هل أنصف الأدباء والشعراء الأم في إبداعاتهم؟  

الشاعرة تهاني الصبيح
الشاعرة تهاني الصبيح
 الكاتب خزام عبدالله
الكاتب خزام عبدالله
القاص جمعان علي الكرت
القاص جمعان علي الكرت
الأم في الأدب والشعر
الأم في الأدب والشعر
الشاعرة تهاني الصبيح
 الكاتب خزام عبدالله
القاص جمعان علي الكرت
الأم في الأدب والشعر
4 صور



يتحول الجميع عندما يتحدث عن أمه إلى شاعر أو أديب أو خطيب مفوه، فهل هذا الحب الجارف للأم يتجسد بشكل جلي في الأدب، أم أن هذا الحب لأنه فطري فلم يُوليه كثير من المبدعين الاهتمام لتدوينه في شكل قصيدة أو رواية أو مقال وغيرها من فنون وقوالب الإبداع. وبمناسبة يوم الأم، طرحت مجلة "سيدتي" على عدد من المبدعين السعوديين هذا التساؤل، هل أنصف الأدباء الأم في إبداعاتهم؟

نهر العطاء



تقول الشاعرة تهاني الصبيح، الأم ليست يوماً يحتفل به العالم، إنها العالم الذي تحتفل به الأيام، ولا يمكن لأي مبدع ولا شاعر أن يغرف من نهرها، أو يحصي فضل برّها أو يترجم معانيها المتشعبة بكل لغات العالم، فهي الضفة وعالمنا البحر، وأمان الضفة أعمق من طغيان الموج أو سعة البحر .. ربما يحاولون .. ربما يكتبون، ربما يصفون لكنهم لم يستطيعوا بعد !
وهي التي احتضنتْ قلبي بأضلعِها
إذا تنفّستُ تجري الروح من-فِيها
وهي التي سابقتْ خطْوي بلهفتها
حتى مشيتُ ودرب الصّبر يطويها
أمّي مراياً يشفّ الحبّ أوجهها
وفي الأمومة بعضٌ من تجلّيها
وفي الحنين اشتياقٌ،لوعةٌ، وجعٌ
من فرطهِ صرتُ أدعو الله -يحييها!

شمعة الحب


القاص والكاتب جمعان علي الكرت، سؤال كهذا يأخذ عدة دلالات أهمها مكانة الأم في الأسرة والاحتفاء بها وتثمين دورها والشاعر بما يمتلكه من أحاسيس جياشة يستطيع أن يعبر عن مكانة الأم بنسج القصيد ولست متتبعًا لما قاله الشعراء عن الأم إلا أنني أعرف شاعرًا متميزًا خصص ديوانًا كاملاً عن الأم تحت عنوان "ريشة من جناح الذل " وذلك الشاعر المتألق حسن بن محمد الزهراني تمكن أن يفيض بلواعج الحب ويسكب رحيق شعره عبق ياسمين ليكون الديوان الأجمل والأروع من وجهة نظري، وهذه أبيات من واحدة من قصائده:
أماه يا شمعة بالحب تأتلق
لكي تضيء حياتي وهي تحترق
أماه يا بسمة تحيي رفات دمي
إذا استبدت به الأحزان والحرق

نجمة في السماء


الأم المفردة الأشد عبئًا على أقلام الشعراء والكتّاب، وكل من أخذ على عاتقه محاولة الحديث عن الأم. ويضيف الكاتب خزام عبدالله، فالأمر سيكون أشبه بمحاولة الحديث عن نجمة في السماء في حضرة القمر، فإنه مهما علا كعب القدرة الإبداعية لدى صاحب القلم أن يرتقي إلى حافة الحديث عن الأم. وأنا أعيد قراءة السؤال عما إذا كان الشعر والأدب قد أنصف الأم وأشبع قيمتها الوجودية على قراطيسهم وفي ثنايا قوافيهم فلم أجد يومًا من استطاع تسوّر محراب يومًا من أيام عطائها غير المشروط، أو حبّها غير المحدود، بدءً من أقدم الشعراء الذين كتبوا حتى خبز أمي على مائدة محمود درويش الشعرية، لم ولن يستطيع أحداً منهم يوماً أكثر دمعة تنوء بها مشاعر البشرية تسقط من عين الأم على صغيرٍ لها. حتى على صعيد الدراسات النفسية والاجتماعية التي تناولت جزءاً من حكاية الأم في مسارنا الحياتي، لم تستطع أي منها حصر مشاعر الأم وهو جزء من كل حين نتحدث عنها وجودياً، فهي الشيء الذي يكاد لا يتكرر الحديث عنه إلا ووجدت مبرراً لإعادة خوض الحديث بشكل جديد وملامح مختلفة ومشاعر متباينة. أظن أن الأم وجدت بهذا النمط في الحياة لتبقى شاهداً أصيلاً على أن الحب لا يفنى ولا يتحدث من العدم، ولكنه يتولد في مدارها بأنماط متباينة. ما من أحد في الوجود إلا وتخلّق في رحم الحب تسعة أشهر، ثم خرج للحياة يرضع دفئه حتى اشتد عوده وسار في الحياة يكرر الحب على طريقته.

الأم وطن



إذا تحدثنا عن الأم فنحن نتحدث عن وطن، هكذا لخص الأديب عبده الأسمري قيمة الأم، وإذا ما استعرضنا إنصاف الشعر والأدب للأم، فإن هذا الأمر يتعلق بعدة أبعاد واتجاهات وآفاق، فقد قدم بعض الشعراء العديد من الأشعار والنصوص ومنهم حافظ ابراهيم ومحمود درويش وعبدالله البردوني وأحمد شوقي، وقد حملوا لواء هذا الإنصاف في عصرهم وبقت دلالاته مؤقتة، ومع جودة المنتج ظل هذا الإنتاج يتردد في أي محفل يتعلق بالأم حتى أن بعضه أدرك في مناهج الدراسة. وبقت تلك الحقبة شاهدة على الإبداع الشعري في وصف القيمة وتوصيف المقام للام وجاء عملاق الأدب العربي نجيب محفوظ ليجعل الامر ركناً من أركان الإشادة والإجادة والشخصية المتنقلة في العديد من رواياته، والتي لا تزال تملأ مكتبات العالم حتى اليوم، وقد أعطى العديد من الروائيين الأم مساحة متاحة، وجاءت كشخصية بطولية في إنتاجهم الأدبي. وحينما نتكلم عن الإنصاف الأدبي للأم خلال عصرنا الحالي فإن هنالك نوع من التخاذل وفجوة مخجلة بين الواجب والواقع لأن الإنتاج الأدبي سواء في الشعر أو غيره بات قليل قياساً بقامة الأم في منظومة الدين والمجتمع والكيان والعرفان. ولو نظرنا إلى موازين الإنتاج ومعايير الإنصاف ومقاييس المقارنة فقد تفوق الغرب في معدل الإنتاج الروائي للحديث عن الأم، وهذا يشكل اختلال في مؤشرات الامتثال في إنصاف الأم والذي يؤكد عدم إنصافها في معدلات الإنتاج الأدبي. وأرى ألا يقاس معدل الإنصاف فقط في نصوص الشعر وفصول الروايات والأدب بوجه عام ليتجاوز ذلك إلى إقامة مسابقات أدبية ومسامرات ثقافية وندوات معرفية خارج إطار يوم الأم، لأن الأيام كلها للأم، ولا يتركز الإنتاج فقط على مناسبة عابرة تأتي كساعات في عام كامل. لذا فإنه يجب على المؤسسات الثقافية ورجال الأدب والثقافة أن يعطوا الأم حقها في إنتاجهم وأن تكون حاضرة في كل المحافل الأدبية بالكلمة والنص والعنوان والتفاصيل شعراً وقصة ورواية وأن تكون لها البطولة المثلى في منصات ومنابع وآفاق المنتج الثقافي.