حلم


نتقاسم قطعة حلوى ملفوفة بالكريما المزينة بحبات الجوز والبندق، لم نكن نعرف بعضنا، تقابلنا أمام بوفيه مدام روزا، وكانت كل منّا ترمق أطباق السكاكر والكعك وقوالب الحلوى، بمزيج من الخوف والرغبة، نظرنا لبعضنا، وابتسمنا، ثم انفجرنا ضاحكتين، واهتزت كيلواتنا الزائدة بمرح، لِمَ لا نتشاطر قطعة حلوى أمام فنجان شاي غير محلى؟ اقترحت عليّ، ومددت يدي إلى طاولة البوفيه، وعيناي تلمعان بحماس.

عرّفتها بنفسي، وأخبرتني بأنها من زبونات مدام روزا، الخياطة التي نظمت الحفل احتفاء بافتتاح محلها الجديد في المركز التجاري.

 تابعت بشوكتي فتات الحلوى اللذيذة التي أجهزنا عليها في ثوانٍ، وعادت تسألني: «هاه... ما حلمك»؟

ابتسمت بمكر: «ألا تحزرين؟ أتمنى لو كان بإمكاني أن آكل ما أشاء من الحلوى ولا يزداد وزني أبدًا!»»

ضحكت وقالت: «وأنا أيضًا...»

وضعنا شوكتيْنا، ولفَّنا الصمت للحظات، كسرتها تنهيدتها العميقة.

لديَّ زوج رائع، يحبني، ويرعى طفليْنا، ولكنه يعيش حالة غريبة، يقول إن حياته سلكت منعطفًا خطأً «أفرغ جانبًا مهمًّا منها من معناه،

كان لدى زوجي حلم، قالت: أراد أن يصبح باحثًا، درس بنجاح، وحصل على شهادة عليا في البيولوجيا، وسافر إلى الخارج، وتمكن بفضل منحة التفوق التي منحتها الجامعة له من تحضير دكتوراه في مجال تخصصه، وعاد إلى الوطن محملاً بشهادات تفوق وبزاد علمي وفير كان قد عزم على استثماره أكاديميًّا ومعرفيًّا، حلمه القديم صار على وشك التحقق، بدأ يستعد للاستمرار في أبحاثه، وتخصيص ما تبقى من عمره لخدمة هدفه العلمي النبيل، لم يكن يهمه أن يحصل على راتب جيد، أو يعيش في مستوى عالٍ، أو يحقق شهرة أكاديمية، أراد فقط أن يشارك في بناء صرح الحضارة العلمي... لكن والده مرض، ولم يعد يستطيع أن يشرف على محل الشوكولاتة الذي ورثه عن أجداده، عليَّ أن أشرح لك، عائلة زوجي معروفة بتجارة الشوكولاتة، أجداده أدخلوها لأول مرة إلى منطقة الجنوب، أجيال عديدة توارثت هذه التجارة، وزوجي أحدث ثورة عندما قرر أن يسلك طريقًا آخر، والده كان متفهمًا، لم يقف في وجه رغبته، بل على العكس، ساعده قدر ما يستطيع وأكثر، لكنه انهار عندما لزم الفراش وأحس بأن نهايته اقتربت، لم يتحمل أن يرى باب المحل مغلقًا، ولم يقبل أن يمسك زمام أموره غريب، انفطر قلبه، وتدهورت صحته، واضطر زوجي إلى التضحية مؤقتا بحلمه، حل محل والده، وانتظر بأمل أن تتحسن صحته، أو يقبل على الأقل أن يشرف على تجارته شخص يثق فيه ويطمئن إلى أمانته وإخلاصه.

لم يحدث شيء من ذلك، استعاد الوالد بعض عافيته، ولكنه لم يعد كما كان، أجبره الهرم على البقاء في البيت، واستمر زوجي في إدارة شؤون المحل، ودام الوضع على هذه الحال، وتقابلنا، وتزوجنا، وأنجبنا حسام وحسن.

توفي الوالد والوالدة بعد ذلك، وسافر زوجي إلى الخارج لشراء بعض لوازم تجارته، وحاول رؤية زملائه القدامى. وعاد مهمومًا وبائسًا...

هو الآن في أواسط الأربعين، يقول إن مجال تخصصه تغير، تطورات كثيرة طرأت ولم يواكبها، العلم يتقدم بسرعة مذهلة، ومعارف الأمس القريب تبعد سنوات ضوئية عن معارف اليوم، فما بالك بمعارف العقد الماضي؟

يصعب عليه أن يعود لأبحاثه، عليه أن يبدأ من الصفر، وينسى أن لديه عائلة، ويتجاهل الوعد الذي قطعه على نفسه حين كان والده يموت، بأن يرعى تجارته ولا يتركها يومًا لغريب.

حلم زوجي تبخّر، وجانب كبير من حياته لا معنى له الآن...»

جاء دوري لأتنهد بحزن، حكاية مؤلمة.

شبّكت يديْها تحت ذقنها، وأسرت إليّ: «طفلي حسام يريد أن يصبح رجل إطفاء، وحسن الصغير يحلم بزجاجة رضاعة لا يفرغ حليبها أبدًا. وأنا... أنا أتمنى ألا تسمم الخيبة حياتهما يومًا.

لم أجد ما أقوله لها.