أصبح مصطلح الذكاء الاصطناعي جزءاً من آلية الحياة المعاصرة، في الاستراتيجية التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة، كأحد المشاريع المئوية، في الصحة، الإدارة والمواصلات، ومنظمة الهندسة الجينية، وعلوم الفضاء، كل هذه التطورات أوصلت البشرية إلى مفترق طرق، سقط فيها الجدار بين الواقع والتخييل العلمي، بمعنى أن ما كنا نقرؤه في الروايات ونراه في السينما تحول إلى واقع، ومن هذه التطورات التكنولوجية الذكاء الاصطناعي الذي أسهم بشكل ملحوظ في التطور التقني السريع وزيادة فرص الابتكار والنمو في مختلف المجالات، وكان له الدور المهم في رفع الجودة وزيادة الإمكانات وكفاءة الأعمال وتحسين الإنتاجية.

مؤخراً وعبر منصة "إكس": أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن اعتماد حكومة الإمارات منهجاً جديداً لمادة "الذكاء الاصطناعي" ضمن المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم الحكومي، من رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، بدءاً من العام الدراسي القادم، وذلك ضمن خطط دولة الإمارات طويلة المدى في إعداد الأجيال القادمة لمستقبل مختلف، وعالم جديد، ومهارات متقدمة، وأضاف الشيخ محمد: "نؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيغير طبيعة الحياة التي يعيشها العالم".
لمزيد من الشرح استضافت "سيدتي" الدكتورة غادة المرشدي، مدربة معتمدة في الإدارة والقيادة، وأكاديمية في الذكاء الاصطناعي، التي دعت لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم مهارات العمل في المؤتمر الدولي للتعليم العام، وكانت لها هذه الإجابات المفيدة.
خوض تجارب تعليمية مرنة

تركز د. غادة المرشدي، في أبحاثها على استكشاف كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير العملية التعليمية، بما يسهم في تحسين جودة التعلم وتعزيز مهارات الطلبة في التفكير النقدي والكتابة الأكاديمية. فقد عملت على دراسة أدوات مثل ChatGPT وQuillbot، واهتمت بتحليل أثر استخدامها على أداء الطلبة الجامعيين، خاصة في التعليم العالي، بالإضافة إلى دراسة مدى تقبلهم لهذه التقنيات وانعكاسها على استراتيجيات تعلمهم.
كما قامت بتصميم نماذج تعليمية تفاعلية توظف الذكاء الاصطناعي في بيئات STEAM، حيث يتمكن الطلبة من خوض تجارب تعليمية مرنة ومخصصة تتناسب مع قدراتهم، وتربط بين الجانب النظري والتطبيقي. واهتمت كذلك بدراسة بيئات التعلم المفتوحة عبر الإنترنت، ومدى ارتباطها بتطوير مهارات التعليم المستقل للأطفال. تتابع قائلة: "في سياق دعم الممارسات التربوية الحديثة، قمت بتحرير كتاب متخصص يسلّط الضوء على تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم، ويضم نماذج عملية للمعلمين والطلبة، توضح كيفية استخدام هذه الأدوات بطرق فعالة وأخلاقية داخل الصفوف الدراسية.
وعلى المستوى التدريبي، قدمت عدة ورش عمل في مجالات الذكاء الاصطناعي في التعليم، استهدفت المعلمين والطلبة، وناقشنا خلالها مفاهيم مثل الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي، السلامة الرقمية، وأساسيات تصميم أنشطة تعليمية رقمية تفاعلية، من خلال هذه الأبحاث والورش، أطمح إلى الإسهام في بناء منظومة تعليمية مرنة ومبتكرة، تعزز التفكير التحليلي والإبداعي، وتعدّ المتعلمين للتفاعل بفعالية مع متغيرات المستقبل الرقمي.
يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي لدعم هذه المهارات من خلال بيئات محاكاة تفاعلية وألعاب تعليمية مصممة بعناية
لا بد من تعزيز كفاءة المعلم

تنتشر المخاوف من أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تقليل دور المعلم البشري وتأثيره في العملية التعليمية، لكن برأي الدكتورة غادة، أن الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل دور المعلم لا إلغاءه، فالتعليم ليس مجرد نقل معلومات، بل يتضمن تفاعلاً بشرياً معقداً، دعماً نفسياً، وتحفيزاً معرفياً لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاته بدقة، التقنيات الذكية تُستخدم في تخصيص المحتوى وتوفير تغذية راجعة فورية، لكنها لا تمتلك المهارات العاطفية والاجتماعية التي يُظهرها المعلم داخل الصف. تتابع قائلة: "تظهر البحوث أن تكنولوجيا التعليم فعّالة حين تُدمج في إطار تربوي يقوده الإنسان، لا حين تُستخدم كبديل، لذا فإن دور المعلم سيتحول إلى تصميم خبرات تعلمية، وتحليل بيانات تعلم الطلاب، وتوفير الإرشاد الأكاديمي، باختصار التحدي ليس في زوال دور المعلم، بل في تعزيز كفاءته ليعمل بتكامل مع التقنية لا في مواجهتها.
يجب تدريب المعلمين على تصميم استراتيجيات تعلم تدمج الجانب الاجتماعي والعاطفي ضمن المهام الرقمية
مخاوف تجاوزها القرار الحكومي

تجد د. غادة أن الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي في التقييم قد يؤدي إلى إغفال الجوانب غير القابلة للقياس الكمي مثل الإبداع، التعاون، والتفكير النقدي، تستدرك قائلة: "رغم أن أدوات التقييم الذكية توفر مؤشرات دقيقة عن الأداء الأكاديمي، إلا أنها تعتمد على البيانات التي قد تعكس تحيزات أو تفتقر إلى السياق التربوي والثقافي، على سبيل المثال، قد تفشل الخوارزميات في تفسير التحسين التدريجي أو التغيرات السلوكية التي يرصدها المعلمون، ومن الناحية الأخلاقية، لا بد من ضمان الشفافية في كيفية تحليل وتفسير نتائج الطلاب، لذلك يُوصَى باعتماد نموذج “التقييم الهجين”، حيث تُستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي كوسائل مساعدة ضمن إطار تقويمي شامل، يعتمد على الملاحظة الصفية، التقييم التكويني، والأنشطة الواقعية، بذلك يتحقق التوازن بين دقة البيانات وعمق الفهم التربوي".
أوجدت حكومة الإمارات التكامل بين التعليم القائم على الذكاء الاصطناعي والتعليم التشاركي، بحيث يُشجَّع الأطفال على العمل الجماعي مع توظيف التقنية كمحفّز وليس كبديل
تكشف د. غادة أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر سلباً على تطور المهارات الاجتماعية والعاطفية لدى الطلاب إذا تم استخدامه كبديل للتفاعل الإنساني، فالطلاب بحاجة لتجارب تواصل واقعية، وتفاعلات وجهاً لوجه لبناء التعاطف، والقدرة على حل النزاعات، والعمل الجماعي، تعلّق قائلة: "إذا اعتمد الطفل منذ الصغر على أدوات ذكية للتعلم والتواصل، فقد تتراجع قدرته على قراءة الإشارات الاجتماعية، ومع ذلك، يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي لدعم هذه المهارات من خلال بيئات محاكاة تفاعلية وألعاب تعليمية مصممة بعناية، وهذا ما خططت إليه حكومة الإمارات، وقامت بتنفيذه، حيث وجدت أن الحل يتمثل في التكامل بين التعليم القائم على الذكاء الاصطناعي والتعليم التشاركي، بحيث يُشجَّع الأطفال على التعاون والعمل الجماعي مع توظيف التقنية كمحفّز وليس كبديل، كما يجب تدريب المعلمين على تصميم استراتيجيات تعلم تدمج الجانب الاجتماعي والعاطفي ضمن المهام الرقمية.
أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال علاج التوحّد عند الأطفال
حماية حقوق الأفراد
من أبرز التحديات الأخلاقية، التي استعد لها تماماً القرار الإماراتي، بتعليم الذكاء الاصطناعي في المدارس، كمادة رئيسية، تكمن في الخصوصية، الشفافية، والتحكم في البيانات، فأنظمة الذكاء الاصطناعي في التعليم تعتمد على جمع كميات ضخمة من بيانات الطلاب، ما يثير تساؤلات حول من يمتلك هذه البيانات، وكيف تُستخدم، ولصالح من، تستدرك د. غادة: "قد تُستخدم البيانات لأغراض تجارية أو دون موافقة واضحة من الطلاب وأولياء الأمور، ولتفادي ذلك، تم اعتماد مبادئ الحوكمة الرقمية التي تضمن خصوصية البيانات، وموافقة الأطراف المعنية، واستخدامها لأغراض تعليمية بحتة، وتمت صياغة سياسات مؤسسية واضحة تشرح للمستخدمين نوع البيانات التي تُجمع وطرق تحليلها، التحدي الأكبر هو الموازنة بين استخدام البيانات لتحسين التعلم، وبين حماية حقوق الأفراد، الشفافية والتثقيف الرقمي عنصران أساسيان في هذا التوازن، اعتمدهما القرار".
استحداث مادة الذكاء الاصطناعي في كل مراحل التعليم الحكومي في الإمارات
الذكاء الاصطناعي أداة فعالة

قد يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً لخصوصية الطلاب والمعلمين في البيئة التعليمية، إذا لم يُضبط استخدامه بسياسات واضحة وأدوات حماية متقدمة، وهذا ما توصل إليه البحث قبل إصدار القرار، فاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يتطلب جمع بيانات متنوعة تشمل الأداء الأكاديمي، أنماط السلوك، وحتى تفضيلات التعلم.
هذه البيانات يمكن أن تُستغل بشكل غير مشروع إذا وقعت في الأيدي الخاطئة أو استُخدمت لأغراض غير تعليمية، خصوصية المعلمين أيضاً معرّضة للخطر إذا تم رصد أدائهم دون شفافية، لتقليل هذا الخطر، تتابع قائلة: "ما تم هو تطبيق أنظمة تشفير متقدمة، وتحديد من يحق له الوصول للبيانات، ووضع معايير أخلاقية تحكم استخدام البيانات التعليمية، كما تم إدماج موضوع الخصوصية الرقمية في المناهج لتوعية الطلاب والمعلمين على السواء، الذكاء الاصطناعي أداة فعالة، لكن استخدامها الآمن هو في بيئة تنظيمية راسخة".
ألعاب التفكير المنطقي
الاعتماد الزائد على التكنولوجيا، دون إشراف تربوي، قد يؤدي إلى ضعف في التفكير النقدي، وتراجع في مهارات حل المشكلات والاستقلال المعرفي، عندما يعتمد الطالب على إجابات جاهزة تقدمها الخوارزميات، فإن ذلك يقلل من فرص التعلم عبر المحاولة والخطأ، والتأمل، والتحليل، تستدرك د. غادة: "من جهة أخرى، التكنولوجيا يمكن أن تُستخدم كأداة فعالة لتعزيز التفكير إذا تم دمجها بأساليب تعليمية نشطة، على سبيل المثال، ألعاب التفكير المنطقي، المحاكاة الرقمية، والمنصات التكيفية تُحفز الطالب على التفاعل وإيجاد حلول متعددة، المطلوب هو موازنة دقيقة بين التوجيه الذاتي المدعوم بالتكنولوجيا، والتفكير الإبداعي الذي يتطلب جهداً معرفياً لذلك، يجب تدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا كوسيلة لتعزيز مهارات التفكير العليا، لا كأداة لتلقين المحتوى فقط، وهنا يظهر دور المناهج الذكية التي تُشرك الطالب بشكل فعلي في بناء المعرفة.
فخوارزميات الذكاء الاصطناعي قد تعكس تحيزات متأصلة في بيانات التدريب، ما يؤدي إلى نتائج غير عادلة في التقييم أو التوصيات التعليمية، فإذا كانت الخوارزميات تعتمد على بيانات غير ممثلة لجميع الفئات (لغوياً، ثقافياً، اجتماعياً)، فقد تُقلّل من فرص بعض الطلاب أو تُقيّم أداءهم بصورة غير دقيقة، في التعليم، هذا قد يؤدي إلى تصنيف غير منصف للمتعلمين، أو إهمال الفروق الفردية، تستدرك د. غادة: "لذلك، تم تصميم أنظمة تعليمية ذكية ترتكز على بيانات متنوعة وشاملة، مع إشراف تربوي وخبراء في علم النفس والتعليم، كما تم توفير مراجعات دورية للخوارزميات، وتقييم أثرها على الفئات المختلفة من المتعلمين. الشفافية في تصميم الخوارزميات، والقدرة على تفسير نتائجها، تُعدّان من العناصر الأساسية للعدالة التربوية، وهذا ما يُعرف بـ “الذكاء الاصطناعي المسؤول” في البيئات التعليمية".
إشراف تربوي واعٍ

تشرح د. غادة، كيف تم إقرار الذكاء الاصطناعي للأطفال في مرحلة الروضة من خلال القصص، حيث يمثل قرار دولة الإمارات إدراج الذكاء الاصطناعي كمقرر دراسي ابتداءً من مرحلة رياض الأطفال خطوة استراتيجية وهذا ما يعكس رؤيتها الطموحة في بناء جيل متمكن رقمياً منذ المراحل العمرية المبكرة، إذ تقول: "يأتي هذا التوجه تماشياً مع التحول نحو اقتصاد المعرفة، وتكريس الابتكار كعنصر محوري في المنظومة التعليمية، في هذا السياق، ركزت بعض المبادرات على استخدام القصص الرقمية التفاعلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي كأداة تعليمية فعّالة لمرحلة رياض الأطفال، نظراً لقدرتها على تبسيط المفاهيم التقنية وتحفيز الخيال والتفكير لدى الأطفال، في أبحاثي، قمت بتطوير نماذج قصصية تدمج بين الصوت، والصورة، والتفاعل الذكي، حيث يمكن للطفل أن يختار شخصيات أو أحداث القصة، مما يعزز مهارات التعبير، واللغة، واتخاذ القرار. كما أشرفت على ورش تدريبية موجهة لمعلمات رياض الأطفال، ركزت على كيفية توظيف هذه القصص داخل الصف بشكل تربوي آمن يعزز التعلم الاجتماعي والعاطفي، دون أن يطغى الجانب التقني على البعد الإنساني في العملية التعليمية.
أشرفت على ورش تدريبية موجهة لمعلمات رياض الأطفال، ركزت على كيفية توظيف هذه القصص داخل الصف
ويُعد إدراج هذه التقنيات ضمن منهج الذكاء الاصطناعي في مرحلة الروضة جزءاً من بناء تدريجي متكامل، يشمل لاحقاً تعليم المبادئ الأساسية للبرمجة، والأنظمة الذكية، والتفكير الحاسوبي، بطريقة تتناسب مع الفئة العمرية، المهم هنا هو أن يُقدَّم هذا المحتوى ضمن بيئة تعليمية محفزة، بإشراف تربوي واعٍ، يراعي النمو العقلي والعاطفي للطفل، ويُعزز شغفه بالتعلم دون أن يُشعره بالتعقيد أو الضغط التقني.
مهارات المستقبل

تتوقع د. غادة أن تحدث الأتمتة تحولات جوهرية في سوق العمل، حيث ستُستبدل بعض الوظائف الروتينية بوظائف جديدة تتطلب مهارات تحليلية وتقنية عالية، تستدرك قائلة: "مع ذلك، لن تؤدي الأتمتة إلى إلغاء الوظائف بقدر ما ستغير طبيعتها، لذلك، فإن إعداد الطلاب يجب أن يركّز على بناء “مهارات المستقبل”، مثل التفكير النقدي لدى الطفل، الابتكار، التعاون، والذكاء العاطفي، وبدلاً من إثارة القلق، ينبغي تبني رؤية إيجابية تركز على “إعادة تأهيل المهارات” وتوفير بيئة تعليمية مرنة تُشجع على التعلّم المستمر، كما يُوصَى بتضمين مفاهيم الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الأخلاقية، والاقتصاد الرقمي في المناهج منذ المراحل المبكرة. الطلاب يجب أن يُشجعوا على استكشاف التخصصات التقنية ولكن من منظور إنساني وأخلاقي، إن التوازن بين المعرفة التقنية والمهارات الإنسانية هو ما سيمنحهم القدرة على التكيف مع عالم العمل المتغيّر بثقة ووعي".
*ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص