أهلا رمضان.. عادات الشهر الفضيل بين الأمس واليوم

أهلا رمضان.. عادات الشهر الفضيل بين الأمس واليوم
أهلا رمضان.. عادات الشهر الفضيل بين الأمس واليوم

لكل مسلم ومسلمة ذكرى في البال عن شهر رمضان المبارك في الطفولة: أول صوم ومشقته، وعد الدقائق والساعات حتى سماع دوي المدفع البعيد ورفع أذان المغرب، واللمة العائلية ومائدة الفطور العامرة بالأطايب وحلوى القطائف، وصوت شريهان الصادح من الشاشة، في غرفة الجلوس، مردّدةً «قلك إيه قلك آه» في الفوازير والاستيقاظ لتناول وجبة السحور، على وقع قرع «المسحراتي» على الطبلة والزينة البسيطة، لكن الجميلة، في الأحياء الشعبيّة... في ما بعد، يعي المرء أن الشهر الفضيل يرتبط بتراث جميل وعادات حميدة، ويمثّل مناسبة لتبطيء وتيرة الحياة «المجنونة»، وللرجوع إلى عمق معاني الصوم؛ أي الصبر واختبار قوة الإرادة والعزيمة والإحساس بالتساوي مع الغير في أداء الفريضة.
على الرغم من اتباع نمط العيش المعاصر، هل يمكن لتاسع الشهور الهجرية، أن يؤصل فينا عادات، تستمر حتى بعد انقضاء أيام رمضان الثلاثين أو التاسعة والعشرين؟ محاولة إجابة في تحقيق «سيدتي» الآتي.
 



أعدت الملف وشاركت فيه | نسرين حمود Nisrine Hammoud

بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine - تصوير | محمد رحمة Mohamad Rahme

جدة | ريهام المستادي Riham Almistadi - تصوير | عبدالله الفالح Abdullah Alfaleh

الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad




سواء تعلق الأمر بتجديد أواني الزينة قبل حلول رمضان وتدريب النساء على تجويد القرآن كل صباح خلال الصوم، كما في السودان، أو طلاء المنازل استعداداً لقدوم «شهر الخير»، كما في اليمن، أو تزيين أبواب المنزل بحبال الزينة المضاءة والآيات القرآنية، كما في السعودية، أو لبس النساء والرجال والأطفال اللبس التقليدي في المغرب، أو تبادل أطباق الطعام في سوريا بين الجيران... هناك عادات رمضانية صمدت وأخرى اندثرت.

«سيدي رمضان»

 

احتفالات ؤمضان
                سلمى بنسعيد

تتغير مظاهر الحياة اليومية في رمضان في العالمين العربي والإسلامي، ففي المغرب خصوصاً، يعبّر شهر الخير الذي يطلق المغاربة عليه اسم «سيدي رمضان» جمالية الطقوس الاحتفالية وقيم الأصالة المغربية. في هذا السياق، تتحدث لـ«سيدتي» سلمى بنسعيد، خبيرة التصميم الداخلي وفن العيش، ومؤسّسة منصة التواصل «ديالنا ماروك» للتعريف بالتراث المغربي الأصيل وتثمينه، من خلال عدد من اللقاءات والمبادرات التي تدور حول الحرف التقليدية والثقافة المغربية والتراث اللامادي، فتقول إن «شهر رمضان الكريم فرصة حقيقية للوقوف على أهمية التقاليد والعادات المغربية العريقة؛ إذ يجدد المغاربة موعدهم خلاله مع كل ما هو محلي أصيل، عن طريق استعادة أجواء حميمية لا تتكرر سوى في هذه الفترة من العام».

وتوضّح أن «الاستعدادات للشهر في البيت تبدأ بتنظيفه، وتغيير الأفرشة، وشراء أوان جديدة، لا سيما صحون الحريرة المسماة «الزلايف»، أو الحرص على استخدام أجمل الأواني المتوافرة والديكورات لتزيين المائدة». وتضيف أن «الشهر الكريم في المغرب هو فسحة لمعانقة التقاليد ولقاء الأهل وتنظيم سهرات عائلية وتبادل الزيارات. وحول المائدة الرمضانية، يلتم شمل العائلات وتعاد للعلاقات الإنسانية نكهتها باللمة، وتتفنن المغربيات بتحضير أشهى الأطباق، خصوصاً الحريرة، وشوربة الفطور الأساسية، من دون الإغفال عن حلويات رمضان، وهي: الشباكية، وسلو، ولبريوات باللوز». وتلفت الخبيرة إلى أنه على الرغم من انفتاح المغربيات على أطباق أخرى والأكل الصحي العصري، فلا تنازل عن الحريرة ومرفقاتها في رمضان، الشهر الذي يزدهر فيه اللباس التقليدي؛ أي «جلابة رمضان» التي تحرص كل امرأة على ارتدائها.

في المغرب، ومع إقبال النساء على صلاة التراويح، في المساجد، تلتقي الصديقات في لقاءات محبة، ويخلقن أجواء من التضامن مع المرضى والمعوزين عبر تنظيم موائد إفطار خيرية أو توزيع المساعدات.

من جهة أخرى، تُستعاد في رمضان دقات الطبال الذي يجوب شوارع المدينة العتيقة ليلاً والنفار الذي يعلن موعد الأذان، كما يحافظ بعض مدن المغرب العتيقة على إطلاق صوت المدفع إيذاناً بموعد الإفطار أو الانقطاع عن الأكل قبيل الفجر. كما تحافظ العائلات على طقوس صيام الصغار، خصوصاً في ليلة القدر التي ترافقها احتفالية جميلة بالأطفال الذي يرتدون أبهى الحلل التقليدية وتوزع عليهم الهدايا، ويحتفى بهم بوصفهم نجوم تلك الليلة بالأهازيج وأطيب البخور وعطور العود. في ليلة النصف من شهر رمضان، يطلق الطيب، وتحضر أطباق الدجاج البلدي غالباً.

سلمى بنسعيد: تحافظ العائلات المغربية على طقوس صيام الصغار، خصوصاً في ليلة القدر التي ترافقها احتفالية جميلة بهم

 

«خياطة اليوم»

تحرص العائلات على تعليم الأبناء الصيام منذ الصغر، فيما يسمى «خياطة اليوم»؛ أي أن يصوم الطفل نصف يوم ويفطر، ثمّ يصوم في اليوم الموالي النصف الآخر. وتتداول الأمهات تعبير «خياطة اليوم» لتشجيع الصغار على رمضان وتهييئهم لهذه العبادة مستقبلاً.

ولليلة القدر نكهة خاصة بتحضير التريد المعدّ برغيف خاص والدجاج البلدي أو بطبق الكسكس. للمناسبة، تقدم العائلات الصدقات للمساجد القريبة من مكان سكنهم كل حسب إمكاناته.

تابعي المزيد: في رمضان الأم العاملة كيف تعيش أجواء الشهر الكريم؟


لمة العائلة

دعاء زهران

من ناحية دعاء زهران، المستشارة الأسرية والاجتماعية، هي ترسم صورة جذابة لتاسع شهور العام الهجري في السعودية، قائلة إن «تحقيق الجوّ الرمضاني يبدأ بشكل مبكّر، مع نهاية شعبان، من خلال تزيين البيوت بالزينة الرمضانية، وشراء المؤن، وتثليج بعض المأكولات، ووضع برامج دينية لتطبيقها خلال أيام الصوم، والتنافس على فعل الخير وقراءة القرآن والصدقة». وتضيف أن «أجمل العادات المنتشرة بين الأسر السعودية هي لمة أفراد العائلة على دعوات لولائم السحور والإفطار، خصوصاً في اليوم الأول من رمضان، الذي يشيع إحساساً يصعب وصفه، فاجتماع أفراد العائلة مع بعضهم البعض، والمشاركة في تحضير أطباق الفطور المعروفة (الشوربة والسمبوسة والبليلة والفول واللقيمات)، إلى جانب مشهد الازدحام الذي تعرفه الشوارع، قبيل الإفطار، وطول الانتظار في محلات الفول والسوبيا والحلويات وتبادل الأطباق مع الجيران، ثم التفاف العائلة بعد الإفطار حول شاشة التلفاز لمتابعة المسلسلات والبرامج المشاركة في السباق الرمضاني إلى وقت صلاة التراويح. بعد ما تقدم، يبدأ السهر والازدحام في الأماكن العامة والأسواق إلى موعد السحور». وتزيد «هناك عادات جديدة طرأت على الأسر السعودية في رمضان، لتضفي عليه نكهة خاصة، مثل: الخيم الرمضانية التي انتشرت في بعض الدول المجاورة، وانتقلت إلينا لتصبح نقطة تجمع لبعض العوائل على سفرة الإفطار أو السحور داخل تلك الخيم، بعيداً عن جو المنازل. كذلك، نجد بعض السيدات أصبحن يتنافسن على ارتداء الجلابيات الرمضانية لتقام لها «البازارات»، التي تساير في معروضاتها موضة كل عام لتناسب أجواء الشهر...». هذه تفاصيل لا يمكن تعويضها إلا في موسم رمضان، الذي يقوي ارتباط أبنائنا بالشهر، ويحبّبهم بلمّة العائلة، ويعزز التعاون بينهم، ويدفعهم إلى التنافس في عمل الخير والاستمرار عليه، حتى بعد انتهاء شهر رمضان، حسب المستشارة التي تثير أمر الصراع الراهن بين عادات رمضان وطقوسه الاجتماعية والعائلية الجميلة التي تتناقلها الأجيال، وانعكاسات الحداثة والتغير في نمط المعيشة والتوجهات الفكرية.

دعاء زهران: علينا أن نجعل من العبادات في رمضان عادات جميلة تتوارثها الأجيال

 

عبادات وعادات

توسّع المستشارة فكرتها، قائلة إن «نمط الحياة العصري أجبر غالبية الناس على تغيير بعض العادات، وسبّب اندثار أخرى؛ مثلاً المعايدة في المناسبات، أصبحت تتحقق عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، واستبدال البعض بلمّة العائلة الاجتماع في المطاعم...». لذا، تدعو المستشارة إلى المحافظة على العادات الرمضانية المليئة بالروحانية والحب كما تعلمناها من نبينا (صلى الله عليه وسلم) ما يعمق الروابط الأسرية، على الرغم من رفض أبناء هذا الجيل العادات انطلاقاً من عدم الرغبة في الارتباط والالتزام. لكن، يجب السعي، حسب المستشارة، إلى تحبيب الأبناء بالطقوس والعادات، بما يناسب جيلهم، ويجعل من هذه الثقافة محببة ومطلوبة، فعندما يستمع الأبناء عن حياة الأجداد قديماً قد ينبهرون بها، لذا على الآباء والأمهات نقل ذلك بصورة جميلة تدمج بين بساطة الماضي وجمال الحاضر.. ففي أول رمضان، يجب السعي إلى نقل إحساس يصعب وصفه في أيام العام الأخرى، من خلال كسر حاجز النمطية في سلوك المعيشة اليومي، واجتماع العائلة، ومشاركة أفرادها تحضيرات الفطور، ومناقشة حال كل صائم، واختيار أفراد العائلة المسجد المفضل لصلاة التراويح طيلة الشهر. تنمي هذه التفاصيل البسيطة الكثير داخل الأبناء، لتجعل ارتباطهم برمضان يتمثل في التجمع العائلي والتعاون والحبّ، وتبادل المنفعة والزيارات، والمشاركة في الصلاة وعمل الخير، والتنافس في ختم القرآن.

وتشدّد على الفكرة الآتية: «علينا ألّا نجعل من العادات عبادات، بل أن نجعل من العبادات في رمضان عادات جميلة، تتوارثها الأجيال».

تابعي المزيد: ما هو شعور المؤمن بدخول رمضان؟


العطاء أرقى العادات

ديالا عيتاني

 

بحسب ديالا عيتاني، المعالجة النفسية ومدرّبة تطوير الذات، فإن هناك عادات تزيّن الحياة اليوميّة وتزيد عليها نكهة خاصة مميّزة خلال هذا الشهر، مثل: تعليق الزينة الرمضانية في الشوارع وساحات المساجد، وتحضير بعض الأطباق، فيما العطاء هو من أرقى العادات... والسبيل إلى الحفاظ على العادات هو معرفة قيمتها وتقديرها لأنها متوارثة من الأجداد.

ديالا عيتاني: يجب أن تمتد اللقاءات العائلية حتى بعد انقضاء رمضان، فهذه ضرورة اجتماعية لا بد منها

 

الصحة النفسية

تعلّق المعالجة أهمّية على العبادات في شهر رمضان وآثارها في الصحة النفسية، فالصوم يعلّم تهذيب النفس والسيطرة عليها، من خلال الإمساك عن الطعام والشهوات؛ ما يزيد الثقة بالذات.

الصلاة، بدورها، تحقق الراحة النفسية، فهي تخفف من التفكير السلبي والقلق والحزن على أحداث فاتت، ليبقى الفرد مركّزاً على الوقت الراهن، مع الشعور بالرضا والاطمئنان.

تقول المعالجة إن «شهر رمضان مساعد إلى حدّ كبير في الحد من أثر العادات السيئة، ومحفز على التوجّه إلى عادات جديدة إيجابية، بالمقابل، مثل: التخفيف من العصبية، والاهتمام بالصحة النفسية والمزاج والمشاعر، إضافة إلى الاهتمام بالصحة الجسدية، ومعرفة نقاط الضعف لتقويتها في المستقبل أكثر».

لناحية العادات، تدعو المعالجة إلى أن تظل صلة الأرحام قائمة، لتمتد اللقاءات العائلية حتى بعد انقضاء الشهر الفضيل، فهذه ضرورة اجتماعية لا بدّ منها، ولو مرة في الأسبوع، بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي ومتاعب العمل ومصاعبه، بهدف تقديم الأفراد الذين تربطهم رابطة الدم الدعم المعنوي والعاطفي لبعضهم البعض، من أجل قضاء وقت إيجابي ممتع، كما تبادل الأحاديث.

وتوضّح المعالجة أن «الهدف الرئيس من تجمّع الأسرة هو قضاء وقت ثمين معاً، لا مجرد تناول الطعام أو التحديق في الشاشات، بأنواعها»، مقترحة اختيار لعبة للتسلية عند التجمع (الشطرنج مثلاً)؛ ما يسمح بتمضية وقت أسري ممتع ومفيد، ويقوم بدور في تحسين العلاقات، فاللعبة ستفتح المجال لتبادل الحديث عن قوانينها وتطوراتها بين أفراد الأسرة في البدء، ليتشعب الحديث إلى مواضيع أعمق؛ ما يسهم في تعزيز التواصل، وتعميق العلاقات الأسرية، إضافة إلى دور الشطرنج، وأي لعبة مجتمع مماثلة، في شحذ الاهتمام، والتركيز الشديد؛ ما يشجّع أفراد الأسرة على التخلّي عن الأجهزة اللوحية و«الموبايلات»، والتركيز في قضاء الوقت معاً. كما أن هذا النوع من الألعاب يعد بمنزلة تدريب لأفراد الأسرة على التعاون والعمل الجماعي، مع التشديد على أن الفوز هو مجرد انتصار بسيط في لعبة، لكن الاحتفال به ولو بتصفيق أفراد الأسرة، يعزّز الثقة بالنفس.


«نوستالجيا»

تستعيد شاشة التلفاز مكانتها في رمضان؛ إذ يُلاحظ أن كثيرين ممن يعتزلون متابعة المسلسلات خلال العام، يشدهم على الأقل مسلسل من الإنتاجات الجديدة التي أصبحت تظهر حقيقة المجتمع بصورة واضحة، وحتى من دون «رتوش»، ولا توري في التفاصيل. إلى ذلك، يمثل رمضان «نوستالجيا» جماعية إلى بعض الإنتاجات التي تعلقت بها الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، مثل: الفوازير، ومسلسلات مصرية من ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، منها: «ليالي الحلمية»، و«الشهد والدموع»، و«رأفت الهجان»، و«ضمير أبله حكمت»، و«لن أعيش في جلباب أبي»، قبل أن تتقدم المشهد الدراما السورية، ببيئتها الشامية، ثمّ «يكسح» الإنتاج المشترك اللبناني السوري الشاشات، ويتقدم الخليجي.

 

سهى الوعل: هناك نجوم حجزوا لأنفسهم مساحة في ذهن المشاهد خلال رمضان، ومن أبرزهم نيللي كريم

بحسب سهى الوعل، ناقدة فنية سعودية، فإن «طاش ما طاش هو أبرز الأعمال الراسخة في ذاكرة السعوديين، ليس الكبار حصراً، بل أيضاً الجيل الجديد؛ أولاً لأنهم كبروا وهم يسمعون عنه طوال الوقت، وثانياً لأن مقاطعه هي الأكثر انتشاراً اليوم في التطبيقات المنتشرة بينهم كـ«تيك توك»، ولذلك لديهم فضول كبير لمتابعته في رمضان. نجوم «طاش» لا يزالون مرتبطين بهذا الشهر لدى معظم الناس، بينما في الوطن العربي تعتقد الناقدة أن يحيى الفخراني هو الأكثر التصاقاً بذاكرتهم وكان غيابه أمراً محزناً لهم. في الأعوام الأخيرة، هناك نجوم أيضاً حجزوا لأنفسهم مساحة كبيرة في ذهن المشاهد، خاصةً في رمضان، أبرزهم: نيللي كريم، وأحمد مكي، ودنيا سمير غانم، ومحمد رمضان.
تقول الناقدة لـ«سيدتي»: «الحراك في هذا الشهر هو الأهم، وأعتقد أن هذا العام سيكون تنافسيّاً للغاية؛ لأن الأعمال تحمل أفكاراً مختلفةً وجريئةً، وأن معظم النجوم متواجدين. لذا، الالتفاف حول التلفزيون سيكون كبيراً، والفضائيات ستنتعش من دون استثناء، وهذا أمر جميل للغاية.. إلى ذلك، «الترند» لن يهدأ».

تابعي المزيد: ماذا يعني لك رمضان؟