«الأكل المريح» في مواجهة الضغوط.. لكن!

يُشير «الأكل المريح» إلى صنوف محدّدة من الطعام ترتبط في الذاكرة بسنوات الطفولة، وباللحظات الفرحة الماضية في المكان الذي كنّا نعيش فيه بأمان، وبالدفء العائلي...

سواء تعلّق الأمر بالمعكرونة بصلصة «البِشاميل»، الطبق الدسم الذي كانت الجدّة تعدّه، وتسخى في إضافة الزبدة والجبنة إليه، حينما تطهوه لغداء الجمعة العائلي، أو بـ «الآيس كريم» الذي كان يشتريه الأب لأبنائه من العربة الزهريّة المحملة بصورة «النمر الوردي» والمصدرة الموسيقى معلنةً عن قدومها، وذلك لإرضائهم في وقت العصر الحارّ، أو بالبطاطس بنكهة الفستق التي تحمل صورة جحا وحماره على أكياسها الصغيرة... لكلّ فرد تفضيلات صنوف طعام محدّدة ترتبط في الدماغ بذكريات جميلة، وبالتالي تجعله يشعر بالراحة النفسيّة حال تناولها، وتكون «خير معين» في الأيّام العصيبة التي يواجهها جرّاء ضغوط العمل أوالحالات النفسيّة السلبيّة التي يمرّ بها.

اختصاصيّة التغذية تانيا عكّوش
اختصاصيّة التغذية تانيا عكّوش

 


الأكل الذي يحثّ على الراحة النفسيّة هو غالباً كثير السعرات الحراريّة حسب اختصاصيّة التغذية تانيا عكّوش، التي تصف صنوفه بأنّها «مُشبّعة بالسكّريات أو النشويات أو الدهون أو الصوديوم، أو هو عبارة عن أكل سريع التحضير يتوق المرء إلى تذوّقه لاسترجاع الطمأنينة التي كانت تراوده في سنّ كانت الهموم بعيدة عنه، أو لتذكر لحظات فرحة من تجمعات عائليّة سعيدة كانت وليمة الطعام أساسيّة فيها، وذلك في مواجهة الشدّة والتوتر». وعند تناول الطعام المذكور، ترتفع الهرمونات التي تتحكّم بالمزاج، فينال المرء لحظات السعادة أو الاسترخاء التي يتوق إليها.

تابعوا المزيد: فوائد رياضة رفع الأثقال للنساء


«ترياق» آني


سؤال الاختصاصيّة عن مدى التداخل بين الأكل العاطفي والأكل المريح، تجيب عنه قائلةً إنّه «في مواجهة الحالة نفسيّة المتمثّلة، في التوتّر أو الغضب أو الخوف أو الملل أو الحزن أو الوحدة، قد يجد البعض في البرّاد منفّساً، وفي أنواع محدّدة من الأكل «ترياقاً» ولو آنيّاً. وهذه الأنواع من المأكولات قد تقع تحت فئة الطعام المريح الذي يرجع إلى ذكريات سنوات الصبا المحبّبة أو تحت فئة طعام آخر لا يتعلّق بتلك الفترة، كالشوكولاتة مثلاً أو الطعام السريع من خدمة توصيل الطعام». ولكن، لا يلبّي هذه الرغبة طبق السلطة أو الشوربة الصحّية، حسبها، فالأكل العاطفي يرتبط بصنوف محدّدة من الغذاء.

الأكل العاطفي


زيادة الوزن


معلومٌ أن الأكل المريح، وحين تتكرّر الحالات التي تحثّ المرء إلى اللجوء إليه، فإن زيادة الوزن تكون من نتائجه السلبيّة أو التوقف عن النظام الغذائي المتبع بهدف تنحيف الجسم، وبالتالي استعادة الوزن المفقود. لكن الخبر السارّ هو أن السيطرة على تناول الأكل المريح أو الأكل العاطفي ممكنة، عند اتخاذ القرار. حينما يشعر المرء بالعصبيّة، وتنتابه الرغبة في تناول طبق المعكرونة الدسم، عليه الإصغاء إلى جسمه، للكشف عن كنه الرغبة: هل مصدرها الجوع الحقيقي أو هي رغبة متعلقة في التخفيف من أثر الحالة السلبيّة التي يمرّ فيها؟
وفي هذا الإطار، تقول الاختصاصيّة إن «التمييز بين الجوع الحقيقي والجوع العاطفي ممكن»، معدّدة بعض النقاط المُساعدة في هذا الإطار:
• الجوع الحقيقي مصدره المعدة التي تصدر صوتاً يسمى بالقرقرة.

• إسكات الجوع الحقيقي ممكن عن طريق تناول أي نوع من الطعام، كطبق من السلطة أو ثمرة من الفاكهة، أمّا الجوع العاطفي فلا يلبّيه سوى نوع محدّد من الطعام (الشوكولاتة، مثلاً).
وتشرح الاختصاصيّة أن «حسن الإنصات إلى الجسم، والتمييز بين نوعي الجوع، يعالج مشكلة المغالاة في الأكل المريح»، وتولي أهمّية الطرق المختلفة القادرة على صرف انتباه الدماغ عن الأكل، كالتحدّث إلى صديقة عبر مكالمة الفيديو أو الخروج للمشي أو أداء تمرينات اليوغا أو الرياضة أو حتّى الضغط بالأصابع على الكرة المطّاطيّة (سترس بول) ... بعيداً من قصد المطبخ للبحث في الخزانة عن الشوكولاتة».


المعالج السلوكي


الأكل المريح حالة يعرفها الذكور والإناث في الأعمار كافة حسب الاختصاصيّة، ولو أن طبيعة المرأة العاطفيّة تجعلها تواجه حالات كثيرة قد ترغب فيها بـ «التداوي بالطعام المريح».
في صفوف المراهقات تحديداً، تلاحظ الاختصاصيّة من مراجعات كثيرة ترد إلى عيادتها أن الفتيات في هذه المرحلة العمريّة تتملكهن الخشية من زيادة أوزانهن، فينقطعن عن تناول الطعام لوقت طويل، ولكنهن فجأة يجدن في الطعام المريح «فشة خلق»، ويأكلن كمّيات غير معقولة منه!
لعلاج الحالة في مستواها المتقدّم، لا مناصّ من تعاون اختصاصي التغذية مع المعالج السلوكي أو الاختصاصي النفسي.


باختصار...


باختصار، الأكل المريح هو ذلك الذي يرجع كل امرئ إلى أيام الطفولة والبراءة والفرح غير المشروط، حسب اختصاصيّة التغذية تانيا عكّوش، حينما لم يكن يشكو من ضغوطات العمل أو عبء جائحة «كورونا» أو مسؤوليّات الحياة. وفي مواجهة الإكثار من تناول الطعام المريح، لا بدّ من التحكّم في صنوف الغذاء المستهلكة، والفصل بين المشاغل والضغوط والأكل، وذلك لوزن «طبيعي» ولعيش حياة صحية في آن واحد.

تابعوا المزيد: أهمية ممارسة رياضة الدراجات الهوائية في يومها العالمي