تولي السعودية اهتماماً كبيراً بمواجهة ظاهرة التصحر، باعتبارها من أكبر التحديات البيئية التي تهدد الأراضي والموارد الطبيعية في المناطق الجافة وشبه الجافة، وانطلاقاً من رؤيتها 2030، وإدراكاً لهذه الأهمية البالغة، عملت وزارة البيئة والمياه والزراعة في السعودية، من خلال نظام البيئة واللوائح التنفيذية، على تحديث قوانين هادفة إلى حماية الغطاء النباتي وتنميته، وذلك ضمن جهودها الوطنية لمكافحة التصحر، والتخفيف من آثاره السلبية على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي.
وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، التقت "سيدتي" آلاء محمد لبني، مديرة الإدارة العامة للتوعية البيئية وتعزيز القدرات بوزارة البيئة والمياه والزراعة؛ لتسليط الضوء على جهود السعودية ومبادراتها العالمية للحد من التصحر وزيادة الغطاء النباتي.
جهود السعودية للحد من التصحر

بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، حدثينا عن جهود السعودية للحد من التصحر وزيادة الغطاء النباتي؟
يُعَدُّ التصحر من أخطر المشكلات البيئية التي تهدد النظم البيئية والحياة البشرية على سطح الأرض، حيث يتسبب في تدهور الأراضي وفقدان التنوع الحيوي، الأمر الذي يؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والاقتصاد والمجتمع، وتزداد حدة هذه الظاهرة نتيجة التغيرات المناخية والأنشطة البشرية غير المستدامة، مما يستدعي وعياً بيئياً وجهوداً مشتركة لمواجهتها والحد من آثارها السلبية.
مع حلول اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، في 17 يونيو من كل عام، تتجدد الدعوات العالمية لمواجهة هذه الظاهرة التي تهدد الأمن الغذائي، والتنوع البيولوجي، وسبل عيش ملايين البشر. تُعدّ المملكة العربية السعودية من الدول الرائدة والطموحة في مكافحة التصحر وتعزيز الغطاء النباتي، وقد أطلقت في هذا الإطار العديد من المبادرات والجهود الرامية إلى الحد من هذه الظاهرة؛ انطلاقاً من رؤيتها البيئية ومسؤوليتها الإقليمية والدولية.
إن هذه اللوائح ليست مجرد نصوص قانونية، بل هي خريطة طريق؛ لضمان استدامة مواردنا الطبيعية، وتحديداً الغطاء النباتي، الذي يُعد خط الدفاع الأول ضد زحف الرمال وتدهور الأراضي. تهدف هذه التحديثات إلى تعزيز الرقابة، وتطبيق العقوبات على المخالفين، وتشجيع الممارسات المستدامة، والمحافظة على الأراضي والغطاء النباتي.
مبادرات التشجير وحماية الغطاء النباتي

ما أبرز الإستراتيجيات والمبادرات التي تبنتها المملكة العربية السعودية لحماية الغطاء النباتي؟
أطلقت المملكة العديد من المبادرات والمشروعات الوطنية الطموحة لحماية الغطاء النباتي، ودعم مبادرات التشجير الواسعة التي تتبناها، ضمن رؤيتها الطموحة لمستقبل أخضر ومزدهر، ولمكافحة تدهور الأراضي، ومن أبرز هذه الجهود: مبادرة السعودية الخضراء، ومبادرات التشجير الواسعة، التي تهدف إلى زراعة ملايين الأشجار، بالإضافة إلى دعم الدراسات المتخصصة والبرنامج الوطني للتشجير، تحت مظلة المركز الوطني للغطاء النباتي ومكافحة التصحر، وأيضاً المبادرات التوعوية لتحقيق استدامة بيئية للأجيال القادمة، ومن هذه الجهود تنفيذ العديد من المشاريع والأنشطة في مجالات مختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- الحد من تدهور الأراضي وزحف الرمال، من خلال مشاريع تثبيت الكثبان الرملية.
- تحسين واستزراع المراعي والغابات، وتسييج أو تبتير العديد من المواقع.
- تطوير نظم الري الحديثة، والعمل على تحسين الممارسات الزراعية؛ ضماناً لترشيد استخدام المياه، وتفادي تدهور الأراضي وتلوثها وتصحرها.
- تحديد الغابات لحمايتها من التعديات.
- تأهيل العديد من المواقع المتدهورة بالغابات والمتنزهات الوطنية؛ من خلال زراعة الأشجار، خاصة المحلية، وتطبيق تقنيات حصاد المياه وتقليم الأشجار.
- تطوير نظم الحراسة لأراضي الغابات والمراعي.
كما أن زيادة مساحات المناطق المحمية في المملكة، بهدف استعادة عافية الأراضي والتنوع البيولوجي، ووجود المحميات الملكية، تُعد من أبرز التوجهات البيئية ضمن خريطة الطريق الوطني للبيئة. وقد ارتفعت مساحة المناطق المحمية بأكثر من 400%، حيث كانت تُقدّر بـ 4% من مساحة المملكة في عام 2016، لتصل إلى 18.0% من المساحة البرية و6.49% من المساحة البحرية، وذلك في إطار السعي إلى تحقيق هدف رفع نسبة المناطق المحمية البرية والبحرية إلى 30% بحلول عام 2030.
مبادرة الشرق الأوسط الأخضر
في ظل تنامي التحديات البيئية التي تجتاح مناطق مترامية حول العالم، حدثينا عن مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" التي أطلقتها المملكة كأضخم برنامج تشجير على مستوى العالم؟
مبادرة الشرق الأوسط الأخضر هي شراكة إقليمية ودولية من أجل كوكبٍ أكثر اخضراراً، تهدف إلى إعادة الحياة إلى المنطقة، عبر زراعة 50 مليار شجرة، ليتنفس الشرق الأوسط من جديد.
يُعدّ تدهور الأراضي والجفاف من أبرز التحديات البيئية العالمية، وقد أسفرا عن خسائر جسيمة، من أبرزها:
-
تدهور نحو 40% من أراضي العالم.
-
تأثر 3.2 مليار شخص حول العالم بتدهور الأراضي.
-
خسائر بيئية كبيرة، وموجات مجاعة، ونزوح وهجرة، وصراعات، وفقدان أرواح بشرية.
ولمواجهة هذه التحديات، أُطلقت مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" في أكتوبر 2021، بحضور أكثر من 35 دولة ومنظمة دولية، لتشكّل خطوة إستراتيجية نحو مستقبل بيئي مستدام للمنطقة والعالم.
أهداف المبادرة
• زراعة 50 مليار شجرة.
• استعادة 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.
• تحقيق التنمية المستدامة.
• استعادة التنوع الإحيائي في المنطقة.
• الحد من تدهور الأراضي واستعادة الأراضي.
• تنمية الغطاء النباتي، والحفاظ على الغابات والمراعي والأراضي الزراعية وغيرها.
• التخفيف من ظاهرة التغير المناخي.
النطاق الجغرافي للمبادرة
ستقدم المبادرة الدعم للدول الأعضاء من الإقليم:
- وسط، وغرب، وجنوب آسيا.
- شمال إفريقيا.
- إفريقيا، جنوب الصحراء.
ميثاق المبادرة
- وافقت 20 دولة على ميثاق مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" في 26 أكتوبر 2022.
- حدد الميثاق أهداف المبادرة ونطاقها الجغرافي.
- حدد الميثاق نموذج حوكمة المبادرة وعضوية وأدوار ومسؤوليات الهيئات الإدارية للمبادرة.
- حدد الميثاق منهجية إنشاء وتفعيل المبادرة والأساس لمشاريع وأنشطة المبادرة.
مساهمات ميثاق المبادرة
ومن أهم المساهمات المتاحة للدول الإقليمية الأعضاء على المستويين الوطني والإقليمي:
- مواءمة السياسة مع أهداف المبادرة.
- تقديم مقترحات للمشاريع إلى الأمانة العامة للمبادرة.
- تقديم مساهمات مالية إلى صندوق المبادرة بشكل طوعي.
- تشجيع المؤسسات المالية الوطنية وشركات القطاع الخاص على المساهمة في صندوق المبادرة.
- دعم مراقبة المشاريع في دول المبادرة.
- تشجيع المؤسسات الوطنية وشركات القطاع الخاص على دعم المشاريع التي تستضيفها الدول الأعضاء الإقليمية للمبادرة.
- بناء القدرات وتبادل المعرفة.
- تعزيز الوعي العام والمشاركة.
ومن مخرجات القمة الثانية لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر:
- تخصيص المملكة لدعم المبادرة وتغطية ميزانيتها التشغيلية لمدّة 10 سنوات.
- استضافة الأمانة العامة للمبادرة في الرياض.
استضافة السعودية لمؤتمر الأطراف "كوب 16" في الرياض، إلى أي مدى يعكس التزام السعودية الراسخ بدعم الجهود العالمية لمكافحة التصحر وتغير المناخ؟
المملكة تلتزم بشكل راسخ بمواجهة التصحر عالمياً، وتُعد المملكة لاعباً رئيسياً في الجهود العالمية لمكافحة التصحر، وهو تحدٍ بيئي يتجاوز الحدود ويؤثر على الأمن الغذائي والمائي، ويزيد من الفقر، ويهدد التنوع البيولوجي. يعكس التزام المملكة الراسخ بهذه القضية استضافتها لمؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في الرياض عام 2024. هذه الاستضافة تؤكد دور السعودية القيادي في صياغة الحلول للتحديات البيئية العالمية، وتعزيز التعاون الدولي.
من أبرز مخرجات استضافة المملكة لمؤتمر COP16؛ تفعيل "شراكة الرياض العالمية للصمود في مواجهة الجفاف (RGDRP)". تُعد هذه المبادرة الأولى من نوعها دولياً، وتهدف إلى دعم 80 دولة من الدول الأكثر تأثراً بالجفاف.
تركز الشراكة على عدة محاور رئيسية:
- التحول من النهج التفاعلي إلى الاستباقي: تمكين الدول من تبني إستراتيجيات استباقية؛ للتكيف مع الجفاف بدلاً من الاستجابة لآثاره بعد وقوعها.
- تعزيز التعاون متعدد الأطراف: دعم التعاون بين الجهات المانحة والمؤسسات المنفذة؛ لضمان تنسيق الجهود الدولية وتوجيه التمويل بفعالية.
- تعزيز المعرفة والبيانات: دعم البحث العلمي وتوفير البيانات الدقيقة لدعم صناعة القرار في مجال مكافحة الجفاف والتصحر.
- إنشاء نموذج عالمي للتعاون: بناء إطار عمل للتعاون الدولي يكون مثالاً يحتذى به في مواجهة التحديات البيئية.
لم تعد ظاهرة التصحر مجرد قضية بيئية منعزلة، بل أصبحت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن الغذائي والمائي العالمي. ومن هذا المنطلق، تؤكد المملكة العربية السعودية أهمية تضافر الجهود الوطنية والدولية، وتقود المبادرات الرامية لمواجهتها من منظور شامل.
نشر الوعي البيئي

ما نصيحتك للمجتمع لتوفير بيئة صحية ومستدامة صالحة للعيش للأجيال الحالية والقادمة؟
إن توفير بيئة صحية ومستدامة للأجيال الحالية والقادمة لم يعد خياراً، بل ضرورة حتمية، ويتطلب ذلك تحقيق توازن دقيق بين تلبية احتياجاتنا المعاصرة وتحمّل مسؤوليتنا تجاه كوكب الأرض. ولتحقيق ذلك؛ يجب تضافر الجهود والتكامل الأدوار بين الأفراد والقطاعات الحكومية الخاصة، وغير الربحية، إلى جانب تبني نهج شامل ومتكامل يعيد تشكيل علاقتنا بالموارد الطبيعية، ويرتكز على تطبيق فعّال للأنظمة والقوانين المعنية بحماية البيئة.
وأخيراً، تُعدّ التوعية البيئية ونشر الوعي المجتمعي من أهم المحركات للتغيير السلوكي الإيجابي. فعندما يدرك جميع أفراد المجتمع، من الأطفال إلى الكبار، أهمية الحفاظ على البيئة ومخاطر التصحر، يتحول الوعي إلى مشاركة فعالة، ويصبح الجميع شركاء في حماية كوكبنا، وصون مواردنا الطبيعية في وطننا الغالي، والمساهمة في بناء مستقبل مزدهر وبيئة صحية لنا وللأجيال القادمة.
اقرأ المزيد : في اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف: 2025 محاولة استعادة الأرض وإطلاق العنان للفرص