mena-gmtdmp

حكايات التراث: إبداع إماراتي يتجاوز الزمن في أسبوع دبي للتصميم 2025

في قلب "أسبوع دبي للتصميم"، الحدث الذي حوّل دبي إلى عاصمة عالمية للإبداع، برز جناح فائق الخصوصية والأهمية: "معرض المصممين من الإمارات"؛ هناك، ليست المعروضات مجرد قطع أثاث أو ديكور، بل هي بمثابة بيان ثقافي عميق، ونافذة تطل على الروح المبدعة للجيل الجديد من المصممين الإماراتيين. وهناك، لم تُعرض "الأشياء" فحسب، بل سُردت "الحكايات". بدعم من "هيئة دبي للثقافة والفنون"، قدّم المعرض أعمالاً لأكثر من 30 مصمماً واستوديو مستقل يجمعهم خيط واحد: البحث عن الهوية. إنهم لا يكتفون بتقليد المدارس العالمية، ولا يجترون الماضي بصورة نمطية، بل يخوضون حواراً جريئاً بين التراث الإماراتي العريق ومتطلبات الحياة المعاصرة. والنتيجة هي لغة تصميم جديدة، لغة "إماراتية" بامتياز، تهمس فيها "البراجيل" في أذن "اللاونج" العصري، وتتحول فيها أساطير الجدات إلى قطع فنية وظيفية. في هذه السطور، تأخذ "سيدتي" القراء والقارئات في جولة عميقة داخل فلسفات هؤلاء المبدعين الذين يثبتون أن المستقبل لا يُبنى إلا على أساسات قوية من التراث.

معرض المصممين من الإمارات في أسبوع دبي للتصميم 2025

"معرض المصممين من الإمارات": هوية إبداعية تُعززها "دبي للثقافة"

لم يعد التصميم في الإمارات مجرد ترف بصري، بل تحول إلى ركيزة أساسية في الاقتصاد الإبداعي؛ "معرض المصممين من الإمارات" هذا العام دليل ساطع على النضج الذي وصلت إليه الساحة المحلية، مع أهمية الإشارة إلى أن الدعم المؤسسي، ممثلاً في "هيئة دبي للثقافة والفنون"، لا يقتصر على توفير مساحة عرض، بل يمتد ليشمل التمكين وبناء منظومة متكاملة تحتضن المواهب وتدفعها نحو العالمية. فقد شكل "معرض المصممين من الإمارات" منصة حيوية أتاحت  للـمصممين المستقلين عرض أعمالهم، وهذه الأخيرة تجاوزت حدود التقليد، وأظهرت كيفية تفكيك الموروث الشعبي وإعادة تركيبه بجرأة. بعبارة أخرى، استلهم المصممون المشاركون في "المعرض" الأنماط، والخامات، وحتى الفلسفات الحياتية الإماراتية القديمة، ثمّ صبوها في قوالب حديثة لغرض تلبية أذواق واحتياجات الجيل الحالي. بالتالي، يُفهم أن هذا الدعم للمصممين الإماراتيين ليس مجرد رعاية، بل هو استثمار استراتيجي في "القوة الناعمة" لدولة الإمارات، حيث يصبح التصميم سفيراً ثقافياً يحكي قصة الدولة، قصة التطور المذهل الذي لم ينسَ جذوره يوماً.

دنى ودانية العجلان: كل قطعة أثاث تروي حكاية

"سعادتنا كبيرة بالمشاركة للمرة الثالثة على التوالي، فهذه فرصة لنبين ثقافتنا وتراثنا من خلال التصميم"، بهذه الكلمات، لخصت المصممة دنى العجلان جوهر مشاركتها في المعرض، برفقة دانية العجلان، فهما قدمتا نموذجاً لتصميم يروي قصة، وهو ما تؤكده دانية بالقول: "كل تصاميمنا تروي قصة عن فترة زمنية من الإمارات". إشارة إلى أن ما تقدم ليس مجرد شعار تسويقي، بل هو نهج عملي واضح في قطع المصممتين، فالأرفف والطاولات الخشبية متعددة المستويات والألوان، ليست مجرد أثاث جميل، بل هي بمثابة سرد بصري. الألوان، والخامات، وطريقة تركيب القطع، كلها عناصر مستوحاة من فترات زمنية إماراتية، وقاصة قصة التحولات والتطور. توضح دانية: "كشباب، حابين ننقل قصة من كل تصميم"؛ هنا يكمن الفارق بين "المصمم" و"الحرفي"، فالمصمم في رؤية دنى ودانية هو "راوي" أو "حكواتي" يستخدم الخشب والمعدن واللون بدلاً من الكلمات. الثنائي المبدع يرفض فكرة التصميم "الأجوف" من المعنى، ويصرّ على أن كل قطعة تخرج من الاستوديو يجب أن تكون محملة برسالة ثقافية، رابطةً الجيل الجديد بتاريخه بطريقة مبتكرة ومحببة، بالتناغم مع أسلوب الحياة العصري.

للمشاهدة أيضاً: بالفيديو.. صمم في السعودية: إبداعٌ يُروى من أسبوع دبي للتصميم 2025

خالد الشاعر و"موزة": ازدواجية مبتكرة بين الحداثة والأصالة

قدّم المصمم خالد الشاعر، الذي شارك للمرة الثانية في الحدث التصميمي الأبرز في دبي، "كرسي موزة"، وهو واحد من أكثر المفاهيم إثارة للجدل الفكري والابتكار؛ في هذا الإطار، عبّر الشاعر عن فخره بالفرصة التي أتاحتها "هيئة دبي للثقافة" لعرض أعماله، علماً أن "موزة" هو أكثر من مجرد كرسي، بل هو تجسيد لازدواجية الهوية التي يعيشها الإنسان المعاصر. وشرح الشاعر أن "القطعة عبارة عن كرسي للاسترخاء Lounge Chair عصري، مصنوع من الحديد بتصميم انسيابي ومريح". لكن "العبقرية" تكمن في قدرته على التحول، فبلمسة بسيطة، يتغير الكرسي ليصبح "جلسة عربية"، علماً أن هذا التحول ليس مجرد خدعة تصميمية، بل هو بيان فلسفي عميق، اعتراف بأننا، كعرب وإماراتيين، نعيش بين عالمين: عالم Lounge Chair الذي يمثل الاسترخاء الفردي والراحة على الطراز الغربي، وعالم "الجلسة العربية" التي تمثل التواصل الاجتماعي، والقرب من الأرض، والأصالة. خالد الشاعر لا يطلب منا أن نختار بينهما؛ بل يقدم لنا حلاً عبقرياً يدمجهما ببعضهما في قطعة واحدة، مع القول: يمكننا أن نكون عصريين جداً، وأن نحافظ على أصالتنا العميقة في الوقت ذاته. كرسي "موزة" هو قطعة أثاث مشابهة للهوية الإماراتية المعاصرة: عالمية في مظهرها، وعربية في جوهرها.

"كرسي موزة" للمصمم الإماراتي خالد الشاعر

محمد السويدي و"أساطير": حين يصبح للتصميم جذور

وعلى بعد خطوات من المعرض، كانت أعمال استوديو "أساطير" في انتظار الزائرين، هناك لم نشاهد مجرد تصميم، بل استمعنا إلى حكاية مؤسس "الاستديو" محمد السويدي، وفلسفته المرتكزة على "إثراء المحتوى المحلي في الاقتصاد الإبداعي". الاسم وحده، "أساطير"، يحمل في طياته المهمة: تحويل القصص والروايات المحلية، من التراث الشفهي والمادي، إلى تصاميم ملموسة. عمل "أساطير" البارز هذا العام، والمتمثل في قطعة "وارش"، يعدّ مثالاً نموذجياً على هذه الفلسفة، فـ"وارش" قطعة معمارية كانت تستخدم في أسطح المنازل في حقبة الستينيات من القرن الماضي. وهي كانت جزءاً من النسيج العمراني والحياة اليومية. ما فعله "أساطير" ليس مجرد "إعادة تدوير" لشكل قديم، بل "إعادة إحياء" لفكرة. لقد استحالت "وارش" من قطعة معمارية خارجية منسية، إلى عنصر ذي معنى ووظيفة متمثل في فاصل داخلي فائق الأناقة والعصرية قابل للاستخدام بين الغرف المنزلية الداخلية. بذا، احتفظ التصميم الجديد بروح القطعة الأصلية، وبتلك الفراغات والأنماط التي كانت تسمح بمرور الهواء وتخلق ظلالاً فنية، ولكنه قدمها كمفردة ديكور "فانكشنال" أو عملية تتناسب مع المساحات المودرن. إنها قطعة تجسر الزمن، تربط بين ذاكرة الأجداد الذين عاشوا في بيوت الستينيات، وبين أحفادهم الذين يبحثون عن قطع فريدة لمنازلهم الذكية. استوديو "أساطير" لا يبيع أثاثاً، بل ذاكرة إماراتية قابلة للاقتناء.


قد يهمك الاطلاع أيضاً على: مصممون خليجيون من تشكيل يعيدون رسم الموروث بحس معاصر في أسبوع دبي للتصميم

لغة تصميم إماراتية جديدة: المستقبل يكتبه التراث

في تلخيص لـ"معرض المصممين من الإمارات"، يمكن القول إنه ولادة حقيقية للغة تصميم إماراتية مستقلة وواثقة؛ فمحمد السويدي أعاد إحياء الذاكرة المعمارية، والأختان العجلان حولتا التاريخ إلى قطع سردية، وخالد الشاعر دمج الوضعيات الثقافية بالحداثة، ما يعني أن القاسم المشترك بينهم جميعاً هو "الأصالة المبتكرة"، فالمصممون تجاوزوا مرحلة الاقتباس أو الاستلهام السطحي. إنهم "ينقبون" في التراث، يستخرجون جوهره الفلسفي والوظيفي، ثم يقدمونه للعالم في إطار عصري ومدهش، ويثبتون أن التراث لا يجب أن يظل حبيس المتاحف، بل هو مادة حية ومرنة، يمكن أن تكون مصدر إلهام لا ينضب لحل مشكلات الحاضر وتشكيل ملامح المستقبل. "أسبوع دبي للتصميم" و"معرض "المصممين من الإمارات" ليسا مجرد أحداث عابرة، بل هما مختبر إبداعي حي، يكتب فيه جيل جديد، بدعم من رؤية ثقافية واعية، فصلاً جديداً ومبهراً في قصة الإمارات، قصة تقول ببساطة: "جذورنا عميقة، وأغصاننا تعانق السماء".