قلوب وحيدة

الفتاة عبارة عن كتلة متحركة من العواطف والمشاعر، ومن أهم أهدافها في الحياة، تكوين أسرة تنعم في ظلها بالاستقرار والأمان والحماية، وتشبع غريزة الأمومة، وستظل تحلم وتنتظر وتترقّب ذلك الخاطب الذي يأتي ليطرق بابها ويحقق أحلامها.

وفي وقتنا الحالي، يعاني مجتمعنا من ارتفاع شديد في نسبة العنوسة، وتأخر سن الزواج؛ بسبب التعقيدات الاجتماعية، بجانب العقبات الاقتصادية، وربما النفسية والبيئية، وقد يرجع عدم الزواج لأمور خارجة عن إرادة الإنسان، أو إلى ظروف لا دخل له فيها، وهناك آباء يحرمون بناتهم من الزواج ومن السعادة، بسبب تقاليد بالية أو بوضع شروط صارمة، وتوجد الكثيرات ممن لم يحالفهن الحظ بالزواج، رغم قبولهن الزواج دون شرط أو قيد، رغم أنهن لا ينقصهن دين وثقافة وحسب ونسب، وهذه بعض القصص التي تدمي القلب، من الظلم الواقع على بعض الفتيات.

أخبرتني إحداهن فقالت: أنا شابة أريد الزواج وتكوين أسرة، أتمنى أن يكون لي زوج أحبه ويحبني، وأن يمنحني الله طفلاً يطغى على كل مشاعري، طفل أضمه إلى صدري، لكن مع الأسف فأنا أعيش في مأساة نتيجة الظلم والقهر لا يعلم عمق ألمها سوى الله، ومن سبَّب لي كل هذه المعاناة أقرب الناس لي، والدي، فكلما تقدّم لي خاطب ردّه بحجة أنني رافضة لفكرة الزواج، أو أنني لم أقبله وكل ذلك لأني موظفة، فهو يتسلم راتبي كاملاً، نهاية كل شهر، ويدعم تصرفه بقوله أنت ومالك لأبيك، حتى أصبحت أعاني أشد المعاناة بعد أن حرمني والدي الأمان والاستقرار والزواج والبيت الهادئ، بسبب مال يقتطعه من جهدي وتعبي نهاية كل شهر، حتى بدأت أكره وظيفتي وأكره حياتي، فهي بلا معنى ولا هدف، وصارحتني أخرى بكل حسرة، فقالت إن أكبر ما ينغص عليَّ حياتي هي نظرتي لنفسي، فكل من حولي ينظر لي  كأنثى غير مكتملة؛ لعدم زواجي حتى الآن! هذا عدا نظرة التساؤل السخيف عن سر عدم زواجي، ونسج شائعات من وحي الخيال حولي، مما يسبب لي الحزن والألم، فأصبحت أستثقل الحياة، فأي سعادة فيها وأنا لا أستطيع أن أكون زوجة لرجل، فكلما تقدم إلى أبي خاطب، رده خوفًا على أمواله وممتلكاته، حتى دخلت في دائرة العنوسة دون إرادة مني، ووصلت لمرحلة كرهت مكانة وممتلكات وأموال أبي، التي منعتني من حقي الشرعي في الاستقرار والإنجاب، فكل ما كنت أتمناه، زوج يحميني بين أضلاعه، وأبناء أغمرهم بحناني، ليكون لحياتي معنى، ولعيشتي هدف ولعمري غاية، وشابة أخرى تقول لقد وصلت للعقد الثالث من عمري، ومستقبلي ما زال مجهولاً، فوالدي يرفض كل منْ يتقدم لي دون إخباري، فهو يريد إنسانًا بمواصفات خاصة تناسبه، ورغم مواجهتي له بكل صراحة وصدق ووضوح، بأني أنا مَن ستتزوج، وأنا مَن لها الحق في القبول أو الرفض، وأوضحت له حلمي بأن أعيش حياة زوجية، وأن يكون لديَّ زوج وأبناء، أُغدق عليهم من حناني وحبي، فما قيمة حياتي بلا أمومة؟! إلا أنني لم أتمكن من إقناعه، وأخرى قالت كلما تزوّجت إحدى قريباتي أو صديقاتي، تجرّعت غصة الحسرة، فأنا لست أقل منهن أدبًا أو ثقافةً أو جمالاً، وأعيش ساعاتي برفقة قلبي داخل قوقعتي، تصحبني وحدتي ويعتصرني الألم وأبث حزني لربي، فهو سبحانه القادر على تعديل أبي، الذي جعل مني سلعة تُشترى وتُباع، وكأني بضاعة في مزاد ستكون من نصيب مَنْ يدفع أكثر، لا أدري لماذا يريد أن يحرمني من إشباع رغبات روحي، وتحقيق كياني وذاتي ووجداني، إني أخاف أن يفوتني قطار العمر، وتمضي دوني قوافل السعادة، فلا يطرق بابي بعد ذلك، إلا من كبُر سنه وساءت صحته وكثر أبناؤه وتعددت زوجاته.

 

أنين فتاة

أقضي نهاري بالحديث وبالمنى

ويجمعني والهم بالليل جامع

 

همس الأزاهير

العنوسة حالة نفسية لا ترتبط بعمر المرأة.