الفنانة التشكيلية ليلى الجندان: الذكاء الاصطناعي أداة لإنتاج أعمال فنية متميزة

نجحت من خلال لوحاتها، التي تنضح بالإبداع والتميّز، في وضع بصمة خاصة بها بالمشهد التشكيلي السعودي، وحققت شهرة عالمية عبر مشاركتها في معارض بدولٍ أوروبيةٍ عدة، إضافة إلى ملتقيات محلية وإقليمية. مارست الفن بجميع أنواعه، من رسمٍ إلى موسيقى، بوصفه عشقاً وهوايةً منذ سنوات عمرها الأولى، وعندما نضجت تجربتها الفنية، احترفت الفن التشكيلي، فأصبح ملاذها الآمن، وحرصت على تنمية وصقل موهبتها، ودعمتها بدراسة المجال أكاديمياً، لتنال دبلوم الفن التشكيلي، إلى جانب حضور دورات متخصِّصة. الفنانة التشكيلية السعودية ليلى الجندان، حاورتها «سيدتي» في فنها التشكيلي، فأفردت أوراق إبداعاتها على صفحات المجلة.

نقلت في أعمالي التراث والثقافة السعودية وأبرزت أزياء المرأة بطريقة عصرية مبهجة


أعمالي تجسِّد قوة المرأة

يطغى فن البورتريه على أعمالكِ، هل هو أكثر القوالب الفنية تعبيراً عما في داخلك من مشاعر مختلطة ومتضاربة؟

أحبّ أن أرسم ملامح الإنسان، وما تعبِّر عنه من مشاعر وأحاسيس مختلفة، وفي داخلي كتلةٌ من المشاعر المختلطة والمتضاربة الناتجة عن ضغوط الحياة، وعادةً ما أجد في ريشتي وألواني أفضل وسيلةٍ للتعبير عنها.

أشعر بالراحة الشديدة وأنا أرسم، وأعيش مع لوحتي أجمل اللحظات بعيداً عن صخب الحياة ومشكلاتها، وأركز على المرأة في معظم أعمالي، وأحاول جاهدةً إظهار قوتها وعزيمتها ومكانتها، لذا تجدها في عددٍ من لوحاتي، وهي ترتدي تاجاً على رأسها، في حين يعكس بعضها مشاعر الضعف والشك، والحديث مع النفس الذي تواجهه بوصفها أنثى، تسعى إلى إثبات وجودها في المجتمع.

جرأة الألوان

الألوان الصارخة من السمات التي تميِّز فنك، ما ضوابط استخدامها؟

أكثر ما يشدُّني للعمل الفني، هو الألوان، وجرأتها، والتناغم بينها، ومن أجل تحقيق التوازن البصري، وتماسك التصميم، يجب الانتباه للمفاهيم الأساسية التي تحكم عملية اختيار الألوان، أو ما يُعرف باسم نظرية الألوان.

في العادة لا أحبّ الأعمال الباهتة، وأشعر بأنها تفتقد إلى الحياة، وأعتقد أن الألوان في العمل الفني تعكس إلى حدّ كبير شخصية الفنان وجرأته، والرسالة التي يسعى إلى إيصالها، كما أن الألوان بطبيعتها تؤثر في نفسية وعواطف الأشخاص الذين يرونها، لذا أحبّ استخدام الألوان المبهجة، أو الصارخة في أغلب أعمالي، لترك أثر معيّن.

مجتمع أكثر إبداعاً

احتفت صحيفة القبس الثقافية الكويتية بإحدى لوحاتكِ عبر نشرها على الغلاف، وهو ما أعادنا إلى سنوات احتفاء الصحف بالفن التشكيلي وازدهار الصحافة الثقافية، هل تؤيدين مقولة إن مساحة هذا الفن تراجعت في الصحف؟

نشر لوحتي على غلاف صحيفة «القبس الكويتية» من أكثر المحطات العزيزة على قلبي، ولفتة أفتخر بها كثيراً. فهي صحيفة عريقة تسعى إلى رفع الذوق الأدبي والثقافي والجمالي في المجتمع من خلال المحتوى الذي تقدمه، وفي الوقت الجاري، ومع تسارع التكنولوجيا، تكاد الصحافة الورقية أن تفقد شيئاً من توهجها، لكن تظل أهمية الصحافة الثقافية والمؤسسات الإعلامية في خلق مجتمعٍ أكثر إبداعاً وأكثر تطوراً، والارتقاء به قائمةً، ولو أنني أرى أنه من المهم جداً أن تقوم الصحافة ببذل جهدٍ كبيرٍ في تسخير التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي، وابتكار سبلٍ جديدةٍ وعصريةٍ، تجعلها قادرةً على استقطاب المتلقي في ظل دوامة الـ «ميديا» الساخنة.

ما رأيك بمتابعة اللقاء مع التشكيلية ميرفت الأمير: الإحساس باللوحات أهم مؤشّر لتذوق الفن


الفن والثقافة التنويرية

السعودية تشهد مبادرات ثقافية وظهور جمعيات داعمة للفن ما يبشر بمستقبل مزدهر

 

ماذا عن الصحف السعودية، كيف تصفين اهتمامها بالفن التشكيلي؟

صفحات الفن التشكيلي في الصحف المحلية السعودية تلقي الضوء على الفن والثقافة، وتدعم الأنشطة الفنية، وهناك عديدٌ من المجلات الثقافية المحلية التي أسهمت في تعزيز النشاط الثقافي التنويري، أذكر منها مجلة الفيصل الثقافية، وسيكون من الجميل أن نرى في المستقبل صحيفةً سعوديةً بملحقٍ ثقافي، يضاهي ملحق القبس.

استضافتك صحيفة إسبانية للحديث عن ازدهار المشهد الفني في السعودية، هل تشعرين بأن هناك تقارباً بين الفن التشكيلي السعودي والإسباني؟

هذا صحيح، حيث تواصلت معي صحيفة «أتلايار» الإسبانية، التي تهتمّ بالتقريب بين الحضارات والتعريف بها، وطلبت مني إجراء هذا اللقاء الجميل، الذي تحدّثت فيه عن ازدهار المشهد الفني في السعودية حالياً، وللعلم تعدُّ الروايات والحكايات والتقاليد الأندلسية في إسبانيا من مصادر الإلهام والإبداع للفنانين، الذين ينحدر أغلبهم من أصولٍ أندلسية، مثل بيكاسو، لذا فإن حقيقة العصر الذهبي للفن الإسباني، هو في الواقع عصارة ونتاج الثقافة العربية، ومن المهم أن نحدِّد التشابه بين الفنين، وقد قمت بزيارة مدينة برشلونة مرات عدة، وأعجبني فيها متحف بيكاسو، والمعالم العمرانية المذهلة للفنان جاودي، وتأثرت بها كثيراً، خاصةً استخدامه الضوء وانعكاساته، وتعدُّد الألوان والأشكال غير المستقيمة التي تميِّز أعماله التعبيرية، وتأثره بفناني المشرق في إظهارهم الألوان في فنونهم الشعبية والفنون الإسلامية عموماً.

 

 

أدوات الإبداع

هل من السهولة الجمع بين الذكاء الاصطناعي والفن التشكيلي؟

أرى أن الذكاء الاصطناعي أداة من الأدوات الإبداعية التي يمكن للفنان أن يستخدمها في إنتاج أعمالٍ مبتكرةٍ. الأمر لا يتعلَّق بقدرة الآلة على تجاوز قدرات الفنان البشري، أو محاكاة إبداعه، أو الحلول محله، إذ ليس للإبداع منطق محدّد، والإبداع البشري تحديداً يختلف عن الإبداع التقني، مهما بلغت قدرات الأخير، ومهما احتوت بياناته، ومن الجيد أن يكون الفنان منفتحاً على كل جديد، وأن يجرِّب طرقاً وأساليب فنية باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، وأعتقد أننا سنعتاد على وجود أساليب أعمالٍ مشتركةٍ بين الفن والذكاء الاصطناعي، وفي النهاية أجد أن ريشة الفنان وألوانه لا يمكن استبدالها، أو الاستغناء عنها بأي شيءٍ آخر.

دور الوالد

كان لوالدك تأثير كبير على فنكِ وتشكيل ذائقتك الفنية، ما أكثر الأشياء التي ما زالت عالقةً في ذهنك؟

والدي صاحب التأثير الأول فيما يتعلَّق بتنمية حبي للفن بشكلٍ عام، فدائماً ما كان يشجعني على تعزيز مهاراتي في العزف على البيانو، خاصةً أنه كان يتقن العزف على البيانو والعود، وبحكم عمله في السلك الدبلوماسي، كان يحرص في جميع أسفارنا إلى الخارج على أخذي وإخوتي إلى المتاحف الفنية والتاريخية، حيث كنت أمعن النظر والتأمّل في اللوحات المعروضة، وكأنني أعيد رسمها في مخيلتي، ما أدَّى إلى تغذية الحس الفني لدي، وزاد من تأثري بالفن الأوروبي.
ويعدّ الفنان النمساوي جوستاف كليمت من أكثر الفنانين الذين تأثَّرت بهم في أعمالي بحكم قضاء والدي أعواماً عدة سفيراً للسعودية في النمسا، وعيشنا في العاصمة فيينا المدينة الغنية بعبق التاريخ والفن والموسيقى وجمال الطبيعة الملهمة. كذلك كان لوالدتي أثرٌ في موهبتي، وأذكر أنني كنت أراقبها وهي ترسم «سكيتشات» الأزياء النسائية التي تنوي تفصيلها، وهذا ما يفسّر حبي لإبراز جمال الأزياء النسائية في أعمالي، إذ مثَّلت في عديدٍ منها التراث والثقافة السعودية، وأبرزت أزياء المرأة التراثية بطريقةٍ عصريةٍ مبهجة.

نقترح عليك متابعة لقاء مع التشكيلية أضواء الصالح: لـوحة «صحراء المملكة» تمثل وطني بكل عراقته

سفيرة الفن

أشعر بالراحة عندما أرسم ما يعبّر عن كتلة المشاعر المختلطة والمتضاربة بداخلي

مثَّلت السعودية في معارض دولية عدة، ما أهم المعارض التي شاركت بها؟

شاركت في معارض عدة، عربية وأوروبية، من أبرزها معارض في بريطانيا وبلجيكا، حيث احتفت السفارة السعودية في بروكسل بالفن، والقافلة السعودية خلال حفلها بالعيد الوطني في بلجيكا، وكنت ضمن الفنانين الذين عرضوا أعمالهم هناك، وأرى أن الفنان السعودي، يجب أن يكون صاحب رسالةٍ، تحمل وتحيي ثقافته وبيئته بلغته الإبداعية المميزة، لا سيما أن البيئة السعودية غنيةٌ وخصبةٌ وناتجةٌ عن عاداتٍ وثقافاتٍ تبلورت على مدى أعوامٍ طويلة.

كيف استقبل الجمهور أعمالك؟

مشاركاتي خارج السعودية ألهمتني أن أكون سفيرةً لبلادي بأعمالي وشخصيتي الفنية، والحمد لله وجدت إقبالاً كبيراً على الفن السعودي، وحرص عددٌ من عشاق اقتناء اللوحات على الحصول على أعمالي.

هل سيكون لك مشاركةٌ قريبةٌ في معرض فني؟

شاركت أخيراً في معرضٍ جماعي، ضمَّ مجموعةً من الفنانين المبدعين، وأقيم في الرياض بمناسبة يوم التأسيس، وعرضت فيه مجموعة من أعمالي.

 

 

ازدهار الفن السعودي

ما أبرز محطات الفن السعودي التي تستوقفك كثيراً؟

الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، بدأ بشكل ملحوظ في نهاية خمسينيات القرن الماضي، وتطور بعد إدراج الفن ضمن المناهج الدراسية، وافتتاح معهد التربية الفنية، واستقطاب عددٍ من الفنانين العرب إلى البلاد، وإطلاق الابتعاث الخارجي. وفي الأعوام الأخيرة تطور الفن السعودي بشكلٍ كبير نتيجة الدعم غير المسبوق المقدّم للفنانين من أعلى المستويات، خاصةً بعد إطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «رؤية 2030» الهادفة إلى تطوير البلاد، وما تضمَّنته من محاور، تناولت شتى مناحي الحياة ومختلف القطاعات، في مقدمتها قطاع الثقافة والفنون، ما أسهم في اكتشاف مواهب جديدة، وإظهارها للعلن.

كيف ترين مستقبل الفن التشكيلي السعودي؟

تزخر السعودية حالياً بالمبادرات الثقافية، والجمعيات الفنية الداعمة، الأمر الذي يبشّر بمستقبل مزدهرٍ للفن في البلاد، ومتفائلة جداً بأننا سنشهد قريباً إطلاق عديد من المشروعات الفنية التي سترتقي بالفن والفنانين السعوديين.

تعرفي أيضاً على التشكيليّة والكاتبة هناء حجازي: الفنُ يمنحني البهجةَ والسلامَ