الفنانة التشكيلية سلمى المرّي: الأمومة تفاصيل غارقة في الذاكرة

صورة الفنانة التشكيلية سلمى المرّي وحفيدتها مايا
الفنانة التشكيلية سلمى المرّي وحفيدتها مايا
صورة الفنانة التشكيلية سلمى المرّي
الفنانة التشكيلية سلمى المرّي
صورة الفنانة التشكيلية سلمى المرّي
الفنانة سلمى المرّي وحفيدتها مايا
صورة الفنانة التشكيلية سلمى المرّي وحفيدتها مايا
صورة الفنانة التشكيلية سلمى المرّي
صورة الفنانة التشكيلية سلمى المرّي
3 صور

فنانة تشكيلية إماراتية تتفرد أعمالها بقراءة واقعية مدهشة، هي كتب ومجلدات، أبدعت بريشة جعلت الألوان مفرداتها وجملها، لتتجسد قراءة بصرية تتمحور أفكارها حول الإنسان والبحث في أنماطه ومخزونه التراثي والنفسي ... هكذا ارتبطت أعمالها بالحياة.
الفنانة التشكيلية سلمى المري، تشاركنا هذه الخطوط الفنية بشخصيتها الهادئة، التي تشبه لوحاتها، لكنها كما تقول، لم تقصد أن تترجم هذا الهدوء فيها، وعلى ما يبدو أن إناء الروح ينضح فيتضح محتوى الإنسان من خلال أي مجال إبداعي ينتهجه.

 

ألواني وتفاصيل الأمكنة

الفنانة التشكيلية سلمى المرّي


لا تنحاز سلمى في ريشتها لألوان بعينها، إنما تحمل صفة التعتيق، فتارة تبدو كأنها استخرجت من غياهب الأرض، وأخرى صبت عليها الشمس أشعتها مشوبة بما التقطته من السدم، وفيها من تراب النيازك، تتابع قائلة: "أعمل على ألواني بأدوات وتقنيات مختلفة، فهي مرة تحمل إحساسات ملمسية متنوعة كالكرة الأرضية ومفرداتها، وما يعتريها من طقوس مرور الزمن وتفاصيل الأمكنة حتى الإفراط، فتخرج من الدائرة النتائج المفترضة إلى اللامكان واللازمان، فعلاً هكذا أرى ألواني".

هامة شخوص أعمالي

الطبيعة ملهمة لكل المبدعين في كل المجالات، وقد وجدت سلمى في الإمارات، مبتغاها في الألوان، فهي غائرة في عصب تكوينها ونسيج روحها، تنظر إلى ذلك اللون الأخضر الشاحب في الأشجار المحلية مثل الغاف والسمر والأشخر بعينيها ويتضح ذلك في أخاديد لوحاتها، تستدرك سلمى: "رمال الصحاري بتدرجاتها المذهلة غائرة في خطوط كفيّ ومطبوعة على هامة شخوص أعمالي، وألوان الخريف بتدرجاته توشّي بها أوارق أشجار (اللوز)، وكأنها تعوض كل الأشجار المحلية الأخرى ما لم يتضح عليها ألوان هذا الفصل، أما الجبال فإنني أسمع صدى صوت أجدادي يتردد في جنباتها، فهذا المخزون لابد أن يتجلى لا شعورياً في الأعمال، حتى إذا لم يظهر ذلك برسم الطبيعة التي ذكرت بشكل مباشر".
تعرّفي إلى المزيد: فنان يستمد إلهامه من هجرة الطيور فيحول الريش لأشكال مذهلة

لا أحكم على ذاتي

الفنانة التشكيلية سلمى المرّي وحفيدتها مايا


تسرد سلمى في لوحاتها قصصاً لحالات وجدانية تمر فيها، وتترك أثراً على أعمالها، تستدرك قائلة: "أعمالي تأخذني على غفلة مني، ما بين الشعور واللاشعور تتداخل العناصر، تتركني للسجية، أنهض بنفسي، لا أعبأ بالحكم والتأويلات التي ستطلق على اللوحة بعد إنهائها، فهذا ليس من شأني، المهم أن أنجزها بدون أحكام حتى على ذاتي، أما عن الحزن، فأنا من أولئك الذين يعيشون اللحظة حتى أخمص شهقات الألم، ومن ثم أسمح لها بالرحيل، أما محطات الحنين فهي العودة للحظات غنية بالجمال تترك على الملامح ابتسامة رضا، والفرح هي لحظات امتنان والسعادة عندي ليست مقننة بشيء محدد أو مادي، فهي حالة رضا نورانية ترافقني دوماً".

الأم أصالة واحتواء

رسمت سلمى لوحات تعبر عن مكنونات الأم، رسمت حضنها الكبير، الذي ارتبط بالأرض، تتابع قائلة: "مجموعة من أعمالي حملت مسمى "أهازيج وجدانية" كانت الإمارات الأم هي بطلتها، بما فيها من أصالة واحتواء لكل من فيها وعليها من قوميات، والأم بمفهومها السائد تجسدت في مراحل تجربتي، ستجدونها بمختلف أطيافها من إنسان وحيوان ونبات، فالأمومة، تفاصيل غارقة في الذاكرة، استلهمت فيها من تعاقب الأجيال من الجدات والأمهات مروراً للبنات حتى الحفيدات.

أنا وحفيدتي مايا

الفنانة سلمى المرّي وحفيدتها مايا


تحتفظ سلمى في بيتها بأعمال، تؤرخ تسلسل تجربتها، وأخرى تعنيها وجدانياً، وعنها تقول: "ارتبط بها أبنائي وقرروا الاحتفاظ بها، فأكثرها تحمل سماتي الشكلية والشخصية، ولو أنها عَبّرت عن قضايا عامة، فمثلاً استوقفتني حفيدتي مايا أكثر من مرة عندما كانت لا تتجاوز أربعة الأعوام، وهي تشير إلى متفرقات من الأعمال قائلة (هذه أنتِ)".
تعرّفي إلى المزيد: التشكيلية الأميرة غادة بنت مساعد آل سعود: معرض مضمار اللون يتناول مراحل من حياتي

الفنان ليس واعظاً

استلهمت سلمى أعمالها من أهم الشعراء مثل درويش ونزار وغادة السمان، على شكل اسكتشات لونية سريعة، اختارت منها تلك المتعلقة بالإنسان وحقه في الحياة، تستدرك قائلة: "جسدت المرأة بشكل خاص في أمومتها، عشقها، تمردها، كانت تجربة خفيفة ومرحة بالنسبة لي، حيث أضفت بعضاً من الشعراء على بعض مني".
وعن البعد الأخلاقي في لوحاتها، لا تجد سلمى أن الفنان واعظ، فقط هو يبدع من عمق إنسانيته، ويكون حقيقياً في أعماله، يعمل بشغف إلى أن تغمض عيناه الإغماضة الأخيرة، يترك بعضه ويمضي، تتابع قائلة: "إذا كان المجتمع يعي دور المبدعين، فسيحافظ على ما خلفه وراءه كإرث محلي وقومي وعالمي".

الخلط بين الرسام والفنان

تساءلنا عن بعض الفنانين الذين يتعبون أنفسهم في ريشتهم، بحيث لا تصل أفكارهم للمتلقي، لكن سلمى لا تعتقد أن هناك فناناً حقيقياً يقصد أن يضع العقدة في المنشار؛ كي لا تصل أفكاره للمتلقي، تستطرد قائلة: "إنما هو في أعماله يعبر عن قضايا تتسع دائرتها لتشمل عوالم تستوقفه للانطلاق منها والتعبير عنها وهويته ذات مغزى أعمق من المباشر، أعماله تستشعر وتحس بالروح وتترك أثراً بالنفس".
برأي سلمى أن هناك خلطاً بين الرسام والفنان، فالسواد الأعظم في مجتمعاتنا العربية يتذوقون الرسومات التي تنقل الطبيعة والواقع كالتقاطات الكاميرا، تستدرك: "ليست مهمة الفنان هنا أن يرضي الذوق العام أو أن يشرح ويجتهد في التفسير ويبرر عمله، الفنان التشكيلي كالروائي خلق لينطلق ويحلق في فضاء خصب وحر، فلو فكر بما سيتم الحكم عليه لأثر ذلك على قريحته. هناك حلقة مفقودة في مجتمعاتنا العربية مع الفن ورسالة الفنان الحقيقية، وإجابتي تبقى مفتوحة للتفكير فيها".

شركائي من أرواح جميلة

الفنانة سلمى المرّي وحفيدتها مايا


لدى سلمى هوايات أخرى، مثل الكتابة التي تأخذها إلى أبعاد مختلفة في الحياة؛ حتى تلتقي مع إنجازها التشكيلي في مكان واحد، فالروح التي تكتب وترسم هي روح واحدة، تستدرك قائلة: "القراءة والبحث هما عشقي، وتشكل ممارسة الرياضة يومياً بالنسبة لي متنفساً لا أستطيع الاستغناء عنه، بالإضافة إلى متابعة تفاصيل بيتي ونباتاتي وشركائي من أرواح جميلة تعيش في حيزي من قطط وكلاب وسلاحف وطيور السماء والنحل وخلاياه "المتعربشة "على أشجار الحناء، حتى النمل في فناء البيت أتفقده وأوصي من معي على عدم التعرض له.
وعن التقنيات التي اقتحمت كل ما حولنا في الحياة ،وإن كانت قد غاصت في الفن التشكيلي، برأي سلمى، أن الفن التشكيلي كخضم المحيطات، ومجالاته واسعة تستوعب كل التطورات التي تحدث، وله حيله ككاهن قديم قِدَمَ الأبدية، تعلّق قائلة: "انظري كيف استطاعت التقنيات أن تخترق السينما وتجعل من المتلقي جزءاً من المشهد، فمن البديهي أن يطور الفنان من نفسه حتى في مجال التقنية، فهو يقطع العديد من المراحل إذا احتاج عمله الفني ذلك" .

تعرّفي إلى المزيد: الفنانة سناء هيشري: لوحاتي "نضال من ألوان"