الترمس والحمص أيقونة سهرات عيد الفطر في مصر

طبق ترمس
طبق الترمس اللذيذ (clark-douglas-unsplash)
عادات وتقاليد وموروثات قديمة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ المصري القديم، تضفي أجواء تملؤها البهجة والسعادة في مختلف المناسبات، يحرص المصريون على ممارستها لا سيما في الأعياد، ومنها عيد الفطر المبارك، ورغم اختلافها وما قد يشوبها من مظاهر احتفالية غريبة، إلا أن جميعها ترتبط في مجملها بجذور طقسية تاريخية كرست لها عادات وتقاليد المصريين بطول وعرض السنين، أحد هذه التقاليد الفريدة هي طبق الترمس ومعه الحمص واللذان كثيراً ما تستضيفهما الموائد المصرية في صعيد مصر تحديداً، وخاصة أول أيام عيد الفطر مباشرة، حيث يُقدم للضيوف المهنئين بالعيد.
يقول الباحث في التراث د. شوقي عباس لسيدتي الترمس و الحمص أطباق اعتاد المصريون على أن تكون على رأس موائدهم بالأعياد، يتناولونها كتسالٍ بين الوجبات، حيث نجد قبل عيد الفطر بأيام إقبال كبير من المصريين لشراء الحمص والترمس، لإعداده قبل العيد، حتى يكون جاهزاً للأكل صبيحة يوم العيد.

• أيقونة تغني بها الطرب الشعبي


يقول الدكتور شوقي: قبل العيد بأيام تبدأ ربة الأسرة المصرية في تجهيز التسالي لتناولها أمام التلفاز أوللتنزه في الحدائق، أوتقديمها الي الضيوف مع بعض المكسرات والمسليات في أول أيام عيد الفطر المبارك، فمن المعروف أن المصريين في عيد الفطر يتناولون أنواعاً كثيرة من المسليات والمقرمشات، عقب ثلاثين ليلة عامرة بأنواع الأطعمة بمختلف أشكالها وألوانها وتفاصيلها علي الموائد الرمضانية، والتي تعكس فضل الشهر الكريم، وذلك لسد أي إحساس بالجوع بعد أن حرموا منها أثناء الصيام.
يؤكد د. شوقي أن الترمس يُعد أيقونة التسالي الشعبية الخفيفة السهلة البسيطة الكلفة، فهو في متناول مختلف طوائف الشعب بأغنيائه وفقرائه، صغاره وكبار، وهو وسيلة تقارب بين العشاق، وسبيل تلاقي نزهات الأصدقاء، ووسيط تسالي خروج الصغار بالعائلات، وأيقونة العيد في السهرات، على أن للترمس حكاياته المتعددة بين التاريخ والآثار والزراعة وكذلك في الطب والأغانى والدراما، أشهرها أغنية الفنان محمد رشدي على لسان بائع الترمس والحمص "ترمس على حمص شامي ترمس حمص، غيره مبعش، دوق الحلو عند الحلو دوق وادعيلى شوف اللولو دوق الحلو عند الحلو" ، ومن منا لم يتابع العديد من المشاهد بالاعمال الدرامية، حيث يتنزه البطل مع حبيبته على الكورنيش بصحبه "قرطاس" الترمس الشهير.

• الموطن الأصلي للترمس


يقول الدكتور شوقي: من المعروف إن الترمس نبات عشبي معمر، وهو معروف لدى الأجداد، فيُزرع عادةً لقيمته الغذائية المفيدة. حيث فوائد الترمس الصحية لا تصدق، وقد عُرف منذ ما يقارب من 3000 سنة كغذاء في منطقة حوض البحر المتوسط، فتكثر زراعته في مختلف الدول العربية، ويوجد منه أكثر من نوع أشهرها الترمس الحلو، والترمس المر ولكل منهما فوائد مذهلة، ومن المعتاد أن يتناوله المصريون بإضافة الليمون والشطة والملح، على أن الترمس أصله من بلاد الشام، وجنوب أوروبا، وقد انتقل لمصر عبر سوريا، حيث يتفنن المصريون في زراعته منذ أيام الفراعنة، فقد عُثر على الترمس في دراع أبوالنجا بالأقصر من عصر الدولة الحديثة، وكوم أوشيم بالفيوم من العصر اليوناني والإغريقي، وهو محفوظ بالمتحف الزراعي بالدقي.

• تناول الترمس وبليلة الحمص في الأعياد لها جذورها الفرعونية

طبق الترمس اللذيذ (clark-douglas-unsplash)

إن تناول كلٍ من الترمس والحمص في الأعياد له جذوره الفرعونية، وقد كان يُستخدم في الأغراض الطبية عند قدماء المصريين، وقد استخدم مسحوق الترمس في غسل الأيدي مختلطاً بالملح، عوضاً عن الصابون للقضاء على الحالات المستعصية في شفاء القروح، وكان يتم تناوله في الأعياد الإسلامية، لما له من فاعلية في القضاء على البكتريا بعد فترة الصوم، حيث ذكرته الكتب التراثية القديمة، مثل داود الأنطاكي وغيره، من كتب الطب، والذي يتناوله أهل الصعيد أول أيام عيد الفطر المبارك.
يؤكد د. شوقي أن عادة أكل الترمس فى مصر في الأعياد ظهرت خلال العصورالإسلامية، فقد ذكره العالم الأندلسي عبد الرَّحْمَن بن مَرْوَان ابْن الْقُرْطُبِيّ، أثناء رحلتة العلمية إلى مصر خلال القرن الرابع الهجري، حيث قال كنت بِمصْر وَشهِدت الْعِيد مَعَ النَّاس فانصرفوا إِلَى مَا أعدوه، وانصرفت إِلَى النّيل وَلَيْسَ معي مَا أفطر عَلَيْهِ إِلَّا شَيْء من بَقِيَّة ترمس بَقِي عِنْدِي فِي خرقَة، فَنزلت على الشط، وَجعلت آكله وأرمي بقشره إِلَى مَكَان منخفض تحتي، وَأَقُول فِي نَفسِي ترى إِن كَانَ الْيَوْم بِمصْر فِي هَذَا الْعِيد أَسْوَأ حَالاً مني؟، فَلم يكن إِلَّا مَا رفعت رَأْسِي وأبصرت أَمَامِي فَإِذا بِرَجُل يلقط قشر الترمس الَّذِي أطرحه ويأكله فَعلمت أَنه تَنْبِيه من الله عز وَجل وشكرته.
من أبرز الطقوس التى مازالت محل اهتمام من قبل أحفاد المصريين فى عيد الفطر المبارك، الاعتماد على بليلة الحمص كوجبة إفطار رئيسة فى أول أيام عيد الفطر المبارك لأسباب عديدة صحية واجتماعية، وبجانب طبق بليلة الحمص إلى جانب طبق الترمس الذى يعتمد عليه البعض كوجبة إفطار ويعتمد عليه آخرون كمسليات تقدم للضيوف والمهنئين بالعيد من الأقارب والأصدقاء وتعتبر أحماض أوميجا 3 الدهنية الموجودة في الحمص مهمة لتحسين البشرة وتحفيز نمو الشعر، وهو مصدر جيد للألياف التي تساعد في الحفاظ على صحة الجهاز الهضمى، والحمص يعتبرمصدراً جيداً للبروتينات للنباتيين الذين لا يحصلون على حصتهم من المواد الغذائية من المنتجات الحيوانية ومنتجات الألبان.