جون ألميدا.. العالمة التي اكتشفت الفيروسات التاجية منذ نصف قرن

الدكتورة جوون ألميدا خلال عملها
5 صور

بعد ستة وخمسين عاماً من رؤيتها للمرة الأولى على عدسة المجهر، تعود الفيروسات التاجية إلى الواجهة، بعد اجتياح فيروس كورونا العالم، بداية من الصين في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019، وقد كثرت الدراسات والأبحاث حول هذا الكائن الدقيق الذي روع العالم، لكن متى تم اكتشاف هذه الفيروسات لأول مرة، ومن أول من اكتشفها؟


اكتشاف الفيروسات التاجية لأول مرة

اكتشاف الفيروسات التاجية


يعود تاريخ اكتشاف فيروس كورونا للقرن الماضي. فأثناء الثلاثينيات والأربعينيات، اُكتشفت أنواع من هذه الفيروسات أصابت الحيوانات، كان من ضمنها فيروس كورونا الطيور (IBV) وآخر أصاب الفئران (M-CoV) إضافة لفيروس التهاب المعدة والأمعاء الساري (TGEV) الذي أصاب الخنازير.
من جهة ثانية، تمكّن العلماء للمرة الأولى خلال الستينيات من تحديد عدد من أنواع فيروسات كورونا التي تصيب البشر لتسبب لهم مشاكل صحّية جمة.


العالمة التي اكتشفت الفيروسات التاجية

العالمة التي اكتشفت الفيروسات التاجية


ويعود الفضل في هذا الاكتشاف لأبحاث العالمة الأسكتلندية المختصة في مجال الفيروسات جون ألميدا (June Almeida).
وهي العالمة الأسكتلندية، التي حملت عند ولادتها اسم جون هارت، ولدت يوم 5 تشرين الأول/ أكتوبر 1930 لعائلة متواضعة، حيث عمل والدها سائق حافلة، موفراً براتبه كاملاً المستلزمات الأساسية لعائلته.
تميّزت جون هارت منذ طفولتها، بذكائها فالتحقت بالمدرسة وحققت نتائج رائعة، إلا أنها عجزت عن الالتحاق بالجامعة لأسباب مادية، فاضطرت لمغادرة مقاعد الدراسة في سن السادسة عشرة عقب حصولها على وظيفة فنّي مختبر بأحد مستشفيات غلاسكو، حيث استخدمت هنالك المجهر لتحليل عينات الأنسجة التي قدمت لها.


بداية اكتشافاتها العلمية

جون ألميدا


انتقلت جون لاحقاً، لمستشفى سانت بارثولوميو بلندن، حيث التقت هنالك بالفنان الفنزويلي إنريكي ألميدا (Enriques Almeida) التي تزوّجته قبل أن تهاجر معه لكندا لتحصل هنالك على وظيفة بمعهد أونتاريو للسرطان بتورنتو.
أثناء فترة تواجدها بكندا، اعتمدت العالمة جون ألميدا على المجهر الإلكتروني بأبحاثها فطورت طريقة مذهلة للتعرف على الفيروسات عن طريق الأجسام المضادة التي تستخرج من أجسام الأشخاص المتعافين الذين تعرضوا في وقت سابق لهذه الفيروسات.


وتمكنت ألميدا من تحديد العديد من الفيروسات وصنّفت كأول شخص يتمكن من مشاهدة فيروس الحميراء الذي درسه الخبراء على مدار عقود.
ومع تنامي قدراتها العلمية، عادت جون ألميدا لبريطانيا والتحقت بمختبر مستشفى سانت توماس بلندن. وهنالك اتصل بها الطبيب ديفيد تيريل (David Tyrrell) عام 1964 ليعرض عليها عينات فريدة لفيروس تم الحصول عليه من مسحة أنف تلميذ بإحدى مدارس سرّي (Surrey). وعلى حسب تقارير تلك الفترة، عجز الخبراء عن إجراء التجارب الاعتيادية على هذا الفيروس، فتحدّثوا عن إمكانية تصنيفه كفيروس جديد وأطلقوا عليه مبدئيا اسم «B814».


التعرف على الفيروس الذي كان يصيب الحيوانات فقط

اكتشاف كورونا


تمكّنت جون ألميدا من تحديد صورة واضحة للفيروس الجديد، باستخدام المعدات المتواضعة المتوافرة لديها، وأكدت بناء على خبرتها وتجاربها السابقة مشاهدتها لفيروسات مشابهة له أثناء دراستها لالتهاب الشعب الهوائية لدى الدجاج والتهاب الكبد عند الفئران.
انطلاقاً من ذلك، دوّنت جون ألميدا هذه الملاحظات وتحدثت عن نوع جديد من الفيروسات، إلا أن أبحاثها قوبلت في البداية برفض شديد قبل أن تلقى ترحيباً من الأوساط العلمية بالسنوات التالية.


أثناء حديثهم حول ما توصّلوا إليه، تناقشت كل من جون ألميدا وزملاؤها، الذين كان من ضمنهم الطبيب ديفيد تيريل، حول تسمية هذا النوع الجديد من الفيروسات. فاتخذوا شكل التاج المحيط به مصدر إلهام وأطلقوا عليه اسم فيروس كورونا، الفيروس التاجي، حيث اقتبست كلمة كورونا (corona) من تسمية التاج باللغة اللاتينية.


تقاعدت ألميدا عن علم الفيروسات في عام 1985، لكنها ظلت نشطة وفضولية. أصبحت معلمة يوغا، وعادت ألميدا إلى سانت توماس كمستشارة وساعدت في نشر بعض أول صور عالية الجودة لفيروس نقص المناعة البشرية، الفيروس الذي يسبب الإيدز، قبل وفاتها في عام 2007 عن عمر يناهز 77 عاماً.
واليوم، لا يزال الباحثون يستخدمون تقنياتها لتحديد الفيروسات بسرعة ودقة. بعد ستة وخمسين عاماً من رؤيتها لأول مرة لفيروس تاجي من خلال المجهر، أصبح عمل ألميدا أكثر صلة من أي وقت مضى.