعد يغضب من الغياب، بات يدرك أن الحياة ليست دائماً مثالية، لكنها تظل ممكنة إذا وُجد فيها الحب والدعم.
هذه خلاصة تجربتي التي علمتني:
كيف أرعى ابني واحميه؟ كيف أربيه وأوجهه؟ كيف أدعمه نفسياً وعاطفياً؟ وكيف أحافظ على تواصله مع الأب، وأحفظ له صورته؟.
كيف أقدم له الحب والحنان؟ ومتى أتحدث معه عن مشاعره، وأساعده على التعبير عن نفسه للتغلب على الحزن والقلق الذي قد ينتابه؟
كيف أحقق التوازن بين دوري كأم، مع الاهتمام بصحتي النفسية والجسدية، وكيف أكون قدوة لابني، ومثالاً إيجابياً في كيفية التعامل مع التحديات والصعاب.
باختصار: كنت أبذل مجهوداً حتى يتجاوز ابني مشكلة الطلاق وابتعاد والده عن المنزل.
الرأي التربوي: تأثير الطلاق على الطفل

- يؤثر الطلاق على الأطفال بعدة طرق؛ فقد يسبب لهم مشاعر سلبية مثل الحزن، الغضب، القلق، وفقدان الأمان.
- يؤدي إلى مشاكل سلوكية، تظهر في تدني احترام الذات، وصعوبات اجتماعية، ومشاكل صحية ونفسية وجسدية.
- يشعر الأطفال بالحزن، الغضب، القلق، والارتباك بسبب التغيرات التي تحدث في حياتهم.
- يحس الأطفال بفقدان الأمان والاستقرار العائلي، خاصةً إذا لم يتلقوا الدعم الكافي من الوالدين.
- يعتقد الأطفال أنهم سبب الطلاق، مما يؤثر سلباً على تقديرهم لذاتهم.
- يواجه الأطفال صعوبة في التفاعل مع الآخرين وتكوين صداقات جديدة، خاصةً إذا كانوا يعانون من مشاكل نفسية، بجانب الاكتئاب، القلق، واضطرابات النوم.
مشاكل سلوكية:
- قد يُظهر الأطفال سلوكيات غير مرغوب فيها مثل: العناد، العدوانية، أو الانسحاب الاجتماعي.
- قد يواجه الأطفال صعوبة في التركيز في المدرسة بسبب المشاعر السلبية التي يعانون منها.
- قد يعاني الأطفال من تغيرات في عادات الأكل والنوم، مثل فقدان الشهية أو الأرق.
- قد يؤثر الطلاق على تحصيل الأطفال الدراسي، خاصةً إذا لم يتلقوا الدعم الكافي من الوالدين أو المدرسة.
- قد يواجه الأطفال صعوبة في التأقلم مع المدارس الجديدة، أو مع المعلمين والزملاء الجدد.
مشاكل في العلاقات:
قد يواجه الأطفال صعوبة في تكوين علاقات صحية مع الآخرين في المستقبل، خاصةً إذا كانوا يعانون من مشاكل في الثقة بالنفس.
تأثير على النمو العاطفي:
قد يعوق الطلاق النمو العاطفي السليم للأطفال، خاصةً إذا لم يتم التعامل مع مشاعرهم السلبية بشكل صحيح.
ماذا تفعل الأم لمساعدة طفلها على التأقلم؟
تشجيع الطفل على التعبير عن مشاعره:
على الوالدين توفير بيئة آمنة ومستقرة للطفل للتعبير عن مشاعره وأفكاره دون خوف من الحكم.
التواصل الجيد بين الوالدين:
على الوالدين التواصل مع بعضهما البعض بشكل جيد، وتجنب إظهار الخلافات أمام الأطفال.
الحفاظ على روتين ثابت:
على الوالدين محاولة الحفاظ على روتين ثابت للأطفال قدر الإمكان، خاصةً فيما يتعلق بالمدرسة والأنشطة اليومية.