الفائز بجائزة العلا للتصميم إسماعيل حطيط: الاستدامة أساس في عملي

المصمم إسماعيل حطيط في العلا
المصمم إسماعيل حطيط أمام جمل مزين بـ"سكينلال"

فاز المُصمّم اللبناني إسماعيل حطيط، بجائزة العلا للتصميم، في نسختها الأخيرة، التي هدفت وبالتزامن مع عام الإبل في المملكة العربية السعودية، إلى تشجيع المُصمّمين والفنّانين والمُبدعين على إعادة تصور الجِلال أو الكساء التقليدي الذي يوضع على ظهر الجمل، وتقديمه بصورة معاصرة.
حطيط، خريج الجامعة الأميركية في بيروت، أسّس استديو خاصًّا به سمّاه "إسماعيل يصمّم" Ismail Designs، في باريس، المدينة التي تلهمه في أعماله التي تركز على الشرق الأوسط وناسه وتراثه، وتتكئ على مفهوم الاستدامة. هو شخص مُنظّم في أفكاره ومُتطلّب في أعماله، التي تقوم على بحوث حثيثة وتُثمر تصميمات في مجالات عدة، من بينها منتجات وظيفيّة تضع الحرف اليدوية في الصدارة.
في الحوار الآتي نصه، يتحدّث إسماعيل لـ"سيدتي" عن فلسفته التصميميّة و"جائزة الأجلة" من العلا والمشاريع المستقبليّة.

المصمم اللبناني إسماعيل حطيط

منصة تعاونية بين المصمم ومجتمعه

تشمل أنشطة استوديو "إسماعيل يصمّم"، والكائن في باريس، هندسة العمارة والتصميم الداخلي وتصميم المنتجات؛ ماذا يعني لك التصميم بشكل عام؟
التصميم، عمليّة مُتعدّدة الأوجه، تتجاوز الجماليات لتنطوي على منصّة تعاونيّة بين المُصمّم ومُجتمعه. أعتقد أن الاستدامة والرفاهية، عاملان ضروريان في أي عمل تصميمي، حتّى يكون للأخير تأثير إيجابي على محيطنا وكوكبنا. سواء كان المشروع التصميمي عبارة عن مُنتج مادي أو مساحة أو واجهة رقمية، أشرع في العمل من الفهم الشامل للسياق والسلوك البشري، حتّى أتمكن من إنشاء تجارب تصميم مبتكرة. هذه هي الطريقة التي بنيت بحسبها منهجية عملي التي أسميها "العواطف الرقمية"، حيث أنظر إلى الترابط بين التصميم والتكنولوجيا، والسلوك البشري والعواطف، والتاريخ والثقافة لإنشاء أنظمة تصميم تعاونية وتجارب تصميمية لا تُنسى. في الجوهر، أعتقد أن التصميم هو عملية شاملة وديناميكية، يتداخل فيها الإبداع والوظيفة والتعاطف لخلق المعنى والتفاعل والحيوية، وذلك في الأماكن التي تفتقر إليها.

تصميم المنتجات في العالم العربي

تعمل في مجالات تصميميّة عدة، بما في ذلك تصميم المنتجات: ما رأيك في مستوى تصميم المنتجات في العالم العربي؟ هل هناك أي تطورات جديرة بالملاحظة في المجال؟
بصفتي مُصمّمًا عمل في مجالات تصميميّة عدة، أعتقد أن مشهد تصميم المنتجات في العالم العربي نابض بالحياة ومُتطوّر بالكامل، ويتميّز باحترام عميق للتقاليد، جنبًا إلى جنب مع نهج تطلّعي للابتكار والتكنولوجيا والاستدامة. فخور للغاية بكوني جزءًا من هذا النظام المتطوّر وبالاعتراف بعملي من جائزة العلا للتصميم، في بداية مسيرتي المهنية. لقد قطعت، على غرار المصممين في منطقتنا خطوات كبيرة، ليس من ناحية الإبداع والأصالة فحسب، ولكن أيضًا في إطار مساهماتنا في اتجاهات التصميم العالمية وجهود الاستدامة. تدعم نموّ مجال تصميم المنتجات، شبكة سريعة التوسّع تضمّ اللجان والمؤسسات ورجال الأعمال، الذين يبذلون جهودًا كبيرة لوضع تصميم المنتجات من العالم العربي على الخريطة العالمية، مثل: الهيئة الملكية لمحافظة العلا والأميرة نورة بنت محمد الفيصل.

التصميم المستدام

ماذا عن الاستدامة في مجال التصميم، خصوصًا أنك تحمل شهادة في هذا المجال من إحدى الجامعات الإيطالية؟
صحيح؛ دُعيت إلى جامعة Iuav di Venezia في إطار برنامج للمنح الدراسية لإجراء دراسة بحثية عن التصميم الحضري المستدام وتصميم المنتجات. وكانت التجربة مُمتعة للغاية، فقد شملت اكتشاف المنطقة الصناعية المهجورة في مارغيرا بـالبندقية واقتراح خطّة حضرية مُستدامة لإعادة تأهيلها. تعلّمت من هذه التجربة أن التصميم المستدام ليس مجرد اعتبار أخلاقي أو بيئي، بل هو نهج استراتيجي يمكن أن يوصل إلى الابتكار والفوائد الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية. التصميم المستدام ضروري لخلق مستقبل مستدام وإحياء المنطقة التي لم تعد هناك حاجة إليها وإعادة الحياة إليها والازدهار. يعدّ تبني مبادئ التصميم المستدام أمرًا بالغ الأهمية في ظل الحاجة البيئية الملحة راهنًا حيث يحتاج كل من الشركات والمصممين والمجتمعات إلى العمل معًا لبناء مستقبل أكثر إنصافًا.

طبيعة العلا ملهمة

"سكينلال" عبارة عن الجِلال أو الكساء الذي يوضع على ظهر الجمل

أوضح للقرّاء المفهوم الكامن خلف تصميمك الفائز بـ"جائزة العلا" والمواد ومصادر الإلهام؟
بالعودة إلى الاستدامة، يأخذ تصميمي الفائز بجائزة العلا للتصميم 2023 البيئة في الاعتبار، وهذه الأخيرة عنصر أساس في العمل. اسم التصميم هو "سكينلال" Skinlal أو "جلدلال"، والأخير عبارة عن الجِلال أو الكساء الذي يوضع على ظهر الجمل. وقد استلهمته من الطبقات المعقدة للطبيعة والتاريخ التي تتداخل وتتقاطع، بطريقة فريدة، في منطقة العلا. وتخيلت أن كل خطوة يخطوها الجمل مرتديًا "سكينلال" ستكون بمثابة دعوة جديدة من أجل مستقبل أكثر استدامة. كانت نقطة البداية هي دراسة النقوش الهندسية على الصخور، والتي خلفتها الحضارات، مع التركيز على الأبجدية النبطية. كما، ألهمني التنوع البيولوجي الغني في منطقة العلا، والذي لم أكن على دراية به. أضيفي إلى ذلك، أجريت بحثًا دقيقًا حول حيوانات المنطقة، قررت إعادة تصور أوراق شجرة نخيل بصورة تجريدية، علمًا أن النخيل هو المصدر الطبيعي الأكثر وفرة للمغذيات في المنطقة. غطاء الجِلال مصنوع يدويًّا بالكامل على يد حرفيين في لبنان لم يسبق لهم العمل في مشروع بهذا التعقيد من قبل، علمًا أن التصميم كان يتطور مع كل مناقشة أجريها مع الحرفيين. يعكس التصميم نهجًا تعاونيًّا؛ في هذا الإطار، تمكنا من العثور على خيوط من القطن الخالص من مصادر مستدامة لصنع هذا الغطاء الكبير الجميل المنسوج يدويًّا. استغرق إنشاء النموذج الأولي للتصميم أكثر من 1000 ساعة عمل.

إلى أي مدى تعتقد أن هذا النوع من الجوائز يفتح أبوابًا أمام المُصمّمين العرب؟

نظرة مقربة إلى تصميم "سكينلال" الفائز بجائزة العلا للتصميم

تُقدّم جوائز التصميم، في العموم، فرصاً عظيمةُ لمُصمّمين من العالم العربي وتحثّهم على التركيز على موضوعات مُتعلّقة بثقافتنا. في جانب جائزة العلا للتصميم، هي دعوة دولية مفتوحة؛ فقد كان المرشّحون متنوعين للغاية وهم جاءوا من أنحاء مختلفة من العالم، الأمر الذي يعزز التبادل الثقافي ويؤثر على اتجاهات التصميم العالمية. على المستوى الشخصي، كانت المشاركة والفوز بهذه الجائزة مصدرًا كبيرًا للإلهام والتحفيز، لأن جائزة العلا للتصميم تؤكد على التراث الثقافي الغني للعالم العربي، مع الدعوة إلى التصميم الواعي والمستدام.

السفر والمدن

إلى أي مدى يلهمك كل من السفر والمدن، خصوصًا أن نشاطك موزع بين لبنان، وطنك، وباريس، موقع الاستوديو، بالإضافة إلى رحلاتك إلى العديد من الدول لتنفيذ مشاريعك أو عرضها؟
هذا سؤال يعني لي كثيرًا، خصوصًا أني أتحدر من عائلة متواضعة في بيروت. بالتالي، لم يكن السفر خيارًا لي. كما درست في الجامعة الأميركية في بيروت، ضمن منحة. محظوظ لأني تمكّنت من زيارة مدن عدة في أنحاء العالم، في إطار أعمالي الإبداعية، وخصوصًا مساهمتي في المشروع البحثي Beirut Shifting Grounds، الذي كان جزءًا من بينالي البندقية عام 2021. وممتنّ للحصول على جائزة العلا للتصميم، التي تُمثّل اعتراف جائزة دولية بعملي، ولإتاحة الفرصة لي لزيارة هذه المدينة القديمة التي تتحوّل يوميًّا، وبطريقة مُستدامة، بجهود الهيئة الملكية لمحافظة العلا. هذا حدث مُميّز في حياتي وسيظلّ على الدوام مصدرًا للإلهام. باريس، بدورها، التي أعيش فيها ويقع فيها الاستوديو الخاصّ بي، مصدر إلهام يومي. يرجع الأخير لثقافة المدينة النابضة بالحياة ومشهدها الفني الضخم. كوني محاطًا بالثقافة الغربية المُذهلة، فيما أعمل على مشاريع تدور حول مواضيع شرق أوسطية يوحي لي بصورة رائعة ويُعزّز الجانب الإبداعي في.

مشاريع مستقبلية

ما هي المشاريع التي تُركّز عليها، في الوقت الراهن وفي المستقبل القريب؟

أقود مُحادثات، مع فريق جائزة العلا للتصميم، حول إمكانية إنتاج Skinlal، لطلب حصري للهيئة الملكية لمحافظة العلا. قد يؤدي هذا المشروع إلى مشروع أكبر حول الدفاع عن ثقافة وتراث الشرق الأوسط، مع الدعوة إلى الأزياء والتصميم المستدامين. آمل حقًا أن يبصر هذا المشروع النور في وقت قريب.
مشروع آخر أعمل عليه، والأخير عزيز على قلبي، مُتمثّل في الإدارة الإبداعية لعمل رسّام وفنّان فرنسي سيعرض في كاروسيل اللوفر (مركز تجاري ضخم يقع بالقرب من متحف اللوفر في باريس)، خلال نوفمبر من العام الجاري (2024). لناحية المشاريع المُستقبلية، أهدف إلى مواصلة المُساهمة في مجال التصميم عبر أفكار مبتكرة وتجارب تصميمية، مع العمل بشكل أكثر استباقية في الدعوة إلى الاستدامة وإبراز ثقافة العالم العربي.
___