لا تزال القراءة هي بوابة الطفل الأولى إلى العالم الواسع، فهي لا تقتصر على الكلمات المكتوبة فحسب، بل تحمل بين طياتها صوراً وأفكاراً وخيالاً يُسهم في تشكيل شخصية الطفل منذ نعومة أظافره. قد يظن البعض أن القراءة تُفيد الطفل فقط عند دخوله المدرسة، لكن الحقيقة أن القراءة من عمر الشهور الأولى للطفل تُعتبر من أهم الاستثمارات التربوية التي يقوم بها الوالدان.
وهنا يقدم الدكتور ياسر الشوربجي، أستاذ الطب النفسي للأطفال، إجابة وافية للتساؤلات التي تدور في ذهن الأمهات؛ مثل: هل يمكن للرضيع أن يستفيد من القصص؟ وما هي فوائد هذه العادة السحرية على نمو الدماغ، واللغة، والعاطفة، وحتى العلاقات الأسرية؟ وهل هناك أخطاء يرتكبها الآباء تبعد الطفل عن حب القراءة؟ هذا ما سنتناوله بالتفصيل في هذا التقرير.
الرأي العلمي لأهمية القراءة للطفل

أكدت دراسة من الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أن القراءة للرضع منذ الأشهر الأولى تحسّن مهارات اللغة لديهم، وتزيد من فرص النجاح الأكاديمي لاحقاً، وفي أبحاث أخرى وجد أن الأطفال الذين يقرأ لهم الوالدان بانتظام؛ يكتسبون مفردات أكثر بنسبة 30% مقارنة بغيرهم.
القراءة تنمي الدماغ
الأبحاث الحديثة تشير إلى أن السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل هي الأكثر أهمية في نمو الدماغ؛ السبب أن في هذه المرحلة تتشكل ملايين الوصلات العصبية يومياً، لذا فإن القراءة بصوت عالٍ للطفل تُسهم في تحفيز هذه الوصلات وتقويتها.
القراءة تنمي اللغة
كلمات كثيرة من الممكن ألا يفهمها الطفل، ولكن حتى وإن لم يفهم كل ما يُقال، فإن سماعه للكلمات والنغمات؛ يساعده على توسيع قاموسه اللغوي. الأطفال الذين يقرأ لهم أهلهم منذ الصغر؛ يمتلكون مخزوناً لغوياً أكبر عند دخول المدرسة.
القراءة تعزز الخيال والإبداع
القصص تنقل الطفل إلى عوالم أخرى، تفتح أمامه باباً للخيال، وتغذي قدرته على الإبداع.
القراءة تبني علاقة عاطفية قوية
القراءة المشتركة بين الأهل والطفل- الآباء والإخوة الأكبر- هي لحظة دفء واحتواء، فيها يشعر الطفل أنه محور اهتمام والديه، وأنه يحظى باهتمام محبب كأخ أصغر، مما يعزز شعوره بالأمان والحب وسط أسرته.
القراءة تهيئ الطفل للتعلم المدرسي
الأطفال المعتادون على القراءة؛ يصبحون أكثر استعداداً لتعلم القراءة والكتابة لاحقاً، مما يخفف من صعوبات الدراسة.
مشكلتي: طفلي يتحدث مع نفسه وصديقه الوهمي التفاصيل داخل التقرير.
متى نبدأ القراءة للطفل؟

من 0 – 6 أشهر
قد يبدو الأمر مبكراً جداً، لكن الرضيع ينجذب للأصوات والنغمات، والقصص التي تتضمن أصواتاً، فيمكن قراءة قصص قصيرة جداً بألوان وصور زاهية.
من 6 – 12 شهراً
يبدأ الطفل بالتركيز على الصور، يلمس الكتب ويقلب صفحاتها، هنا يُفضل استخدام كتب القماش أو الكرتون الصلب.
من سنة إلى سنتين
يزداد فضول الطفل، ويبدأ في محاولة ترديد كلمات أو أصوات مألوفة، الكتب التفاعلية ذات الأصوات أو الأبواب الصغيرة تجذب انتباهه، وربما اختارها وقدمها لكِ لتقرئيها له ويسمعها.
من 3 إلى 5 سنوات
هذه المرحلة هي العصر الذهبي للقراءة، الطفل يحب القصص الخيالية، الحيوانات، والمغامرات، كما يمكن ربط القصة بالقيم؛ مثل الصدق والتعاون.
كيفية القراءة بطريقة ممتعة

- استخدام نبرة صوت معبرة: نعم، قلدي أصوات الشخصيات لجذب انتباه الطفل.
- التفاعل مع الصور: اسألي الطفل: "ماذا ترى هنا؟ ما لون القطة؟".
- التكرار مفيد: الأطفال يعشقون سماع نفس القصة مراراً، وهذا يساعدهم على تثبيت الكلمات.
- خصصي وقتاً ثابتاً للقراءة: مثلاً قبل النوم، لتصبح عادة يومية.
- شاركي الطفل الدور: عندما يكبر قليلاً، اجعليه يحاول قراءة بعض الكلمات أو وصف الصور بنفسه.
القراءة وفقاً لعمر الطفل

الرضع:
كتب ذات صور كبيرة وألوان قوية.
من سنة إلى سنتين:
كتب تفاعلية، أصوات الحيوانات، كلمات بسيطة.
من 3 إلى 5 سنوات:
قصص قصيرة بقيم تربوية، مغامرات ممتعة.
ما بعد 5 سنوات:
قصص أطول قليلاً، مع بداية التعرف إلى الحروف والكلمات.
دور الأسرة في تشجيع القراءة المبكرة
القدوة
إذا رأى الطفل والديه يقرآن بانتظام، سيتعلم أن القراءة متعة وليست واجباً.
المكتبة المنزلية
وجود ركن صغير للكتب في البيت يشجع الطفل على استكشافها.
الهدايا
بدلاً من الألعاب فقط، يمكن إهداء الطفل كتاباً ملوناً.
الأنشطة المرافقة
تمثيل القصة، الرسم عنها، أو حتى صنع مجسمات بسيطة للشخصيات.
أخطاء شائعة يقع فيها الأهل

- التأخر في البدء بالقراءة: لاعتقاد أن الطفل لا يفهم مبكراً.
- التركيز على الجانب التعليمي فقط: القراءة ليست لتعلم الحروف فقط، بل للمتعة أيضاً.
- استخدام العقاب: بمعنى إجبار الطفل على القراءة، ما يخلق نفوراً.
- الاكتفاء بالمدرسة: المدرسة وحدها لا تكفي، فالبيت هو الأساس.
فوائد طويلة المدى للقراءة المبكرة
- ثقة أكبر بالنفس، يعلم الطفل مصدرها.
- تضيف وزناً لشخصية الطفل أمام أقرانه.
- تحصيل واستيعاب دراسي أسرع وأفضل.
- قدرة أعلى على التعبير عن المشاعر من دون خجل.
- فضول معرفي دائم، وبحث دؤوب.
- علاقة قوية دافئة تتجدد مع الأهل.






