أطفالنا المراهقون في هذا الزمان يعيشون ساعات يومهم على الشاشة أكثر مما هم في الواقع، وأصبحت السوشيال ميديا مرآتهم التي يشاهدون أنفسهم من خلالها؛ مراهقين كانوا أو مراهقات. والمشكلة أن هذه المرآة ليست دائماً صادقة، بل تعكس لهم صوراً معدّلة تحكي عن عالم مثالي، وعندما يقارن المراهق نفسه بالآخرين، يبدأ في فقدان الثقة بذاته دون أن يدرك السبب الحقيقي. بجانب أن علامات الإعجاب، والتعليقات، وعدد المتابعين أصبحت المقاييس الجديدة لقيمة ذاته في عيونهم؛ ليعيشوا حياتهم بين: كم مرة أُعجِب بي الآخرون؟ وكم المرات التي رفضوني أو لم يؤيدوني؟
الدكتور محمود سيد الناجي أستاذ طب النفس يكشف لقراء "سيدتي وطفلك" تأثير وسائل السوشيال على ثقة المراهق بنفسه، وكيف يمكن للأهل أن يستعيدوا هذا الجيل من خلف الشاشات، ويردوا لأبنائهم الثقة الحقيقية التي يستحقونها، وذلك من خلال طرح 8 أفكار.
المراهقة رحلة البحث عن الهوية

قبل ذلك كانت الإجابات تأتي من الأسرة والمدرسة والأصدقاء، أما اليوم فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي منْ يضع تلك الإجابات.
المراهق أصبح يقيس قيمته بعلامات الإعجاب على صوره، ويربط سعادته بعدد المتابعين، ويشعر بالذنب إذا لم يحصل على التفاعل المتوقع.
هل تودين التعرف إلى تفاصيل.. المراهقة بين الأمس واليوم: ملامحها في عالم التكنولوجيا
السوشيال ميديا تزرع خرافة "الكمال"

من أخطر ما تبثه السوشيال ميديا في وعي المراهق هو وهم الكمال؛ فكل ما يراه فوق الشاشة أشخاص بابتسامات مثالية وأجساد خالية من العيوب وحياة فاخرة، ما يجعله يشعر بالنقص مهما كان جميلاً أو ناجحاً.
البنات مثلاً قد يشعرن أنهن أقل جمالاً؛ لأن صور الممثلات دائماً مثالية، والأولاد يقارنون أنفسهم بمنْ يظهرون بثقة وأموال وسيارات فارهة.
بعدها تبدأ المقارنة الخفية، والتي تزداد يوماً بعد يوم حتى تصبح عادة، وهنا تبدأ الثقة بالنفس في التآكل، ويظهر الخوف من الفشل، والرغبة في الظهور بمظهر غير حقيقي لإرضاء الآخرين.
المقارنة.. قاتلة الثقة
في عالم السوشيال ميديا، المقارنة لا تنتهي؛ فالمراهق أو المراهقة يشاهدان نجاح الآخرين في لحظات قوتهم فقط، دون أن يدركا ما وراء الكواليس من تعب أو فشل أو معاناة.المقارنة اليومية تزرع شعوراً بالقلق الدائم؛ لماذا جسمي ليس مثلهم؟ لماذا حياتي أقل؟ لماذا لم أسافر؟ لماذا لم أحقق هذا النجاح؟
هذا النوع من التفكير يدفع المراهق إلى الانسحاب من الواقع والشعور بالعجز، أو العكس تماماً: السعي المفرط للفت الانتباه بأي طريقة، حتى لو بتصرفات خطيرة أو مثيرة للجدل.
المقارنة السامة بالغير، لا تترك للطفل او المراهق مساحة ليحب نفسه، بل تجعله يرى ذاته دائماً الأقل، منْ يجلس في الخلف، وهكذا تفقده السوشيال ميديا أثمن ما يملكه. ثقته بنفسه.
الإدمان النفسي وتأثير "الدوبامين"

والمشكلة أن الجسم يتعوّد عليها بسرعة، فيحتاج المراهق إلى مزيد من علامات الإعجاب والتفاعل؛ ليشعر بنفس المتعة السابقة، وهكذا يدخل في حلقة مفرغة من الإدمان النفسي؛ فينشر أكثر، ويتصنع أكثر، ويتألم أكثر عندما يقل التفاعل.
الإدمان الرقمي هنا لا يؤثر على وقت الدراسة والنوم فقط، بل يهزّ الثقة بالنفس؛ لأنه يجعل المراهق يرى قيمته، فيما يُعطى له من الخارج لا فيما يملكه بالداخل.
مخاطر التنمّر الإلكتروني

من أخطر آثار السوشيال ميديا على المراهق هو التنمّر الإلكتروني؛ ويشمل كلمة سخرية، أو تعليقاً جارحاً، أو صورة مهينة قد تدمّر نفسية شاب أو فتاة في لحظات.
المراهق الذي يتعرض للتنمر يشعر بالخزي والعزلة، وقد ينسحب من الدراسة أو الأصدقاء أو من الحياة الاجتماعية، وفي حالات كثيرة، يتحول هذا الألم إلى غضب داخلي أو كراهية للذات، مما يضعف ثقته بنفسه إلى أقصى حد.
المشكلة أن العالم الافتراضي لا يعرف الرحمة، والكلمات تبقى محفورة في ذاكرة المراهق أو المراهقة لفترة طويلة، حتى بعد أن تُنسى من الآخرين.
إشارات نفسية وسلوكية تدل على تأثير السوشيال
- قضاء ساعات طويلة أمام الهاتف مع عزلة اجتماعية.
- كثرة التقاط الصور والسلفي بحثاً عن الكمال.
- مزاج متقلب مرتبط بعدد الإجابات أو المتابعين.
- شكوى متكررة من شكله أو حياته أو شعوره بالنقص.
- مقارنة نفسه المستمرة بالآخرين.
- انخفاض في التحصيل الدراسي أو فقدان الشغف.
متى تصبح السوشيال ميديا مصدر قوة؟

الحقيقة ليست كلها قاتمة، فالسوشيال ميديا يمكن أن تكون أيضاً منصة لبناء الثقة، شرط أن تستخدم بوعي؛ هناك آلاف المراهقين استطاعوا من خلالها التعبير عن مواهبهم في الرسم أو الكتابة أو الغناء أو التوعية المجتمعية.
عندما يجد المراهق محتوى إيجابياً يدعمه، أو يتابع قدوات حقيقية تتحدث عن الفشل والنجاح بصدق، يمكن أن يشعر أنه ليس وحده، وأن قيمته تعتمد على؛ كيف يستخدم المنصة، وليس على المنصة نفسها؟
واجب الأهل: حماية ثقة أبنائهم بأنفسهم
الأسرة الواعية: هي التي تُشعر المراهق بالقبول والدعم داخل بيته، فلا يبحث عن ذلك القبول في العالم الافتراضي.تحدثي مع ابنك بصدق : عما يراه على الإنترنت، دون انتقاد، وراقبي المحتوى الذي يتابعه، ليس بهدف المنع، بل للتوعية.
اغمريه بالاهتمام والحب: واجعليه يشعر أنه مسموع، وشجعيه على التفاعل الإيجابي، مثل نشر محتوى مفيد أو عمل دعم للأصدقاء.
قولي له الحقيقة: فما يراه على الإنترنت ليس حقيقة كاملة، وعلِّميه أن يقيس نفسه بتطوره لا بتفاعل الآخرين، احكي له عن فشلك ونجاحك؛ ليعرف أن الحياة ليست مثالية دائماً.
علّمي ابنك: أن يكتب على مرآته كل صباح "كفاية أكون راضي عن نفسي"، هذا النوع من الثقة هو ما يصنع إنساناً متوازناً في عالم مضطرب.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليكِ استشارة طبيب متخصص.






