الحياة اليومية ما هي إلا مواجهة لمجموعة من المواقف البسيطة والأخرى المعقدة، وفي الحالتين يتطلب الأمر منا التفكير وحسن التصرف، المعتمد على إمكانيات وقدرات عقلية واجتماعية للإنسان.
فما بالك سيدتي الأم بالأطفال الذين يعيشون عصر التكنولوجيا والتطورات المتسرعة، لتصبح حياتهم مشحونة بالمشاكل والطلبات المؤجلة، والأماني الصعبة التحقيق، في مقابل آباء يتدخلون لحل مشكلات أطفالهم، بدافع الحب أو الرغبة في الحماية؛ ما قد يعيق تطور قدراتهم الذهنية والاستقلالية.
والسؤال: هل نمنحهم الفرصة ليختبروا مهارة التفكير المنطقي لديهم؟ أم نتسرع لحل مشاكلهم بدلاً عنهم؟ اللقاء والدكتور عبد العظيم علوان أستاذ طب نفس الطب، ليخبرنا بكيفية تعليم الطفل حل المشكلات بطريقة منطقية، والتعامل مع التحديات بطريقة منظمة منذ سن مبكرة.
الطفل المفكر= مشروع قائد

التنشئة لا تهدف لأن يصبح الطفل عبقرياً، بل أن يصبح قادراً على التفكير المستقل، اتخاذ القرار، وتحمل النتيجة؛ فمهارات حل المشكلات تُكتسب من البيئة بالمنزل.
تلك البيئة التي تُشجع على السؤال، وتسمح بالخطأ، وتحتفل بالمحاولة؛ كل سؤال يطرحه الطفل هو باب لفهم أوسع، وكل تحدٍّ يواجهه فرصة لبناء عقل منير وشخصية واثقة.
والتفكير المنطقي لم يعد رفاهية تربوية، بل ضرورة في عالم تتزايد فيه التحديات، ويحتاج فيه كل طفل إلى أدوات عقلية تُمكّنه من أن يكون فاعلاً، لا تابعاً.
الحقيقة الأولى: التفكير المنطقي يبدأ منذ الصغر

الأطفال لديهم فضول طبيعي ورغبة دائمة في الفهم، وإذا تم توجيه هذا الفضول بأسلوب تربوي مدروس، يصبح مدخلاً مثالياً لتعليمهم كيفية التفكير المنطقي، سيدتي: لا تقدمي إجابات جاهزة، بل قومي بمساعدتهم على طرح الأسئلة، وتحليل الخيارات، ليستخلصوا هم الحلول.
من أبسط الطرق لغرس التفكير النقدي في الطفل، أن يُطلب منه اتخاذ قرارات يومية بسيطة، مثل اختيار لعبة أو نشاط؛ أن يختار بين ثلاث ألعاب، وناقشه بأسئلة عن: مميزات كل لعبة؟ أي واحدة تعجبك أكثر؟ هل هناك ما قد لا يعجبك في إحداها؟ هذا النوع من النقاش يُعزز قدرة الطفل على التحليل، وتقييم الخيارات، واتخاذ القرار بناءً على منطق داخلي وليس فقط مشاعر لحظية.
الحقيقة الثانية: القصص أسلوب محبب ومحفز للتفكير

قصّ حكاية قبل النوم بشكل منتظم، يعتبر أعظم أداة تعليمية، فلا تحتاج الأم إلى وسائل تعليمية معقدة لتعليم طفلها حل المشكلات؛ لأن القصص والمواقف اليومية تقدم فرصاً غنية لطرح الأسئلة وتحفيز التفكير.
احكِي للطفل قصة قصيرة تحوي مشكلة، مثل: طفل نسي مظلته في يوم ممطر، ثم اسأليه: ما المشكلة في رأيك؟ ما الحلول الممكنة؟ ما هو أفضل حل؟ ولماذا؟ بهذه الطريقة، نعلّم الطفل كيف يحلل الموقف، وكيف يستعرض البدائل، ويختار تبعاً لتفكيره، وليس ما يُملى عليه من المحيطين حوله.
الحقيقة الثالثة: حل المشكلة بخطوات مرتبة واضحة
من المهم أن يتعلّم الطفل أن حل المشكلات ليس عملية عشوائية سريعة، بل يتطلب الأمر وقتاً، وترتيباً وخطوات متتابعة، وتدريبه على هذه الخطوات يجعله أكثر اتزاناً في المواقف التي تتسم بالصعوبة؛ إذا نسي الطفل شيئاً مهماً في المنزل، يمكن سؤاله: ما المشكلة؟ ما الذي تحتاجه الآن؟ ما الحلول الممكنة؟
ما إيجابيات وسلبيات كل حل؟ ما الحل الأنسب؟ وهذا التدريب يساعده على تنظيم أفكاره، ويقلل من ردود الأفعال السريعة أو العشوائية.
الحقيقة الرابعة: أترك طفلك يُخطئ ولا تلومه ليتعلّم
الخوف من الخطأ دائماً ما يمنع الطفل من المحاولة، لذا عليك تشجيع الطفل على التجريب، حتى مع وجود احتمالية الفشل، فهذه التجربة أمر ضروري لنموه العقلي، ليس ضرورياً أن ينجح الطفل من أول مرة، بل أن يحاول ويعيد المحاولة.
أعطه لعبة تركيب أو مشكلة متشعبة، أو تحدياً بسيطاً، وراقب كيف يتعامل معها، إذا لم ينجح؛ فاسأله: ما الذي تعتقد أنه لم يعمل كما يجب؟ هل هناك طريقة أخرى يمكن تجربتها؟ بهذه الطريقة، يتعلّم الطفل أن الخطأ ليس نهاية الطريق، بل بداية لفهم أعمق، وأن النجاح يأتي من الصبر وإعادة التفكير، والتكرار .
الحقيقة الخامسة: التفكير المنطقي يبني ثقة الطفل

حين نسمح للطفل بأن يحل مشكلته بنفسه، فإننا نمنحه رسالة واضحة تقول: نثق بك، هذه الثقة ستنعكس على سلوكه، وعلاقاته، وطريقة تعبيره عن ذاته، كل تجربة يقوم بها فيها قرار، أو تحدٍّ تم تجاوزه، ما يُعزّز شعوره بالقدرة والاستقلالية.
الطفل الذي يتخذ قرارات بسيطة يومياً، مثل اختيار ملابسه أو ترتيب أدواته، يشعر بأنه يملك زمام الأمور، كما أن شعوره بأنه شارك في إيجاد حلم، يمنحه احتراماً لذاته لا تُحققه المكافآت المادية.
عندما يتعلّم الطفل أن يحل نزاعاً مع أخيه أو زميله بطريقة حوارية، يكون أكثر قدرة على فهم وجهات النظر المختلفة، وأقل ميلاً للعدوانية أو العزلة، فالطفل المفكّر ليس فقط أذكى، بل أقل عدوانية وأكثر تواصلاً وتعاطفاً.
الحقيقة السادسة: التفكير المنطقي= تقدماً في التحصيل الدراسي

الطفل الذي يتدرب على التفكير المنظم في سن مبكرة، يصبح أكثر قدرة على فهم المواد التي تعتمد على التفكير التحليلي مثل: الرياضيات والعلوم، كما أن هذه المهارات تُساعده في حل مشكلات حياتية لاحقاً، وتفتح أمامه أفقاً أوسع للفهم والاستيعاب، الفكر المنهجي لا يقتصر على الدراسة، بل يشمل تنظيم وقته، ترتيب أولوياته، وفهم ما يدور حوله بعين ناقدة.
نصائح عملية وبسيطة للأمهات

- اختاري ألعاباً تعتمد على التفكير مثل البازل، المكعبات، أو الألغاز المناسبة لعمره.
- لا تكتفي بالإجابة عندما يسأل طفلك لماذا؟ بل اسأليه: ما رأيك أنت ؟ واتركيه يفكر.
- شجعيه على اتخاذ قرارات صغيرة، وقدّمي له خيارات في الأطعمة، أو حتى ترتيب نشاطه اليومي، وفي الزيارات، والرحلات.
- امدحي المحاولة، لا فقط النتيجة، إذا حاول وفشل، لا تلوميه أو تعاتبيه، فقط أخبريه: أعجبني أنك فكرت بطريقة مختلفة، وامنحيه فرصة جديدة.
- كوني نموذجاً في حل المشكلات، دعيه يراك تفكرين بصوت مرتفع عند مواجهة موقف ما، هذا يعلّمه أن التفكير مهارة عادية تُمارس، وليست قاصرة على فرد دون آخر.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.