زوجة الأب الصالحة هل تعوض عن الأم الحقيقة؟

زوجة الأب الصالحة هل تعوض عن الأم الحقيقة؟
زوجة الأب الصالحة هل تعوض عن الأم الحقيقة؟

يقال إن الأم لا يمكن أن تعوّض، ولكن هناك استثناءات قد تكون فيها امرأة أخرى قادرة على أن تحلّ مكان الأم الحقيقة، حين تكون مخلصة وفية ذات قلب رحيم وعقل نير وأخلاق حميدة. شباب وشابات يعيشون في كنف زوجة أب صالحة، يتحدثون لـ «سيدتي»، كيف يرون ذلك، وما إحساسهم بهذه الأم الجديدة؟ وهل عوّضت جزءاً من فقدان الأم الحقيقة، وما الرسالة التي يوجهونها إليها؟



جدّة | أماني السراج Amani AL Sarraj - المنامة، مسقط | عواطف الثنيان Awatif Althunayan

القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab- بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine

تونس | منية كوّاش Monia Kaouach


الأم هي من ربت وأعطت بحب

سمر طرابلسي

سمر طرابلسي: أخبرتنا بأنها شاهدت والدتي في المنام، وقالت لها (أبنائي هم أمانة عندك)، وقد أدت الأمانة وأكثر


«رزقني الله بزوجة أب كانت بمنزلة الأم، استطاعت بخلقها الطيب وصدرها الرحب التقرب منا، وبثت لنا جميع مشاعر الأمومة والخوف علينا، والنصيحة لنا، حتى كبرت في كنفها، وتزوجت»، بذلك بدأت سمر طرابلسي، مديرة قسم مالية الخزينة بالبنك الأهلي السعودي، حديثها معنا، وتكمل: «منذ اليوم الأول الذي تزوجها فيه والدي، أخبرتنا أنها شاهدت والدتي في المنام وقالت لها (أبنائي هم أمانة عندك)، وقد أدت الأمانة وأكثر ولله الحمد، فهي لم تقصر معنا في شيء، وراعت الله في معاملتنا، وقامت بتربيتنا التربية الصالحة، حتى استطاعت كسب قلوبنا ومحبتنا، فليس هناك حد لعطائها اللامتناهي، حتى في يوم زواجي فقد وقفت معي وقفة الأم، وساعدتني في جميع التفاصيل، حتى اختيار فستان الزفاف.

أشعر بالكثير من الامتنان لها، وكلمة شكر لا توافيها حقها، وأدعو لها بطولة العمر مع الصحة والسعادة، فصدقاً ليست الأم فقط من أنجبت، ولكن الأم هي من ربت وأعطت الحب بلا حدود».

 

 

أنا كذلك زوجة أب

تستطرد: «اليوم بعد أن تزوجت، شاء الله أن أكون كذلك زوجة أب، هنا شعرت بثقل المسؤولية وصعوبتها، انتابتني مشاعر الخوف، ولكن بفضل الله ثم زوجة والدي استطعت التغلب على ذلك، فقد كانت لي السند والمعين، وشجعتني على احتضان أبناء زوجي، وذكرتني بالأجر العظيم عند الله. وأحب أن أقول إن زوجة الأب هي أم بديلة، سواء الأم التي تُوفيت أو تلك التي انفصلت، وهي تُمثِّل دور الأم».

وأضافت: «الذي يحكم أخلاقيات زوجة الأب وسلوكياتها مع الأبناء هي المنظومة الأخلاقية؛ لأنه لا يمكن أن تكون صالحة ومؤمنة وتؤدي فرائض ربها، وتعامل أولاد زوجها معاملةً سيئةً، وقد شاهدنا نماذج كثيرة للأم البديلة التي نجحت في تربية الأبناء بدلاً من الأم الحقيقية؛ لأنها هي التي ربت، لكن للأسف يتم التركيز على النماذج السلبية في كثير من الأحيان».

معاملة غاية في الحنان

عبده موسى

عبده موسى: في البداية كنَّا نخشى الاقتراب منها، لكنها استطاعت بفضل اهتمامها بنا، وتوفير كل ما نتمناه أن تصل إلى قلوبنا

 

عبده موسى، شاب مصري أنهى دراسته الجامعية بكلية التجارة، يقول: «بفضل الله واهتمام زوجة أبي بي تمكنت من التخرج من أفضل الجامعات، والحصول على وظائف بعد التخرج. بعد فقدان أمي عشنا حياة صعبة لفترة من الزمن، قبل أن يتزوج أبي بامرأة ثانية، في البداية كنَّا نخشى الاقتراب منها أو التقرب إليها، لكنها استطاعت بفضل اهتمامها بنا، وتوفير كل ما نتمناه ونحلم به من طعام وملابس واهتمام أن تصل إلى قلوبنا، مؤكداً أنه لا يطلق عليها إلا لقب «ماما».»

وعن إحساسه بزوجة الأب، يقول: «لم أتصور للحظة أن الزوجة الثانية ستعاملني بهذه الحنية، ولكن الحقيقة أنني لم أتصورها يوماً، فهي مليئة بمعنى الإنسانية والرحمة والعطف. النماذج الطيبة كثيرةً، وفي كل الأحوال حسن المعاملة أو غيرها يرجع إلى ثقافتها وبيئتها التي نشأت فيها، وقبل ذلك تدينها وعلاقتها بربها؛ لأن التقوى هي أساس المعاملات بين الناس».

وحول سؤاله عما إذا عوضته جزءاً من فقد الأم الحقيقية، يقول عبده: «حرصت على إرضائي وسعادتي من ذي قبل، خشية أن أشعر بفارق في المعاملة. علينا أن ندرك أن الكلام عن زوجة الأب لا يعمم، فأصابع اليد لا تتشابه، هناك زوجات آباء أمهات، ولديهن مبادئ وقيم وأخلاقيات، وهن نساء فاضلات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهن يجسدن الأمومة بأروع أشكالها لأبناء لم ينجبنهن بكل حنان وحب وسعة صدر، أرفع لهن القبعة احتراماً وتقديراً، فمحاولة تربية «أبناء الزوج» صعبة، فالصورة المشوهة المزروعة في عقول الكبار والصغار قد تجعل مهمة «زوجة الأب» الصالحة للتعايش مع أبناء زوجها في جو أسري شبه مستحيلة».

ويرى عبده أن التعميم بنجاعة الدواء البديل ليس صواباً دائماً أو خطأً دائماً، فهو خاضع لتقديرات الوفرة والندرة وتقارب مركباته ومفعوله مع الدواء الأصلي، وتعامل المحتاج مع الدواء، وأظن أن ذلك ينطبق على الأم البديلة (زوجة الأب)، فمن الخطأ عدّ كل (زوجة أب) غير صالحة وغير مستأمنة على الأولاد، فتحية إلى أمي البديلة.

تابعي المزيد: بعد أن توسّعت دائرة المؤثرين فيها التربية الحديثة في عيون الشباب


تفاهم وانسجام

فرح الجوّادي

فرح الجوّادي: لم أتردّد في مناداة زوجة أبي بـ«أمّي» لما أبدته نحوي من حنان ومشاعر صادقة

 

تتحدّث التونسية فرح الجوّادي، طالبة في علم الاجتماع، عن تجربتها في التّعايش مع زوجة أبيها قائلة: «غادرت أمّي المنزل بعد طلاقها من أبي، وعمري ثلاث سنوات فظلّ والدي يرعانا أنا وأخي، ويشرف على شؤوننا إلى أن حلّت بيننا زوجته الثّانية، وكان عمري آنذاك ثلاث عشرة سنة.

لم تتدخّل زوجة أبي في البداية في شؤوننا، وبقيت تراقبنا وتطّلع على طبائعنا وسلوكياتنا، ثمّ أخذت تقترب منّا شيئاً فشيئاً، ثمّ أصبحت تساعدنا لمراجعة دروسنا، وتسعى إلى تلبية طلباتنا، وتحرص على مصلحتنا، فبعدما عوّدنا والدنا مثلاً على شراء بعض المأكولات في طريقنا إلى المدرسة أصبحت تعدّها لنا في المنزل، لندّخر مصروف الجيب لشراء الّلعب وكتب المطالعة».

ذكريات

عادت فرح إلى ذكرياتها مع زوجة أبيها الثّانية قائلة إنها كانت تستيقظ باكراً لتعدّ لهما فطورهما وتهيّئهما للذهاب إلى المدرسة، وكانت تحرص على أن يكونا في صورة حسنة وبهندام لائق، كما أنّها لم تسع يوماً إلى افتعال المشاكل، ولم تشكوهما لأبويهما لتؤلّبه عليهما.

تتابع فرح قائلة: «لم أتردّد في مناداتها «أمّي» لما أبدته نحوي من حنان ومشاعر صادقة، كسبت مودّتي باهتمامها بي. رسّخت فيّ مبادئ الحوار، وتعلّمت آداب الحديث وآداب الأكل، لم تكن تأمرني، بل تكتفي بنصحي وتوجيهي، وحصل لها، وعاقبتني لمّا رفعت صوتي عالياً في وجهها، فلم أحقد عليها، فقد ترسّخ في ذهني أنّها والدتي، ومن حقّها أن تؤدّبني كما تؤدّب كلّ أمّ ابنتها».

الزوجة الثالثة

طلّق والدها زوجته الثّانية، وتزوّج بامرأة ثالثة، وكان عمر فرح آنذاك عشرين سنة، فتأثّرت فرح بهذا الحدث الصّادم، وحزنت لفراق زوجة أبيها وأمّها البديلة، ثمّ قبلت وضعها الجديد، وقرّرت أن تتعاطى مع زوجة أبيها الجديدة بواقعيّة، وبعيداً عن العاطفة.

تعايشتا معاً في هدوء وطمأنينة، يجلسان معا للدّردشة وللتّشاور في شؤون ومتطلّبات المنزل، أصبحت أيضاً صديقتها وكاتمة أسرارها، ترافقها لشراء بعض حاجاتها، وتعلمها للخروج مع رفاقها. توطّدت العلاقة بين فرح وزوجة أبيها فبلغتا مرحلة كبيرة من التّفاهم والانسجام.

تواصل فرح قائلة: «علّمتني الحياة أن أعتمد على نفسي، وألبّي حاجاتي بمفردي؛ لذلك لم ألق بأعبائي على زوجة أبي، ولم أحاسبها أو ألومها على تقصيرها في خدمتي، لم أربط سعادتي برضائها عنّي، وحافظت على خصوصياتي واستقلاليتي».

سخرت حياتها لرعايتي

سمينا الهاجري

سمينا الهاجري: الأم الحقيقية هي التي تربي وترعى وليس فقط التي تنجب

 

أكدت البحرينية سمينا الهاجري، مدربة موارد بشرية، بأن لو كانت لديها أم لن تحبها وترعاها كما أحبتها ورعتها زوجة والدها بقولها: «توفيت والدتي – رحمها الله - منذ أن كنت طفلة رضيعة في عمر السنتين، وزوجة والدي سخرت حياتها لرعايتي والاهتمام بي، خاصة عند مرضي، وتخلت عن وظيفتها؛ حيث كانت تعمل معلمة لغة عربية، ولكنها فضلت رعايتي، وكنت أخشى من أنها إذا أنجبت أطفالاً آخرين تقل محبتها لي، ولكن ولله الحمد لم تتغير، وعلاقتي بأخوتي جميلة يسودها الاحترام والمحبة».

وزادت: «كلما تمر الأيام تقربنا من بعضنا أكثر، والدتي سحر (زوجة والدي) بالنسبة إلي هي الأم والأخت والصديقة، التي عوضتني فقدان والدتي الحقيقية، وشجعتني على استكمال دراستي الجامعية، وتعلمت منها كيف أصنع السعادة وأعيش حياتي برضا الله حتى أتجاوز الصعوبات».

وقالت سمينا: «انتهز هذه الفرصة لأوجه لوالدتي سحر رسالة شكر وعرفان على كل ما قدمته وما زالت تقدمه، وأتمنى من الله تعالى أن يمنحني القدرة على البر بها وإسعادها، وأن يطيل في عمرها، وبالفعل الأم الحقيقة هي التي تربي وترعى وليس فقط التي تنجب».

تابعي المزيد: جيل Z: نفخر بزماننا ونبحث عن فرص تناسب إمكانياتنا

أفضال كبيرة

تستذكر العمانية شيماء بدر الحبسة، الصورة النمطية لزوجة الأب، سيئة الصيت المتداولة في المجتمع قائلة: «في طفولتنا كنا قد رسمنا في مخيلتنا صورة نمطية عن زوجة الأب بأنها أيقونة القسوة، والظلم، والكيد، كل هذه الخرافات تحطمت عندما تزوج أبي بفتاة تكبرني بسنوات، وأصبح العيش في كنفها بمنزلة الأم، والصديقة، والرفيقة».

تقول شيماء: «يتفاجأ الكثير ممن حول أمي مريم، عندما تخبرهم أن الشخص الذي يرافقها في أغلب مشاويرها ابن زوجها (أخي هيثم)، فهي ليست زوجة أبي، بل أمي وأختي التي احتضنتنا، ورعتنا، كما لو كنا أبناءها، فهي المثالية بعلاقتها مع ربها، والمعطاءة، والمحبة للجميع، لها أفضال علينا لست أحصيها».

 

شيماء الحبسة: أمي مريم كسرت الصورة النمطية لزوجة الأب

 

خرافات تتلاشى

توافقها الرأي أختها زمزم الحبسة بقولها: «يحدثونا كثيراً عن كيدِ زوجةِ الأبِ، عن قسوتِها وظلمِها، وأنّها من الراسخين في الذنبِ، وعن أشياء موجعةٍ ومفزعةٍ لقلب أي طفل صغير فقد والدته، ثم رجعت وقالت - خالتي مريم - هي (أمي الثانية)، كل القصصِ تتحطمُ عندَ عتباتِ كيانِ أمنا مريم (زوجة والدي)، لتصبحَ خرافاتٍ تتلاشى، وتضمحلّ من عقولنا، لقد عشنا معها تحت سقف واحد، في بيت يسوده الحب، والتآخي، والود، والاحترام».

وتضيف معبرة عن إحساسها: «لقد أرسل الله لنا زوجة أب صالحة، غرست في قلوبنا حب الله، وحب رسوله، وحب الخير للناس، وهي إنسانة معطاءة، وصاحبة أثر طيب. الكلمات لا تكفي لمدحها، ولكن نسأل الله عزّ وجلّ أن يجزيها عنا خير الجزاء، وأن يديمها لنا عمرأ ويديم صُحبتنا في الدنيا جنة وسعادة».

رأي علم النفس:

المعالجة النفسية ماري شاهين

هل تحلّ زوجة الأب مكان الأم الحقيقية؟

تشير ماري شاهين، معالجة نفسية واختصاصية في التقييم النفسي، إلى أنه حتى يتم بناء علاقة جيدة بين زوجة الأب والأولاد، «لا بدّ من توفّر شروط مهمة. سنعد أن زوجة الأب جاءت إلى العائلة بعد وفاة الوالدة، وهنا تصبح الأمور أسهل بكثير؛ لأن زوجة الأب لا تنافس صورة الأم هنا. في هذه الحالة يجب أن تكون شروط تعامل زوجة الأب مع الأبناء وطرق بناء علاقة مبنية على أسس معينة من دون أن ننسى الدور الكبير والأساسي الذي على الوالد القيام به. كل ابن خسر والدته بطريقة أو بأخرى ليس من السهولة أن يتقبّل أن تأتي امرأة أخرى وتحلّ مكانها، مع العلم يجب أن يعلم أنها تهدف فقط إلى لعب دور الأم، ولن تأخذ صورة الوالدة من قلبه، بل هي هنا للمساعدة والحماية والوقوف إلى جانبه».

أما النقطة الأخرى وفق المعالجة النفسية فهي «ضرورة وأهمية اختيار الأب امرأة مناسبة؛ حتى تكون محبّة لأبنائه؛ أي حسن اختيار سيدة حنونة، وعاطفية، ومرتّبة، ونظيفة، ولا تعاني من أية مشكلات نفسية معينة».

أما في حالة حصول الطلاق بين الأب والأم ودخول زوجة الأب إلى الحياة الأسرية الجديدة، فهذا الأمر يجعل العلاقة أصعب بين الأبناء وزوجة الأب، مع إمكانية حدوث المزيد من التجاذبات فيما بينهم... لذلك تصبح المنافسة أصعب بسبب وجود صورة الأم الحقيقية، إضافة إلى أن الأبناء قد يضيعون بين الأم والأب، وتتعقّد العلاقة أكثر وأكثر. هنا يجب أن يلعب الأب البيولوجي والأم البيولوجية دوراً مهماً لمنع نقل الحوار الحاصل بين الطرفين؛ حتى يستوعب الابن أن والده بات مع امرأة أخرى غير والدته التي من الممكن أن يحبها ويعدها مثل والدته الحقيقية وقريبة منه.

أما حول أصول تعامل زوجة الأب مع الأبناء، فمن المهم أن تكون مبنية على صلاحيات معينة معطاة لها من جانب الأب، مع بعض السلطة تجاه الأولاد قائمة على المصارحة، وتقديم النصائح والإرشادات للتوعية، إضافة إلى دور الأب المصلح للتهدئة من حدّة المشاكل في حال وقوعها؛ أي إظهار الصورة الجميلة لزوجته أمامهم، كأن يقول لهم إنها تحبهم كثيراً، وتخاف عليهم، ومن المهم أن يستمعوا لنصائحها؛ لأنها سيدة واعية، وأنا أدعمها وأقف إلى جانبها؛ حتى يشعر الأبناء بأن زوجة الأب ليست وحيدة، وبأن والدهم يقف معها، وهو على علم بكل ما يحصل داخل المنزل؛ بمعنى ضرورة فرض احترام زوجته من جانب أبنائه، من دون أن ننسى وضع زوجة الأب عند حدّها في حال تخطت الحدود المطلوبة منها، من خلال تعاملها مع الأبناء كأن تقوم بضربهم على سبيل المثال.

ترى المعالجة النفسية «أن نجاح العلاقة بين زوجة الأب والأبناء يأتي من خلال التوافق في طريقة التربية بين الأب وزوجته، وضرورة فهم الأولاد أن هذه السيدة هنا لأنها تحبهم وتنوي الاهتمام بهم. فعلى الأب أن يكون هو القائد. وهناك عدد كبير من زوجات الأب نجحن بهذا الدور أفضل من الأم الحقيقية».

تابعي المزيد: السعادة مفردة بمعان كثيرة