mena-gmtdmp

كل ما تريدين معرفته عن القفزات الدماغية عند الأطفال الرضّع.. ودورالوالدين

صورة لأم تلعب مع طفلها
طفل يستجيب لصوت ومرح وحركات أمه
القفزات الدماغية عند الرضع ليست مجرد مراحل تطور، بل هي رحلة النمو التي تشكّل مستقبل الطفل منذ لحظاته الأولى؛ كل يوم يحمل خطوة جديدة في طريق النمو، وكل تفاعل بسيط يترك بصمة في دماغ الطفل، ودور الوالدين لا يقتصر على المراقبة فقط بل المشاركة والاحتضان والتشجيع. وهكذا يشهد العام الأول من حياة الطفل سلسلة من التحوّلات المذهلة، تحدث كل يوم تقريباً بشكل يصعب على العين التقاطها، وهذه التحوّلات تُعرف بـ"القفزات الدماغية"، وهي ليست مجرد تغيّرات في السلوك أو الحركة، بل هي عمليات عميقة تُعاد فيها برمجة الدماغ، وتتّسع فيها شبكات الاتصال العصبية، ويزيد فيها فهم الطفل للعالم من حوله.
لمعرفة المزيد يأخذ الدكتور عثمان أحمد عفيفي أستاذ طب نفس الطفل الأهل في رحلة تفصيلية لفهم القفزات الدماغية عند الأطفال الرضع، وتوضيح مراحل النمو العقلي والحركي والعاطفي والحسي للرضيع، مع تقديم نصائح عملية، ورسائل للاطمئنان تؤكد أن كل طفل ينمو بإيقاعه الخاص.

1-التطوّر المعرفي حين يبدأ العقل اكتشاف العالم

طفل رضيع يبحلق ليكتشف ملامح أمه
منذ الأيام الأولى، يبدأ دماغ الطفل في التعرّف إلى الأنماط والأشخاص والأصوات، وكأنه يشكّل خريطة جديدة للعالم.
تكوين الذاكرة: التعرف إلى الوجوه والأشياء
يُظهر الرضيع قدرة مبكرة على تمييز وجوه الأشخاص المألوفين، خصوصاً الأم، ومع كل أسبوع يمضي، تصبح ذاكرته أقوى، فيتعرّف إلى الألعاب، والأماكن، وحتى الروائح التي تكررت حوله، هذه الذكريات المبكرة تشكّل الأساس الذي سيبني عليه فهمه للعالم.
أساسيات اللغة: بناء شبكات الصوت والكلمات
قبل أن ينطق بكلمة، يعمل دماغ الطفل على تسجيل الأصوات ونغمات الكلام، هو لا يفهم الكلمات بعد، لكنه يتعرّف إلى الإيقاع.. والتنغيم، وتكرار المقاطع، هذه المرحلة هي البذرة الأولى للغة، وكل حوار بسيط يجريه الوالدان معه هو في الحقيقة درس لغوي متكامل.

حلّ المشكلات: الفضول كمحرّك للتعلم

مع كل حركة أو محاولة للوصول إلى لعبة، يبدأ الطفل بفهم العلاقة بين السبب والنتيجة، إذا هزّ اللعبة تصدر صوتاً، وإذا مدّ يده يمكنه الإمساك بها، هذا النمط البسيط من التفكير التطبيقي هو بداية الذكاء العملي.

2-المهارات الحركية.. عندما تتعلم العضلات بعد سماع الدماغ

التقاط الأشياء مهارة تدل على نضج الدماغ
القفزات الحركية ليست مجرد تطوّر عضلي، بل هي انعكاس مباشر لنضج الدماغ.
المهارات الحركية الكبرى: الجلوس والزحف والمشي
مع نمو الطفل، تتشكل وصلات عصبية قوية تمكّنه من السيطرة على جذعه ويديه ورجليه، يبدأ بالانقلاب ثم الجلوس ثم الزحف، وصولاً إلى الخطوات الأولى. كل مرحلة تسبق الأخرى نتيجة لتقدّم دماغي قبل أن يكون جسدياً.
المهارات الدقيقة: التقاط الأشياء والتنسيق بين العين واليد
يمسك الطفل اللعبة بيد كاملة في البداية، ثم يبدأ تدريجياً باستخدام أصابعه، فيتحكم أكثر فأكثر بحركة يديه، تنسيق العين واليد هو قفزة معرفية حركية.

الدمج الحسي الحركي: كيف تتعاون الحواس مع الحركة؟

حين يرى الطفل لعبة، ثم يمدّ يده لالتقاطها، ثم يشعر بملمسها، فهو يجمع بين النظر واللمس والحركة في وقت واحد، هذا الدمج الحسي معقد جداً، لكنه يحدث بشكل طبيعي مع التكرار والتجربة.

3- النمو العاطفي والاجتماعي: القلب يبدأ في فهم العالم

أمّ تقبل طفلها بحنان

القفزات الدماغية لا تشكّل العقل فقط، بل تصنع المشاعر أيضاً:

الارتباط العاطفي: بناء دوائر الثقة

حين يبكي الطفل ثم يُحمل ويهدّأ، يرسل دماغه إشارات تبني الإحساس بالأمان، هذا الارتباط هو حجر الأساس للنمو النفسي السليم.

بذور التعاطف: التعرّف إلى مشاعر الآخرين

قد يبدو الطفل صغيراً على فهم الأحاسيس، لكنه يستطيع تمييز نبرة صوت غاضبة من نبرة سعيدة، ويستجيب لوجوه مبتسمة أكثر من الوجوه الجادة، هذه بداية التعاطف.

التفاعل الاجتماعي: المشاركة في الحوار

ينتظر الطفل ابتسامة أو نظرة؛ ليكون ردّ فعله جزءاً من "حوار" غير لفظي، هذه التبادلات الصغيرة تُنشئ إحساسه بالانتماء.

4-التطوّر الحسي.. نافذة الطفل الأولى على الحياة

طفل رضيع يستمع لصوت أمه
حواس الطفل ليست مجرد أدوات إدراك، بل هي مداخل أساسية لبناء المعرفة:
الرؤية: اكتشاف الألوان والأبعاد
في الأشهر الأولى، تتطور قدرة الطفل على رؤية الأشياء بوضوح، تتّسع رؤيته وتصبح أكثر دقة، ويبدأ في ملاحظة عمق الأشياء والتمييز بين الألوان.
السمع: فهم الأصوات وتمييزها
يتعلم الطفل مع الوقت التفريق بين صوت أمه وصوت الآخرين، وبين النغمات العالية والمنخفضة، هذه القدرة تدعم لغته لاحقاً.
التذوق والشم: بداية التفضيلات
من خلال الرائحة والطعم، يكوّن الطفل أولى ذكرياته الحسية، الروائح المألوفة تمنحه الراحة، بينما يدفعه الفضول لتجربة نكهات جديدة.

5-الفترات الحساسة.. نوافذ للتعلّم

بعض مراحل النمو تكون حساسة جداً، حيث يكون دماغ الطفل جاهزاً لتعلّم مهارات معيّنة أكثر من غيرها
نوافذ الفرص: أشهر حاسمة في التطور
في كل نافذة، يكون الدماغ في حالة استعداد قصوى لتعلّم شيء محدد: مثل اللغة، أو التوازن، أو التفاعل الاجتماعي.
دور اللعب: المحرك الرئيسي للنمو
اللعب ليس ترفيهاً، إنه وسيلة الطفل لاختبار العالم، وتحفيز دماغه، وتعزيز مساراته العصبية، لعبة بسيطة قد تعلّمه الكثير.
تأثير البيئة: كيف يشكّل المحيط النمو؟
كل ما يحيط بالطفل؛ الأصوات، الروائح، الألوان، التفاعل، يساهم في بناء دماغه. البيئة الهادئة الغنية بالمحفزات الإيجابية تدعم نمواً صحياً.

6- للوالدين: كل طفل ينمو بطريقته

أمّ تُرضع طفلها وتتواصل معه بصرياً
من المهم أن يعرف الوالدان أن التفاوت بين الأطفال طبيعي جداً، لا توجد ساعة موحّدة للنمو، ولا قانون ثابت ينطبق على جميع الأطفال، دور الأهل ليس مقارنة طفلهم بالآخرين، بل دعم رحلته الخاصة.
رسالة إيجابية.. كل خطوة صغيرة يقوم بها الطفل هي إنجاز حقيقي، حتى لو جاءت في وقت مختلف عن بقية الأطفال.
التشجيع.. الكلام معه، اللعب، القراءة، الحمل، العناق.. كلها أدوات بسيطة تبني عقله.
عدم الضغط.. المهم هو توفير بيئة آمنة وثرية، وليس الركض وراء تحقيق كل مؤشر.
علامات يجب الانتباه لها:

ليست كل تأخيرات النمو خطيرة، لكن بعض العلامات تستحق استشارة مختص مثل:

  • مؤشرات معرفية.. غياب تفاعل واضح من المولود مع الوجوه أو الأصوات بعد عدة أشهر.
  • مؤشرات حركية.. عدم محاولة الرضيع الانقلاب أو الجلوس بدعم بعد أشهر متقدمة من العمر.
  • مؤشرات لغوية.. عدم استخدام أصوات أو مقاطع بسيطة مع اقتراب الشهر التاسع.
  • مؤشرات اجتماعية.. قلة التواصل البصري أو عدم الاهتمام بالآخرين.
  • مؤشرات حسية.. صعوبة واضحة في تتبع الأشياء أو الاستجابة للأصوات.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.