سيدي
الفاضل..
ترددت كثيرًا قبل أن أكتب لك رسالتي هذه، ولكنني قررت الكتابة لعلني أجد لديك ردًّا يفيدني، أنا فتاة في السادسة والعشرين من عمري، جامعية، موظفة، ذات خلق، على قدر من الجمال، من أسرة صغيرة ذات مستوى مادي ممتاز والحمد لله، مشكلتي تتلخص في أنني أصبحت أكره موضوع (الزواج)!!!
وذلك ليس بسبب علاقة سابقة أو تجربة فاشلة، على العكس تمامًا، فقد تربيت في أسرة محافظة، ولم يسبق لي المرور بعلاقة، سواء في مرحلة المراهقة، أو الآن، وليس لأنني معقدة، إنما ظروف مجتمعنا التي تقضي بالفصل التام بين الجنسين، هي التي لم تسنح لي بالتعرف إلى أحد الشبان، كما أنني كنت أرفض الطرق الملتوية، والتي تكون بغرض التسلية فقط لا غير، ولست ممن يضعون شروطًا تعجيزية لشريك الحياة، فلا أطلب إلا أن يكون على خلق ودين، وأن يكون متعلمًا ومثقفًا فقط لا غير!!! قد تستغرب كونها شروطًا اعتيادية يمكن أن تتوافر في أي شاب، لكني أشعر أنني أبحث عن إبرة في كومة قش كما يقال!
إن ما أعانيه يا سيدي أنا وغيري،هي طريقة الزواج في مجتمعنا العربي، إنها طريقة معقدة جدًّا، فإذا أراد أحد الأشخاص التقدم لطلب يدي، فلابد أن تأتي الأم في البداية لكي تدلي برأيها، ثم تنتظر بضعة أيام، كي تقوم بطلب موعد آخر إذا حدث وكنت مطابقة للمقاييس والشروط التي تراها، ثم تقوم بإحضار ابنها (المحروس) الذي يكتفي بالمشاهدة، ثم يقرر هو الآخر!! والأدهى من ذلك عندما يأتي الخاطب، ويكتفي بالمشاهدة أو ما يعرف (بالنظرة الشرعية)، ثم يبدي الرغبة في طلب يدي رسميًّا، ثم يتغيب بعدها هو وعائلته دون أي توضيح أو اعتذار مقنع.. يا للوقاحة!! هل انعدمت مشاعرهم وأحاسيسهم؟! أم لأنه رجل فإن من حقه أن يفعل ذلك بلا رادع؟!
لماذا هذه الطريقة؟ وربما لا تصدق يا سيدي الفاضل حجم المعاناة التي أمر بها عند حدوث مثل هذه المواقف، أنا أعلم أن كل شيء قسمة ونصيب، وأعلم أيضًا أن ما يتوافر لديّ من مواصفات ربما لا تكون هي ما يبحث عنها هذا الشخص، لكن مع ذلك أشعر بالتوتر والانكسار بفقدان الثقة والإحراج من نفسي ومن أهلي ومن المجتمع الذي لا يكف عن سؤالي: "لماذا لم تتزوجي إلى الآن؟! ما الذي ينقصك؟ الأخريات الأقل منك تعليمًا وجمالاً تزوجن منذ زمن!!".
أخبرني أنت يا سيدي ماذا أفعل؟ وكيف يمكن لي أن أتخلص من مثل هذه المواقف المحرجة، في الوقت الذي يقولون لي فيه «إنها ظروف مجتمعنا، كيف تريدين أن تتزوجي إذن؟»، كنت سابقًا أحلم بأن أتزوج من شخص يحبني لذاتي وشخصيتي، لا لأني أعجبت والدته، قد تقول لي إنه قد يكون رأيه من رأي والدته، نعم هذا ممكن، لكنه نادر جدًّا، خاصة مع اختلاف وجهة النظر بين جيلنا -نحن الشباب- والجيل السابق من الأمهات، اللائي يقمن بزيارة أكثر من منزل في نفس الوقت، لتقرر بعدها أيهن أنسب لابنها! فهل أصبحنا في زمن البيع والشراء؟ وزمن المظاهر الخارجية والمقارنة الشكلية؟ وهل أنا مبالغة في مشاعري و حساسة زيادة عن اللزوم؟ هل ما يحدث معي أو مع غيري من الشابات منطقي؟ وهل يجب أن أتقبله كما هو وأحاول أن أتأقلم معه؟ لقد حاولت كثيرًا ولكنني فشلت وبجدارة.. فأخبروني ماذا أفعل وكيف أتصرف؟
(س. ن)
يا عزيزتي (س. ن):
لم أقرأ منذ زمن رسالة محترمة ومقنعة مثل رسالتك.. واضح أنك على قدر كبير من الثقافة.. وقدر أكبر من الذكاء والوعي.. إنني أوافقك على كل كلمة في رسالتك.. ولكني لا أستطيع -أنا أو غيري- تغيير هذا الواقع المؤلم.. إنه يتغير ولكن ببطء.. فالتقاليد راسخة.. ونحن في مجتمع ذكوري يعطي للرجل حقوقًا خاصة.. ويضع المرأة في مرتبة أدنى.. ولا بد أنك ستجدين حلا في إطار التطورات الحادثة في المجتمع والتكنولوجيا حاولي دون أن تندفعي.. وشكرًا على رسالتك الجميلة.
للتفاعل مع الكاتب [email protected]