تلفتك تلك العبارة التي وضعها الفنّان الإماراتي مطر بن لاحج في تصميم متحف المستقبل الخارجي وهي على شكل أبيات شعرية كتبها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. ويقول أحد هذه الأبيات الثلاثة: "المستقبل ملك لمن يتخيله ويصممه وينفذه. المستقبل ليس شيئاً ننتظره وإنما نصنعه."، هذا هو متحف المستقبل، الذي يرسم رؤية ملهمة في يوم المرأة الإماراتية.
اعداد: لينا الحوراني
يضم متحف المستقبل عروضاً تفاعلية ومعارض تقدم رؤى ثقافية وفلسفية متعددة. يهدف المتحف إلى توفير بيئة تعليمية تشجع الزوار على التفكير في التحديات الحالية والمستقبلية، وكذلك إيجاد حلول إبداعية لمستقبل أكثر إشراقاً وأملاً، حيث تشكل النساء الإماراتيات العاملات فيه، من جميع المناصب، النصف، بمناسبة يوم المرأة الإماراتية، زرنا المتحف، لتسليط الضوء على شعار هذا العام "يداً بيد نحتفي بالخمسين" ودلالاته الوطنية والإنسانية العميقة، وعشنا ما يُعبر عنه من الروح التشاركية التي تميز النموذج الإماراتي في تمكين المرأة، لأنه يؤكد أهمية مواصلة مسيرة التقدم والازدهار بالتكامل بين جميع فئات المجتمع.
عزة النعيمي: أخطط لمشاريع تلهم الأجيال القادمة

في احتفاء وطني يجسد الشراكة المجتمعية والإنجازات المتواصلة للمرأة الإماراتية على مدى خمسة عقود، يبرز متحف المستقبل كوجهة فريدة لعرض التقدم التكنولوجي والاكتشافات العلمية. كما يتميز المتحف بتجديد مستمر لمحتواه، ما يجعله دائم التطور والحيوية، مما يعكس أحدث الإنجازات في عالم التكنولوجيا والعلوم. لهذا التقينا عزة النعيمي مدير مشاريع متحف المستقبل، لنسألها عن الرسالة التي يسعى متحف المستقبل لإيصالها إلى الزوار محلياً وعالمياً؟ وكيف تطورت عبر سنوات إنشائه وإطلاقه، حيث قالت: "يُجسّد متحف المستقبل رؤية دولة الإمارات في أن تكون مركزاً عالمياً لاستشراف المستقبل وصياغة حلول مبتكرة لتحدياته. منذ افتتاحه، تطورت رسالة المتحف من كونه صرحاً معمارياً فريداً إلى منصة معرفية تفاعلية تُحفّز التفكير النقدي، وتُشجّع على الحوار العلمي حول التحولات الكبرى في مجالات التكنولوجيا، البيئة، والمجتمع، ويُقدّم المتحف تجارب تفاعلية تُعيد تعريف دور المتاحف التقليدية، ويُتيح للزوار استكشاف سيناريوهات مستقبلية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الفضاء، الطب والتعليم. كما يُنظم ورش عمل وفعاليات معرفية مثل سلسلة محاضرات الدكتور روي كاساغراندا "دروس من الماضي في متحف المستقبل" و"فن السرد البصري"، ويستضيف شخصيات ملهمة من مختلف التخصصات، مما يعزز من دوره كمحفّز للابتكار المجتمعي والفردي. ويلتزم المتحف بأن يكون منارةً فكريةً تُلهم الأجيال القادمة عبر نشاطات تهتم بالأجيال الجديدة مثل مخيم الصيف، وتُسهم هذه النشاطات في بناء مجتمع عالمي أكثر استعداداً وتعاوناً لمواجهة تحديات الغد.
تعكس رؤية المتحف التزامه بتجسيد قيم المساواة والريادة، وتمكين المرأة لتكون في طليعة مسيرة التطوير الوطني
نوافذ تطل على المستقبل

تنسجم رؤية المتحف مع تطلعات دولة الإمارات نحو مستقبل أفضل للبشرية، حيث يهتم بقضايا الاستدامة والتطور التكنولوجي ويطرح حلولاً مُبتكرة لتحديات الحاضر ولتحضير البشرية للمستقبل، بما يفتح آفاقاً رحبة لتحويل هذه التحديات إلى فرص مفيدة تُسهم في بناء مستقبل مزدهر للإنسانية. ويبقى المتحف مواكباً لأحدث الابتكارات في مجالات التكنولوجيا والتقدم العلمي، مستمراً في تقديم حلول خلاقة تُمكّن الزوار من استشراف المستقبل والمساهمة في بنائه، وعن هذا تتابع عزة: "يعكس متحف المستقبل رؤى دولة الإمارات من خلال كونه منصةً عالميةً لاستشراف المستقبل، حيث يُوظف تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي لتقديم تجارب تفاعلية تُحفّز التفكير الابتكاري. يستضيف المتحف فعاليات تعليمية وتجارب تفاعلية مثل النسخة الجديدة من الروبوت البشري أميكا Ameca الذي يمكنه التحدث بست لغات فيفتح آفاقاً جديدة لتخيل مستقبل مستدام ومتمحور حول الإنسان، ومنذ تأسيسه، حرص متحف المستقبل على تغيير النمط التقليدي للمتاحف، فالتجارب والفعاليات وورشات العمل التي يقدمها تُعد نوافذ تطل على المستقبل. وتُجسّد هذه النشاطات رؤى مستقبلية مبتكرة، تدعو الزوار إلى التفكير في حلول خلاقة لمعضلات اليوم والغد، وتُحفّزهم على التفاعل مع مفاهيم التجديد والتطور. ويبقى المتحف مواكباً لأحدث الابتكارات في كل ما يتعلق بتطورات التكنولوجيا والتقدم العلمي، مستمراً في تقديم تجارب تفاعلية تُسهم في بناء المستقبل انطلاقاً من الحاضر.
تجارب تفاعلية
تتمثل أبرز التحديات التي تواجهها "عزة"، في هذا المتحف الفريد من نوعه، كامرأة إماراتية في الطبيعة الديناميكية والفريدة للمتحف نفسه، الذي لا يعتمد على مقتنيات ثابتة، بل يُبنى حضوره من خلال البرامج والمشاريع المتجددة. وهذا يتطلب مواكبةً مستمرةً لأحدث التطورات العلمية والتكنولوجية، واستكشاف حلول مبتكرة للأسئلة الملحّة التي يطرحها المستقبل، تستدرك قائلة: "لكن نمط هذا العمل الفريد يجعل العمل ممتعاً وخلاقاً. وعلى الصعيد الشخصي، أحرص على البقاء على اطلاع دائم على مستجدات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة، بهدف توظيفها في تصميم تجارب تفاعلية تُرسّخ مكانة المتحف كمنصة فاعلة لا تكتفي بتخيّل المستقبل، بل تُسهم في صياغته".
مركز لتميز المرأة الإماراتية

المتحف.. مركز رمزي لتمكين وتمييز المرأة الإماراتية، فمنذ انطلاقه حرص متحف المستقبل على تعزيز دور المرأة الإماراتية من خلال ضمان مشاركتها الفاعلة في مختلف المجالات، لا سيما في الأدوار القيادية، تتابع عزة قائلة: "المرأة في المتحف ليست فقط جزء من فريق العمل، بل هي من صناع القرار الذين يساهمون في رسم توجهاته الحالية والمستقبلية. كما يدعم المتحف تمكين المرأة في صياغة المستقبل، من خلال إتاحة الفرص للمشارِكات في الفعاليات والمشاريع، وتسليط الضوء على نماذج من نساء ملهمات في مجالات الابتكار والتكنولوجيا. هذه الرؤية تعكس التزام المتحف بتجسيد قيم المساواة والريادة، وتمكين المرأة لتكون في طليعة مسيرة التطوير الوطني".
بتوجيهات الشيخة فاطمة.. "يدًا بيد نحتفي بالخمسين" شعار يوم المرأة الإماراتية 2025
ميثاء المزروعي: نسعى لاستخدام التكنولوجيا كأداة تمكين، لا كغاية بحد ذاتها

وعن أبرز الابتكارات أو المعروضات أو المشاريع التي أحدثت صدى واسعاً بين الزوار؟، وإن كانت تتغير بشكل دوري، وكيف، تحدثت ميثاء المزروعي مديرة البرامج في متحف المستقبل، عن تجربة "الڤيفاريوم" كأحد أحدث المعروضات التفاعلية، وهي حاضنة بيئية مغلقة تحاكي نظاماً بيئياً متكاملاً، تحتوي على كائنات حية معدّلة وراثياً تشمل نباتات وحشرات وكائنات دقيقة. ما يميز هذه التجربة هو قدرة الزوار على التحكم في العوامل البيئية وتفاعل الكائنات معها في الزمن الحقيقي، مما يجعلها تجربةً تعليميةً وترفيهيةً في آنٍ واحد. تُعلّق قائلة: "يحرص المتحف على تحديث معروضاته بشكل دوري، بما يواكب أحدث الابتكارات في مجالات التكنولوجيا والعلوم، ويحفز الزوار على التفكير في مستقبل الإنسان والبيئة. وواحدة من المشاريع التي يترقبها زوارنا هي فعالية "أسبوع المستقبل" Future Week وهو مشروع رائد من حيث المبدأ ذي مضمون متنوع سنوياً يحاكي المواضيع بالغة الأهمية في عالمنا اليوم الأمر الذي يسهم في بناء رؤيتنا المستقبلية".
يحرص متحف المستقبل على تمكين الفتيات الصغيرات من خلال برامج تعليمية وتفاعلية تبرز دور المرأة الإماراتية في قيادة مسيرة الابتكار
"أحلام الأرض"
تحدثت ميثاء عن أكثر معرض أو تجربة لاقت إعجاب الزوار حتى الآن، حيث قالت: "يُعد معرض "أحلام الأرض" من أبرز التجارب التي لاقت إعجاب الزوار في متحف المستقبل، وهو تجربة فنية رقمية دائمة تقع في الطابق الثاني من المتحف، صُممت من قِبل الفنان العالمي رفيق أناضول. يعتمد المعرض على ملايين الصور والبيانات البيئية التي جُمعت من الأقمار الصناعية ومحطات الأرصاد الجوية حول العالم، ويُحوّلها الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى عرض بصري تفاعلي غامر. يتكوّن المعرض من ثلاثة أقسام رئيسية: "الهواء" الذي يستعرض مشاهد بانورامية للسماء، و"الأرض" الذي يُبرز تنوع تضاريس الكوكب، و"الماء" الذي يمزج بين الذكاء الاصطناعي والحياة الطبيعية. ويُجسّد المعرض التقاء الفن بالتكنولوجيا، ويُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والبيئة من خلال عدسة الابتكار. كما يُترجم رسالة المتحف في إلهام الزوار وتعزيز وعيهم بدور التكنولوجيا في تشكيل مستقبل مستدام، ويُبرز كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في التعبير الفني، مستفيداً من التصميم المعماري الفريد للمتحف وتقنيات العرض المتقدمة فيه".
العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا

أما عن الدور الذي تلعبه تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي في تصميم التجارب والمشاريع داخل المتحف، تشرح "ميثاء": "تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي دوراً أساسياً في اهتمامات متحف المستقبل ونهجه في تصميم التجارب التفاعلية، حيث لا تُستخدم هذه التقنيات كأدوات عرض فقط، بل كوسائل لإعادة تخيّل العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. كما يُقدّم المتحف ورشات عمل تتمحور حول الذكاء الاصطناعي وتقدمه بطريقة فعالة لتدمجه في تجارب الزوار كأداة يمكنهم استخدامها والتفاعل لتخيل حاضر ومستقبل يستفيدان من الإمكانيات التي يتيحها التطور التكنولوجي".
وقد تحدثت "ميثاء" عن المشاريع والفعاليات النسائية في هذا المتحف الذي يفتح آفاقاً جديدة للفتيات الصغيرات، وقالت: "يحرص متحف المستقبل على تمكين الفتيات الصغيرات من خلال برامج تعليمية وتفاعلية تُبرز دور المرأة الإماراتية في قيادة مسيرة الابتكار. ومن أبرز المبادرات في هذا السياق "مخيم أبطال المستقبل الصيفي"، الذي يُنظم سنوياً ويستهدف الأطفال من عمر 6 إلى 13 عاماً، ويُقدّم تجربة تعليمية متكاملة تجمع بين الإبداع والمعرفة والترفيه. يتضمن المخيم ورش عمل عملية، وجولات تفاعلية، وتجارب غامرة تُحفّز التفكير النقدي والابتكار، وتُعزز من فهم الأطفال للعالم من حولهم، وقد شهد المخيم في نسخته الأخيرة لقاءً ملهماً مع رائدة الفضاء الإماراتية نورة المطروشي، التي شاركت الأطفال تجربتها الشخصية في مجال الفضاء، وتحدثت عن التحديات والطموحات، وأجابت عن أسئلتهم، مما ترك أثراً عميقاً في نفوس المشاركات الصغيرات، وألهمهن لاستكشاف آفاق جديدة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، كما يُسلّط المتحف الضوء على نماذج نسائية قيادية ضمن فريق عمله، ويُتيح للفتيات فرصاً للمشاركة في فعاليات متعددة ومن ضمنها سلسلة وظائف المستقبل، التي تُعرّفهن على أدوار مهنية مستقبلية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الاستدامة، والتكنولوجيا الزراعية، ضمن بيئة تعليمية تفاعلية تُشجع على الفضول والاكتشاف".
صباغة مستقبل مشرق

تحدثت ميثاء عن الدور الذي يقوم به متحف المستقبل رسم ملامح الغد للمرأة الإماراتية، إذ قالت: "المرأة الإماراتية اليوم ليست فقط شريكاً في مسيرة التطوير، بل هي في طليعة من يُسهمون في رسم ملامح المستقبل. ويتجلى هذا الدور في متحف المستقبل بوضوح، لأن المرأة حاضرة في كل تفاصيل العمل، من القيادة إلى الإبداع، ومن التخطيط إلى التنفيذ. فهي تُشارك في صياغة الرؤى، وتقترح المبادرات، وتُدير المشاريع، وتُصمّم التجارب التفاعلية التي تُلهم الزوار وتُحفّزهم على التفكير النقدي. ونتطلع إلى استمرار مساهمة المرأة الإماراتية في هذا المسار الريادي، وأن تكون صوتاً فاعلاً في النقاشات العالمية حول مستقبل التكنولوجيا، والاستدامة، والتعليم. بخبراتها المتنوعة، ورؤيتها المتقدمة، تُسهم المرأة في بناء مجتمع أكثر شمولاً وتوازناً، حيث تُستخدم التكنولوجيا كأداة تمكين، لا كغاية بحد ذاتها. إن تمكين المرأة في المتحف ليس مجرد تمثيل رمزي، بل هو التزام حقيقي بإبراز قدراتها، وتوفير المساحات التي تُتيح لها التأثير والمساهمة في صياغة مستقبل أكثر إشراقاً للجميع.