تُغطي هندسةُ المناظرِ الطبيعيَّة طيفاً واسعاً من المجالات، وتشملُ العلومَ البيئيَّةَ والفنون، فالحدائقُ والمتنزَّهاتُ والأحياءُ، وحتى المدن، كلُّها تُقدِّم أمثلةً على هندسةِ المناظرِ الطبيعيَّة، والأخيرةُ شكلٌ فنِّي، يُسهم في إنشاءِ مساحاتٍ عامَّةٍ وخاصَّةٍ جميلةٍ، يستمتعُ بها الناس. وفي حين أن بعض أفكارِ تصميمِ المناظرِ الطبيعيَّة، تعدُّ كلاسيكيَّةً لا تتغيَّر، يبحث مهندسوها دائماً عن أفكارٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ لتطبيقها. للتعرُّفِ أكثر على تخصُّص هندسةِ المناظرِ الطبيعيَّةِ وتطوُّراته، حاورت «سيدتي» المهندسَ المعماري المصري أحمد درويش.
عرِّف القرَّاءَ بدايةً عن نفسك، وما الذي دفعك إلى اختيارِ هذا المجال؟
المهندسُ أحمد درويش خريجُ كليَّةِ الهندسة، قسم العمارة، ومؤسِّسُ ومالكُ شركةِ Ahmed Darwish design’s. والدي كان مهندساً مدنياً، وهذا ما جعلني شغوفاً بالهندسةِ، خاصَّةً العمارةَ والتصميمَ الداخلي، إذ إن تحقيقَ متطلَّباتِ العميل في مسكنه أكثر ما يُشعِرني بتحقيق أهدافي.

ما تخصُّصاتُ مهندسِ المناظرِ الطبيعيَّة؟
تخصُّصُ تصميمِ المناظرِ الطبيعيَّةِ واسعٌ، ويشمل التصميمَ، والتخطيطَ الحضري، وتصميمَ وتنسيقَ الحدائق، وتصميمَ الميادين العامَّة، وغير ذلك، لكنَّني سأركِّزُ على تصميمِ المناظرِ الطبيعيَّةِ للوحداتِ السكنيَّة حيث يكون المصمِّمُ ملماً بمبدأ الاستدامةِ، ودراسةِ المناخ، والمعرفةِ العامَّةِ للتربة، إضافةً إلى دراسةِ أنواعِ وخصائصِ النباتات، والأسسِ التصميميَّةِ للمناظرِ الطبيعيَّة، ودراسةِ تخطيطِ المساحاتِ الخضراء والمفتوحة.
أين يمكن أن يبرزَ عملُ مهندسِ المناظرِ الطبيعيَّةِ داخل المنزل؟
من خلال ربطِ المساحاتِ الداخليَّةِ بالمناظرِ الطبيعيَّة، أي عبر تصميمِ الترَّاساتِ والأسطح، وتصميمِ فراغاتٍ بعينها داخل المنزل مثل أسفلِ السلالم، والفناءِ الداخلي في حال كان موجوداً.
ماذا تعني لك الطبيعةُ، وهل تُحبُّها بشكلها الخامِ أم مهذَّبةً؟
في إجابتي، أستشهدُ بمقولةٍ لمصمِّمِ الأزياءِ البريطاني ألكسندر ماكوين: «لا يوجدُ مصمِّمٌ أفضل من الطبيعة». الطبيعةُ، هي مصدرُ الإلهامِ، وبُنِيت عليها كلُّ أسسِ التصميم، لذا أفضِّل الطبيعةَ بشكلها الخام، خاصَّةً عند دمجِ المباني بها، إذ غالباً ما تستلهمُ الهندسةُ المعماريَّةُ من الطبيعة، سواء في شكلِ المبنى، أو تصميمِ الواجهات أو حتى في آليةِ عملِ مبنى بأكمله.

مع الاتِّجاه نحو الفخامةِ في ديكورِ الحديقةِ، كيف ينعكسُ ذلك على ديكورِ المناظرِ الطبيعيَّة؟
تشملُ الخاماتُ التي تضيفُ الفخامةَ إلى تصميمِ الحديقة عناصرَ عدة، من أهمِّها: رخامٌ راقٍ مثل ترافنتاين، أو الباتاجونيا، أو أونكس، يمكن إضاءته.
أخشابٌ فخمةٌ مثل الزانِ، والصنوبرِ، تتحمَّلُ الظروفَ المناخيَّة.
تصاغ الخاماتُ المذكورةُ ضمن تصميمٍ، يُحقِّق مجموعةً من العناصرِ الأساسيَّةِ مثل الوحدةِ، والتوازنِ، والبساطةِ، والتنوُّعِ، والتسلسل، علماً أن ربطَ هذه العناصر، ينتجُ عنه خلقُ مساحةِ معيشةٍ خارجيَّةٍ عمليَّةٍ وممتعةٍ.
لماذا يهتمُّ مُلَّاك المنازلِ بهندسةِ الديكور أكثر من هندسةِ المناظرِ الطبيعيَّة؟
راهناً، أصبح العميلُ يهتمُّ بتصميمِ المناظرِ الطبيعيَّةِ مثل اهتمامه بتصميمِ الفراغاتِ الداخليَّة. لا يتعلَّقُ الأمرُ بالتصميمِ الذي يجذبُ البصرَ حصراً، بل بالعمليَّةِ أيضاً، أي بالتناسبِ مع ممارسته عديداً من الأنشطةِ داخل الحديقةِ، أو الفناءِ الخارجي «شواءٌ، وإقامةُ حفلاتٍ، واستضافةُ تجمُّعاتٍ عائليَّةٍ، ووجودُ حوضِ سباحةٍ يناسبُ أفرادَ الأسرة».
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط

في وقتٍ يُراعي فيه المصمِّمون البيئةَ، ويعتمدون الاستدامةَ في مشروعاتهم، وتصاميمهم من الموادِّ، ما دورُ مهندسِ المناظرِ الطبيعيَّةِ في هذا الإطار؟
تحقيقُ الاستدامةِ أحدُ أهمِّ أدوارِ مهندسِ المناظرِ الطبيعيَّة، وهو يتحقَّقُ عبر اختيارِ النباتاتِ المناسبة، وتصميمِ المساحاتِ الخضراء بشكلٍ مدروسٍ، يتناسبُ مع المناخِ، والظروفِ البيئيَّةِ لكلِّ مكانٍ على حدة، فضلاً عن إدارةِ المياه بفاعليَّةٍ باستخدامِ تقنيَّاتٍ مثل أنظمةِ الري الذكيَّة، وتجميعِ مياه الأمطار، والحدائقِ المطريَّة Rain Gardens لتقليلِ الهدر. هذا إضافةً إلى تحسينِ جودةِ الهواء عن طريقِ النباتاتِ والمساحاتِ الخضراء المُصمَّمة جيداً حيث تُسهم في خفضِ درجاتِ الحرارة، وتحسينِ جودةِ الهواء، وتوفيرِ الظلِّ. ولا يغفلُ عن إعادةِ استخدامِ الموادِّ، وتقليلِ النفاياتِ باختيار موادَّ مستدامةٍ في تنسيقِ المواقع مثل الأخشابِ المُعادِ تدويرها، أو الأحجارِ المحليَّة، ما يُقلِّل من البصمةِ الكربونيَّةِ للمشروع.
ما الذي يجعلُ من حديقةِ منزلٍ مميَّزةً، هل الأمرُ ذوقٌ شخصي أم أن هناك معاييرَ، تُحدِّد نجاحَ المشروع؟
الحديقةُ المميَّزة، هي مزيجٌ بين الذوقِ الشخصي، ومعاييرِ التصميمِ الصحيحة التي تُراعي الراحةَ، والجمالَ، والاستدامةَ، وتوفيرَ الأمانِ والخصوصيَّةِ للمستخدمين. الذوقُ الرفيعُ وحده لا يكفي فقد تنتجُ عنه مساحاتٌ غير عمليَّةٍ، لذا يلزم وجودُ تخطيطٍ جيِّدٍ.
هل يجب أن يحترمَ مهندسُ المناظرِ الطبيعيَّةِ محيطَ الفيلا، أو المنزل، وأن يلتزمَ بزراعةِ المزروعاتِ عينها، ويستخدم الألوانَ ذاتها، وهل من أساليبَ مختلفةٍ في إطارِ هذه الهندسة؟
المصمِّمُ الناجحُ، لا يُقلِّد، ولا يُقيَّد بالمحيط، بل يترجمُ العناصرَ المحيطةَ به «طرازُ واجهاتٍ، وألوانٌ معيَّنةٌ، ونباتاتٌ متكرِّرةٌ»، ويعيدُ صياغتها من خلال تصميمٍ مبتكرٍ، يضمُّ عناصرَ جديدةً ومختلفةً. أساليبُ هندسةِ المناظرِ الطبيعيَّةِ كثيرةٌ، أذكرُ منها:
خطوطٌ مستقيمةٌ Straight lines، وهو أسلوبٌ كلاسيكي، ويُستَخدمُ بكثرةٍ. خطوطٌ غير مستقيمةٍ Non-straight lines، وهو أسلوبٌ، يحترمُ تجربةَ المستخدمِ من خلال اختصارِ مساراتِ الحركةِ الطويلة التي تخلقها الخطوطُ المستقيمة. خطوطٌ ناعمةٌ Smooth lines، وهو الأسلوبُ المفضَّلُ لدي، لأنه يُحاكي انسيابيَّةَ خطوطِ الطبيعة.

تواكبُ النباتاتُ الداخليَّةُ الموضةَ على غرارِ قطعِ الأثاث، ما موقفك من ذلك، وهل يمكن الحديثُ عن نباتاتٍ دارجةٍ أخيراً؟
صحيحٌ. أصبحت النباتاتُ في تطوُّرٍ مستمرٍّ مثل قطعِ الأثاث، وهناك توجُّهاتٌ كثيرةٌ في اختيارِ أنواعها، وأشكالِ أحواضها، وحتى طرقِ عرضها. هذا أمرٌ إيجابي جداً، لكنْ بشرطَين: اختيارُ النباتِ بناءً على بيئةِ المكان، وليس فقط على شكله، أو شهرته، أي عدمُ شراءِ نباتِ فيكس بنجامينا لفراغٍ مظلمٍ، أو صبَّارٍ لمساحةٍ رطبةٍ لمجرَّد أنه موضةٌ، فضلاً عن فهمِ أن النباتَ كائنٌ حي، وليس ديكوراً فقط، بالتالي يحتاجُ إلى رعايةٍ، وضوءٍ، وماءٍ، وصبرٍ، وإلا سيفقدُ رونقَه بسرعةٍ. ومن النباتاتِ الدارجةِ حالياً نباتُ جلدِ النمر، والكالاتيا.
حدِّثنا عن مشروعاتكِ الأخيرة؟
بعد تسليمِ مبنى إداري ضخمٍ لشركة الجواد بالتجمُّع الخامسِ في القاهرة، أركِّزُ حالياً على مشروعاتٍ، تتضمَّن تحدِّياتٍ جديدةً، منها فيلا سكنيَّةٌ في لندن، وفندقٌ في منطقةِ الأهرامات، يعتمدُ تصميمه على محاكاةِ الحضارةِ الفرعونيَّة، وقصرٌ لإحدى العائلاتِ في الإمارات العربيَّة المتَّحدة، ومقرٌّ إداري في مدينة جدة، وآخرُ لشركةِ إرث العقاريَّة.
* الصور من المهندسَ المعماري المصري أحمد درويش