ومن الشعر ما قتل.. قصص مؤثرة عن شعراء معروفين قتلتهم الأشعار

من الشعر ما قتل
الكلمة مسئولية والشاعر يضحي في سبيل كلمته وشعره (ألمصدر: pexels)
الكلمة ذات تأثير مهيب لا يدركه إلا كل ذي عقل منيب، يدرك ما تفعله من سحر عجيب.
فقد ترفع صاحبها لمراتب النجوم أو تهوى بقائلها لجب سحيق.
فيجد مجدا من زخرف وزبرجد وعقيق، أو يلقى مصير ردي لا يطيق
وهو فعل الكلمة، فكم حُذرنا من كلمة، وكم حذّرنا من كلمة، وكم أحيتنا كلمة، وكم قتلتنا كلمة..
فلطالما كانت الكلمة ذات شأن عظيم خاصة لدى العرب، فحضارة العرب قامت على كلمة، ودين العرب كان بالكلمة، وشرف العرب كلمة، ومعجزة العرب كانت فى الكلمة.
وفي ظل احتفاء المملكة السعودية وشعورها بمسئولية الكلمة، وفي محاولة لاستعادة هيبة ومجد الكلمة أطلقت العام الحالي (2023) ليكون عام الكلمة (عام الشعر العربي)، سيدتي تحدثك بالسياق التالي كيف كان شأن الكلمة لدى العرب، وكيف يمكن ان توردهم موارد التهلكة فمن الشعر ما قتل..

- المتنبي قتله أحد صعاليك العرب


المتنبي أحد أشهر الأمثلة على من قتلتهم كلماتهم، فقد جاءت نهايته ليس لأنه هجا حاكم أو ذو شأن فانتقم منه وأورده مورد التهلكة ولكنه هجا المتنبي أحد صعاليك العرب وهو ضبة بن يزيد الأسدي هجاء شديدا فثارت ثائرة الإعرابي ولم يكن ذو شأن بل كان ممن عُرف عنه قطع الطريق ونهب وسلب القرى والمسافرين، فقتل المتنبي ثأرًا بما هجاه من شعر وصحت مقولة من الشعر ما قتل .. يقول المتنبي
ما أَنصَفَ القَومُ ضَبَّه
وَأُمَّهُ الطُرطُبَّه
رَمَوا بِرَأسِ أَبيهِ
وَباكَوا الأُمَّ غُلُبَّه
يمكنك التعرف على المزيد بذات السياق من خلال المتنبي .. الشاعر الذي قتله بيت شعر وخلده التاريخ

- بشار بن برد قتلته طلاقة لسانه

كان من اشعر شعراء الدولة العباسية وعرف أنه قليل التكلّف وكثير الافتتان، ذو شعر غزير وهجاؤه زئير، يجيد اللوم والتقريع، سمح القريحة، وكان سريع الهجاء، وسريع الغضب، وشجاع القلب، وثابت الرأي، وعندما هجا الخليفة المهدي ووزيره يعقوب بن داوود بعد ان امتنعا عن إعطائه الهدايا، فوصل الخبر إلى الخليفة فأمر بالقبض عليه وضربه سبعين جلدة بالسوط حتى الموت، فحُمل في سفينة، وجلد بها حتى زهقت روحه، ثم أُلقي جثمانه في نهر دجلة.
ومن شعره بالهجاء ل بني سدوس
كَأَنَّ بَني سَدوسٍ رَهطِ ثَورٍ
خَنافِسُ تَحتَ مُنكَسِرِ الجِدارِ
تَحَرِّكُ لِلفَخارِ زُبانَيَيها و
فَخرُ الخُنفُساءِ مِنَ الصَغارِ.

- طرفة بن العبد هجا ملك الحيرة فغدر به

كان على ود مع ملك الحيرة عمرو بن هند يمدحه ويجزل بالثناء عليه، لكنه تغير عليه فهجاه، فأوغر صدر الملك ضده، فأرسل معه رسالة إلى أحد عامليه يقول فيها: إذا جاءك كتابي هذا فاقطع يدي من يحمله ورجليه وادفنه حيّاً، وهو ما فعله الرجل حيث قطع يدي ورجلي طرفة ودفنه حيًا طاعة لأوامر الملك، ومن هذا الهجاء الذي تسبب في وفاة طرفة، وكان من الشعر ما قتل
فليتَ لنا مَكانَ المَلْكِ عَمْرٍو
رغوثاً حولَ قبّتِنَا تخورُ
لعمركَ إنَّ قابوسَ بنَ هندٍ
لَيَخْلِطُ مُلْكَهُ نُوكٌ كثيرُ
قسمتَ الدّهرَ في زمنٍ رخيٍّ
كذاكَ الحُكْمُ يَقْصِدُ أوْ يَجورُ

- شاعر يتسبب بموت حبيب أضناه الهوى


هذه المرة لم يُقتل الشاعر بسبب هجائه او طول لسانه، بل كان من الشعر ما قتل لشاب محب أضناه الهوى، فمما يُحكى بالأثر أن الأصمعي وهو شاعر وعالم، فهو أول عالم مسلم درس الحيوانات بالتفصيل وله العديد من المؤلفات، والحكاية أن الأصمعي كان بطريقه ذات يوم فمر بجدار كتب عليه أحد الفتيان :
أيا معشر العشاق بالله خبروا إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع؟
فرد عليه الأصمعي على الجدار كاتبًا:
يداري هواه ثم يكتم سره ويصبر في كل الأمور ويخشع
في اليوم التالي وجد الأصمعي الفتى قد كتب على الجدار :
وكيف يداري والهوي قاتل الفتى وفي كل يوم قلبه يتقطع ؟
فأجابه الأصمعي :
فان لم يجد الفتى صبرا لكتمان سره فليس له عندي سوي الموت أنفع
وفي اليوم التالي مر الأصمعي بالمكان فوجد الفتى ميتا وقد كتب هذا البيت:
سمعنا وأطعنا ثم متنا فبلغوا سلامي إلى من كان للوصل يمنع .

أعشى همدان هجا الحجاج فضرب عنقه

من أشعر شعراء الدولة الاموية هو من قبيلة حاشِد الهَمْدانية القحطانية، وقد خرج على الدولة الاموية مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث سنة 82 هـ، أيام ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي. كان من أشد المتحمسين لثورة ابن الأشعث، لكن الثورة فشلت، فأسر أعشى همدان وأمر الحجاج بضرب عنقه سنة 83 هـ.
وفي هجائه للحجاج ومدحه لعبد الرحمن بن الأشعث يقول
يا ابن الأشجّ قريع كن‍ـ...ـدة، لا أبالي فيك عتبا (6)
أنت الرئيس ابن الرئي‍ـ...ـس، و أنت أعلى الناس كعبا
نبّئت حجّاج بن يوس‍ـ...ـف خرّ من زلق فتبّا (7)
فانهض فديت لعلّه... يجلو بك الرحمن كربا
و ابعث عطيّة بالخيو... ل يكبّهن عليه كبّا

- ابن الرومي قُتل خوفًا من سلاطة لسانه

أحد أشعر شعراء العصر العباسي، شهدت حياته الكثير من المآسي، وكان موصوم بسوء الحظ، وكان سليط اللسان، واضح البيان، يملك ناصية اللغة، يشارك جمهوره ومريديه في مصائبه، دائم التذكير بالألم والموت، وكان الملوك يخشون شعره فقد عاصر ثمانية من الخلفاء العباسيين، وقتله القاسم بن وهب وزير المعتضد بالسم بعد أن سمع قصائده خشية أن تصله سهام هجائه، ومما قاله ابن الرومي بالهجاء:
يا مُستقرَّ العار والنقصِ
أغْنتْ مخازيك عن الفحصِ
أنت الذي ليست لسوآتِه
ولا لنُعْمى اللَه من مُحصي
معايبُ الناس وسوآتُهُم
قد جُمعت لي منك في شخص