ضاعت مني ملفات مهمة. أحدها كان يحوي اسمي ورقم بطاقتي (صرت أنسى لدرجة غير معقولة)، وثانٍ كان يحوي أحلامي التي رأيتها صاحيًا وعيناي تبتسمان، وثالث فيه الحقائق القديمة التي يقول يحيى الطاهر القاص المصري إنها صالحة لإثارة الدهشة ما تزال.
أما التطورات، ففي المجلد الرابع (ملفاتي سميكة لدرجة مذهلة فأضطر لتجليدها)، يحتوي المجلد الرابع على تفاصيل غير مهمة، لكن بغيرها أروح في ستين داهية، مثلاً عنوان السكن، اسم زوجتي وأبنائي، محل العمل، الجنسية، النوع، المؤهل الدراسي..إلخ. وملفات أخرى نسيت للأسف ما تحتوي عليه!
سيدتي، أنت تعرفين اسمي، فإن كنت تعرفين أحدًا يعرفني –زوجتي مثلاً، إحدى زميلات العمل، قريبًا من أي نوع، أو جارًا، أو حتى قارئًا يمتلك الوقت والقدرة على مساعدتي- أرجوكِ أبلغيه، أو أبلغيها، أو أبلغي الشرطة، وإن كنتِ خارج مصر فأبلغي الإنتربول، أبلغي الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية.. إن ذلك الرجل الذي تظهر صورته في صفحة المجلة، الرجل ذا اللحية البيضاء والمقالات المتمردة، قد تاه من نفسه تمامًا، ولا يعرف كيف يرجع إليها، أو إلى أسرته.
لقد توجهت –قبل أن أكتب إليك- إلى أقرب قسم شرطة، فطلب مني الضابط بطاقتي، قلت:
ضاعت مع الذي ضاع.
سيدي، كيف أفتح لك محضر ضياع دون بطاقة هوية تثبت وجودك؟
هل تعني أني لم أعد موجودًا؟!
رق الضابط لحالي فقال، مستغنيًا عن هويتي:
اسمك وعنوانك
أعطيته اسمي، ولم أتذكر عنواني فمارس معي أقصى درجات النفس:
محل عملك..
أتذكر أني أكتب.. مقالات تنشر في الصحف وبعض المجلات.. ولكن أين؟
(وهو يكز أسنانه) الرحمة يا مواطن.. لا بطاقة هوية.. لا عنوان.. لا وظيفة.. بأي وسيلة إذن نستطيع العثور على أوراقك؟
لديك اسمي.
حتى إن كنت شكسبير!.. إن كنت جمال عبد الناصر.. هذا لا يكفي (ثم تنهيدة عميقة أعقبتها زفرة متأففة) إنك تضيّع وقتي يا حضرة.. الشرطة في خدمة الشعب، لا في خدمتك أنت وحدك!
انسحبت من القسم متراجعًا بظهري وقد ابتل جلدي خجلاً.. ولم يعد أمامي سواكِ يا سيدتي، (بعد أن لمحت اسمي وصورتي في صفحة يبدو أن بها مقالة لي في المجلة التي تقرئينها الآن).
اسألي صديقاتك إن كنّ يعرفن أحدًا يعرفني معرفة شخصية، أو يعرف على الأقل أين أعمل، ربما أستطيع في محل عملي الوصول إلى أوراقي الضائعة.
سأمدك بكل المعلومات التي أملكها عن نفسي: أنا شخص يكتب، ويتساءل ويتحدث عن أشياء ضائعة، اسمي تعرفينه وكذلك وجهي. وأظن أني متزوج.. وأعتقد أن طفلاً صغيراً كان ينمو في منزلنا، حتى صار شجرة. ويخيّل لي أني أسكن مدينة مزدحمة، شديدة الازدحام، وكثيرة السكان، وأن تلك المدينة بها مبانٍ عالية كثيرة، منها ثلاثة مثلثة الشكل يحرسها وحش خرافي عملاق رأسه آدمي وجسده أسدي، وأن نهرًا واسعًا ينساب كلحن منسي لا ينتبه إلى شجوه إلا قليلون، وأن ثورة قامت في ذلك البلد منذ عام، أو نحو ذلك لكنها اختفت في ظروف غامضة.